في ظل الأزمات الاقتصادية المتلاحقة التي يواجهها الأردن، يصبح الحديث عن الموازنة العامة في غاية الأهمية.
فرغم أن دراسة الموازنة تتمحور حول الأرقام والنسب، فإن الواقع يتطلب منا النظر إلى السياق الأوسع الذي يحيط بها.
فعندما نتحدث عن مشروع قانون الموازنة العامة، لا يمكننا تجاهل التقارير التي تصدر عن ديوان المحاسبة ودائرة النزاهة ومكافحة الفساد، التي تشير إلى المشكلات الكبيرة التي تعاني منها المالية العامة للدولة.
التحديات التي تواجهها الموازنة تكمن في تراجع الإيرادات وزيادة النفقات، والجارية منها بخاصة، بشكل مضطرد؛ ففي الوقت الذي تتزايد فيه نفقات الحكومة، نجد أن الإيرادات تتقلص، ما يؤدي إلى فجوة متزايدة تساهم في تفاقم العجز المالي.
هذه الوضعية تجعل من الضروري التفكير في كيفية إدارة الموارد بشكل أكثر كفاءة، وبخاصة في ظل الاعتماد على ضريبة المبيعات كمصدر رئيسي للإيرادات، بدون وجود خطط واضحة للتنمية ودعم الاقتصاد.
مع اقتراب إقرار مشروع قانون الموازنة، تظهر العديد من الإشكاليات المترتبة على زيادة المديونية وتفشي الهدر في استخدام المنح والمساعدات.
فالكثير من الأموال تُهدر بدون استغلالها في مشاريع قادرة على معالجة البطالة والفقر، وهو ما يعكس غياب التخطيط السليم والإدارة الرشيدة.
هذه التحديات تستدعي مراجعة شاملة للسياسات المالية والاقتصادية، حيث يبدو جلياً أن الحلول الحالية ليست كافية، أو غير صالحة لمواجهة الأزمات المتزايدة، وبخاصة تحريك عجلة الاقتصاد وجذب الاستثمارات وتأمين فرص العمل.
في خضم هذا الوضع، يتعالى الصوت المطالب بمحاسبة أجهزة الرقابة الداخلية في الوزارات التي يُفترض أن تكون درعاً لحماية المال العام.
ورغم أن التقارير تُظهر إهدار الملايين، أو نهب جزء منها، في ظل غياب الرقابة، تبرز تساؤلات مشروعة حول سبب عدم محاسبة تلك الجهات على تقصيرها، مما يعزز شعور المواطنين بعدم الثقة في مؤسسات الدولة وقدرتها على حماية المال العام.
هذا التراخي في المساءلة يفتح المجال أمام الفساد ليؤثر سلباً على حياة الناس وجودة الخدمات.
وفي إطار ذلك تبرز معضلة مؤثرة تتمثل في الظلم بالتعيينات والاستثناءات التي تؤدي إلى عدم تقدير الكفاءات.
إذ بينما يقبع الكثير من المؤهلين في منازلهم، نجد أن باب التوظيف يُفتح لأشخاص ليسوا مؤهلين، ما يساهم في تعزيز المحسوبية ويعزز الشعور بالإحباط لانعدام العدالة، ويقلل من جودة الأداء الحكومي.
هذا الأمر لا يتوقف عند حدود التوظيف، بل يتعداه إلى جميع جوانب الحياة اليومية، حيث يشعر الناس بأن القوانين واللوائح لا تُطبق بشكل عادل.
فوق كل ذلك، تعاني البلاد من تضييق على الحريات العامة، وهو ما يجعل الأجواء السياسية والاجتماعية أكثر توتراً..
إن تهميش الحريات والتنميط السياسي يولّدان بيئة معقدة تعيق أي تقدم ممكن. والأهم من ذلك، أن الفاسدين يثرون على حساب النزاهة، ما يزيد من فجوة انعدام الثقة في المؤسسات الحكومية، ويجعل الأمل بالتغيير يبدو أمراً بعيد المنال.
ولا نغفل أن الخدمات الأساسية التي تقدمها الدولة، مثل الصحة والتعليم، تعاني من ضعف شديد. حيث أن المواطنين يجدون أنفسهم في مواجهة خدمات لا ترقى إلى مستوى تطلعاتهم.
من المحزن أن يُنظر إلى الحصول على خدمات ذات جودة عالية بوصفه حلما، بينما هي حق من حقوقهم.
إذن؛ فمراجعة الموازنة العامة للدولة ليست مجرد مسألة مالية، بل هي قضية تتعلق بالشأن الاجتماعي، والسياسي أيضا.
الحوار المفتوح الشفاف والصريح بين الحكومة والمواطنين بات ضرورة ملحة لبناء مستقبل اقتصادي واجتماعي أفضل.
يجب أن تعي جميع الأطراف دورها في مواجهة الفساد وتعزيز الشفافية، وأن تدرك أن الخروج من أزماتنا يتطلب تضافر الجهود والالتزام بالإصلاحات الجذرية اللازمة.
الفرصة سانحة الآن للتفكير بشكل مختلف وإعادة بناء الثقة بين الحكومة والشعب، فالأردن والأردنيون يستحقون أفضل.