يؤكد المسؤولون الأردنيون بأنّه لا يوجد أي رسائل رسمية أو مباشرة أميركية إلى الآن عن الخطة الجديدة لعملية السلام، المنتظرة من الإدارة الأميركية، التي أُطلق عليها مصطلح "صفقة القرن". ولا توجد لديهم معرفة دقيقة عمّا يقال عن تأجيل الإعلان عن الخطة المقترحة، الذي كان من المفترض أن يتم خلال الشهر الحالي.
مع ذلك فإنّ المؤشرات الواقعية واضحة تماماً ولا تدعو إلى التفاؤل بأيّ حالٍ من الأحوال! أوّل هذه المؤشرات مرتبط بالقدس، وتصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بأنّ القدس لم تعد جزءاً من الحل النهائي، لا تدع مجالاً للشك في استبعاد القدس من الحل النهائي، ولا يتجاوز ذلك موضوع الحدود والسيادة واللاجئين، فأيّ تصوّر أميركي لن يوفّر أيّ حدّ أدنى يتيح لأي رئيس فلسطيني، أو قيادي في أيّ فصيل أو في السلطة، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار القبول به.
أيّاً كانت الضغوط الأميركية أو الغربية، أو حتى العربية – غير الرسمية- على الرئيس محمود عباس وعلى السلطة الوطنية الفلسطينية، فلا يمكن تصوّر قدرة أي فلسطيني القبول بالخيارات المطروحة، فلا يوجد شيء يمكن فرض قبوله على الفلسطينيين، يمكن أن يخيف الأردن من سيناريو "الوطن البديل" الذي أصبح بمثابة فوبيا أكثر منه أمراً واقعاً، على الأقل فيما يخص الحلّ النهائي للقضية الفلسطينية.
في الوقت نفسه يؤكّد المسؤولون الأردنيون بأنّ الأردن كان واضحاً مع سلّة الأفكار التي كان يحملها صهر الرئيس الأميركي، جاريد كوشنير (الذي يمسك عملياً بهذا الملف)، برفض القبول بمجرد طرح أي سيناريو يتعارض مع المصالح الوطنية الأردنية، ومن ضمنها فكرة الفيدرالية.
إذاً، وفي حدود التداعيات المباشرة والأوّلية لما يمكن أن تأتي به "صفقة القرن" لا يوجد ما يقلق حقّاً الجانب الأردني، أو يمكن أن يُفرض علينا قبوله. لكن ذلك – وهنا الكلام المهم- لا يعني أنّه لا توجد هواجس حقيقية أردنية على المدى المتوسط أو البعيد، فيما يخص القضية الفلسطينية التي تمسّ الأمن الوطني الأردني!
الهاجس الأردني الأول يتمثّل في تلاشي حلّ الدولتين عملياً، معنى ذلك أنّ سيناريو "الأمر الواقع"، الذي يذهب إلى اختزال الضفة الغربية بسكان مرتبطين بسلطة محدودة أو مشروع دولة في غزة، هو الذي سيتحقق على أرض الواقع في نهاية اليوم، ما يعني أنّ المشكلة الفلسطينية لن تُحل سياسياً، وستبقى مصدراً للتوتر والأزمات الإقليمية.
الهاجس الثاني مرتبط بالقدس، فتداعيات القرار الأميركي المتعلّق بنقل السفارة لا تقتصر على الشؤون الديبلوماسية، ولا حتى الأبعاد الرمزية، فهنالك جموح إسرائيلي متزايد منذ القرار في خطوات تهويد المدينة المقدسة، وكأنّ القرار بمثابة ضوء أخضر لتحقيق ما لم يكن ممكناً تحقيقه في العقود الماضية من جهود وخطوات إسرائيلية في تغيير هوية القدس.
هذا وذاك يقود إلى الهاجس الثالث – بعيد المدى- المتمثّل في تلاشي اليسار الإسرائيلي وصعود التيارات اليمينية الإسرائيلية، ليس فقط العلمانية، بل الدينية أيضاً، التي أصبحت تمتلك نفوذاً وقوة أكبر مما سبق، وتكفي قراءة بعض المقالات المنشورة في الصحافة العلمانية الإسرائيلية (مثل هآرتس) لملاحظة حجم الصعود الأصولي اليهودي في مؤسسات الدولة والثقافة العامة هناك!
هذه الأيديولوجيا اليهودية الدينية المتطرفة تهدد بتفجير المنطقة بأسرها مستقبلاً، مع ما يحدث في القدس، فنحن أشبه ما نكون أمام "حرب أصوليات" ستجتاح المنطقة، التي تعيش أصلاً صراعاً أصولياً آخر في سورية والعراق، بين رايات داعش والقاعدة من جهة والتيارات الشيعية المتطرفة من جهةٍ ثانية، ومع التطورات التي تشهدها القضية الفلسطينية التي أصبحت في قبضة اليمين الإسرائيلي المتطرف، فإنّنا أمام أوضاع خطيرة متوقعة قادمة! الغد