بقلم: جميل البرماوي
ادوات التواصل الاجتماعي التي يستخدمها ملايين البشر من حولنا والمتاحة للجميع، هي وسائل حضارية وانسانية لتبادل المعرفة والاخبار ولطرح الآراء وللتواصل الانساني بمختلف ابعاده واشكاله، كما انها تمثل وسيلة للضغط ونافذة للتعبير عن الراي بكل حرية ومسؤولية ضمن ضوابط ومحددات قانونية واخلاقية تحكم معظم شعوب العالم التي تستخدم تلك الوسائل والتي جاءت كثمرة لتطور ثورة الاتصالات والعولمة.
ويقدر عدد مستخدمي مختلف شبكات التواصل الاجتماعي في الأردن بحوالي 7.2 مليون، 5 ملايين منهم يستخدمون شبكة الفيسبوك، وهذا يؤشر إلى حجم التحدي الماثل امامنا للبحث عن افضل السبل لاستخدام هذه الفرصة الاتصالية لتصبح اداة من ادوات البناء الوطني لا معاول هدم وتهديد ومصدر للخطر.
وليس منا من يطالب بالحجر على الافكار او تقييد الحرية لصالح تبادل الافكار والآراء او النقد المباح، أو الحق في نشر الأخبار فقد ساهمت ادوات التواصل الاجتماعي في زيادة المعرفة وسلاسة تناقل الاخبار وسرعة وصولها للمتلقي بل وساهمت في كشف بعض قضايا الفساد ، ورفعت من منسوب تبادل الآراء وتلاقيها ومشاركة الجميع في الهم الوطني والانساني.
لكن ما يبعث على القلق والالم ان الوضع في المجتمعات العربية بشكل عام والمجتمع الاردني بشكل خاص لا يسر نتيجة الاستخدام الخاطئ والسلبي لتلك الوسائل الحضارية من قبل البعض وقد بدا الامر يتفاقم بشكل متسارع وينذر بالخطر، حيث اصبحت بعض هذه الادوات وسيلة لهدم العلاقات الانسانية والاجتماعية والحض على نشر ثقافة الكراهية والتطرف والعنف المتطور بل ونبذ الاخر وعدم الاعتراف بحق الاختلاف كما كان لها دورها الواضح في التجهيل والسطحية.
ثورة المعلومات والاتصالات التي اتاحت لنا وسائل متعددة للتواصل فيما بيننا ومعرفة احوال العالم وتوثيق عرى المحبة والتواصل الانساني وتقريب وجهات النظر والمشاركة في صناعة المستقبل واثراء النقاش المفيد والبحث عن الحلول للمعضلات التي تواجه المجتمعات وللتربية والتعليم وباقل الكلف المالية لم نحسن استخدامها بل حولنا تلك المنصات للثرثرة الكلامية وللتجريح ونقل الاشاعات وتداولها واستباحة خصوصيات الاخرين وقتل الوقت وانتهاك خصوصيات المجتمع وحقوقه وعدم التمييز ما بين العام والخاص وقد اباح البعض لا نفسهم الذم والتحقير والاتهام دون شرط او قيد ، كما اباحوا لا نفسهم ان يصنفوا الناس الى ملائكة وشياطين، حتى اصبحنا نرى من نصب نفسه قاضيا اومحققا اوصحفيا اوطبيبا او مهندسا، او خبيراً عسكريا ًاختلط الجليل بالنابل تراهم، يتكلمون في كل شيء بعلم ودون علم.
الأمر اليوم تجاوز المعقول، ليس من جهة تهديد الامن و السلم المجتمعي من خلال المنشورات التي تحمل الكراهية وما يعقبها من ردود ، او من خلال الافكار السلبية السوداء التي تلوكها بعض تلك الصفحات بل ان الامر أصبح يشكل خطورة على الامن الوطني من خلال تناول بعض تلك الوسائل لاخبار وفيديوهات وصور ملفقة وغير حقيقية و لأسرار وطنية غاية في الخطورة حتى ان الامر تعدى الى الخوض في التدخل في شؤون مؤسسات محمية بموجب الدستور والقانون واذا استمر الامر على هذه الشاكلة سيصبح الامر خارج السيطرة ويحطم القيم الجميلة والاصيلة التي تربينا عليها في التخاطب وحق الاختلاف ،وسيكون هذا الاستخدام المنفلت القنبلة التي ستنفجر يوما في وجه السلم الاجتماعي الذي ننعم به.
الاف الرسائل والمنشورات تبث يوميا ويتم تداولها عبر مواقع التواصل الاجتماعي يحكمها المزاجية والانفعالات العاطفية والنظرة السوداوية، قلة من هذه المنشورات تكون مبنية على المعلومة العلمية الصحيحة الموثقة اما اغلبها فيكون عبارة عن اشاعات تطلق لأهداف مختلفة ويتناقلها الاكثرية دون دراية او علم ثم تتناقلها المجاميع لتحولها "لحقيقة" تتداولها المجالس وتلوكها الالسن وهذا ناتج عن تجذر السطحية في التفكير عند البعض وضعف التسلح بالعلم والمعرفة وغياب الاسس الحقيقية للنشر القائم على المعلومة الدقيقة والرقم الصحيح والصورة الواقعية.
التداخل الحاصل ما بين وسائل الاعلام الملتزمة التي تعمل ضمن تشريعات وقوانين وتحكمها انظمة واخلاقيات المهنة ومواقع التواصل الاجتماعي لا بد له من ضوابط منطقية، فان كان من حق اي مواطن ان يعبر عن رأيه بكل حرية ومسؤولية وقد كفل له الدستور ذلك فانه ليس من حقه ان ينشر ما يهدد الامن المجتمعي والوطني ويسيء للاخرين وهذا يتطلب جهداً وطنياً كبيراً واعادة ترتيب للامور.