عادل حواتمة
تابعت باهتمام بالغ ما أعلنه الدكتور خالد طوقان قبل نحو أسبوعين في حوار نووي مع صحيفة الرأي عن قدرة الأردن على معالجة 6 طن من اليورانيوم الخام، وبدء انتاج الكيلو الأول من الكعكة الصفراء بسواعد وعقول اردنية من قبل شركة تعدين اليورانيوم الأردنية.
لعلّ الكيلو الأول ليس كافياً بالمفهوم الاقتصادي حتى الآن، ولكنه وكما اجده كافياً بالمفهوم المعنوي، والذي يؤشر إلى ثبات التوجه النووي الأردني لحل ازمة الطاقة وتصديرها في المستقبل القريب من جهة، وتوافر القدرات النووية الأردنية المؤهلة من جهة أخرى. لقد استطاع الأردن بجهود جّبارة قادها جلالة الملك، والطاقم النووي على رأسهم طوقان، من فرض نفسه ليدخل النادي النووي السلمي من أوسع أبوابه؛ ضمن مجموعة الدول التي وقّعت على معاهدة منع الانتشار النووي “NPT” عام 1968 والتي تضمن له بما تحويه من حق الدول الموقّعة في الاستفادة من الطاقة النووية للأغراض السلمية، كما هو حال مفاعلاتنا؛ في الوقت الذي تعرضت فيه النهضة النووية الأردنية إلى الكثير من العقبات الدولية بإيحاءات إقليمية لثني الأردن عن الحصول على Know-how النووية أو السير في اتجاهها.
في ذات السياق يؤيد الأردن وبشدة المبادرة التي اقترحتها الشقيقة مصر في تسعينات القرن الماضي، من جعل الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل WMDFZME في رسالة واضحة إلى إسرائيل لفتح مفاعلاتها النووية لمجاهر وكالة الطاقة الذرية الدولية IAEA والوصول إلى نموذج جنوب افريقيا، وليبيا بالتنازل عن مخزونات أسلحة الدمار الشامل؛ وهي الأسلحة النووية، والجرثومية، والكيميائية.
إذا ما تجاوزنا حالة الاشتباك السلمي التي شهدها الأردن خلال الفترة الماضية بين مؤيد ومعارض بكل مخرجاتها الفكرية، والتي تؤسس لمرحلة ديمقراطية عميقة؛ تتجسد في الاختلاف لأجل الوطن وليس عليه، نجد أنفسنا كأردنيين في هذه المرحلة المفصلية من تاريخ الدولة الأردنية والتي انتقلت من دولة زراعية إلى دولة نووية؛ مطالبين على الأقل بإبراز أهمية هذا التحول الأردني الذي غادر مرحلة التوجه منذ العام 2008 إلى مرحلة بالإنجاز في العام 2016.
إبراز الأهمية تكمن في تناول هذا المنتج الذي يمكن وسمه بـ صنع في الأردن بتناوله اعلامياً واكاديمياً وتشكيل ثقافة نووية مجتمعية، ملتزمة بالأمن الإنساني باتجاهين؛ الأول المساهمة بمنع انتشار الأسلحة النووية بما تشكله من خطر يحدق بالإنسانية، والآخر تحقيق التنمية الشاملة من بوابة الأغراض السلمية؛ والتي تضمن استقراراً اقتصادياً وسياسياً وأمنياً.
نعم تلك الثقافة؛ بمفهومها الواسع المعرفي والسلوكي؛ يجب ان تبدأ من الاسرة والمناهج المدرسية والجامعية؛ ولا تنتهي عندها، فمؤسسات المجتمع المدني، والإعلام بأذرعه المختلفة شريك أساس، ورافد حقيقي لنمو وتكاثر، وثبات ذلك، والاستناد في تعميم النموذج وإدخاله ضمن ثقافة مجتمعية وصناعية حديثة عهد بالحلول النووية؛ يجب أن يركن إلى المنطق العلمي والنماذج الحيّة، لا على الهوى والضبابية والنقص.
إنتاج الأردن للكعكة الصفراء، جدير به ان يكون محور مهم في تناول القضايا الوطنية، فرع الإنجازات، باب الطاقة والتنمية، فلقد انشغلت الحناجر والأقلام الوطنية عنه برهة ولكنها لن تخفت ولن تجف، فعهدنا بها ان تجري فخراً وذكراً؛ لما من شأنه أن يريحها من شقاء البحث في حلول ارتفاع العجز، والمديونية ،وخلق فرص التنمية.