لا يملك كثيرون مثلي, ما يقدمونه لشباب غامروا بحياتهم ومستقبلهم من أجل مستقبل افضل في اتون الربيع العربي, الا منحهم قلبا قادرا على الحزن او للدقة لا يملك غير الحزن, كي يمارسوا حزنهم على ما فات, بعد ان تحولت احلام الخبز والحرية والعدالة الاجتماعية الى مجرد اطلال وقصائد قديمة ولوحات غير مرغوبة في العرض على الجدران , وقطف الربيع رجال الانظمة السابقون ورجال الاحزاب المتسربلون بقلّة الحكمة والموعظة غير الحسنة, فعيد الشرطة الذي دفعت ذكراه ملايين البشر للخروج الى الميادين تحول الى عيد للاحتفال بالخراب العربي العميق بدل الربيع الذي لم يخضوضر.
ليت الذي كان ما كان, هو اكثر التعابير جريانا على السنة عباد الله من المحيط الى الخليج, فالربيع الذي تحول الى رايات سود ودخان اسود بفعل الحروب الاهلية الطاحنة وانبلاج التطرف والارهاب من شقوق الربيع العربي, لغياب القوى الديمقراطية الحقيقية وتكلس الاحزاب التنويرية, أجرى الندم على الألسنة, بعد ان وجدت ادوات القمع ما يبرر حضورها ونفوذها المتصاعد باعلى مما كان قبل الربيع العربي, فالأمن مقدم على الخبز والحرية معطلة بقرار الحاكم الاداري وكأن العلاقة بين الامن والاستقرار والحرية والديمقراطية مستحيلة مثل العنقاء والخلّ الوفي .
استدارة العجلة الى الخلف, هي الظاهرة الاعمق بعد كل هذه السنوات العجاف, من عودة الزعيم الاوحد والحزب الحاكم حتى لو الغى الجهر بالاعلان عن نفسه, ونفس الانتهازية من الاحزاب الجالسة على قارعة قصور الحكم, تنتظر نجاح محاولة للتسلل الى الظهور العلني عبر تسوية صامتة او دعم الحالة القائمة, بعد ان حرقت سُفن الآخرين باعلان دعمهم مبكرا, في رسالة الى القائم وليس الى المترشح البكر, نفس اللعبة ونفس الادوات المتسربلة بكل ما تيسر من انتهازية سياسية وعبث بوجدان الفقراء والبسطاء, فالسلعة الدينية ما زالت رائجة وثمة مشترون كُثر لصكوك الغفران وصكوك الاستثمار الحلال .
في مثل هذا اليوم, كما هي عادة البرامج التفزيونية والزوايا الثابتة في الصحف الورقية, صحونا على نسمة ربيع رغم الشتاء القارس والمربعانية التي تحولت الى مرفعانية في التضخم والاسعار والاندياح نحو واشنطن والكيان الغاصب, داعبتنا تلك النسمة وصارت الاحلام ممكنة التحقق, ولم يستمع الراكضون في الشوارع الى اصوات الرشاد التي حذّرت بأن ما يجرى استثمار للغضب وليس بناء للحرية وتداول السلطة بأمانة ويُسر, وان الحركة الجماهيرية دون قيادة ديمقراطية واحزاب تحمل نظرية تقدمية, ضرب خيال, وسيقطف الثمار الاقوياء فقط, اما النظام القائم او النقيض السياسي المتسربل برداء التدين, وكلاهما واحد في نهاية المطاف, فالانظمة القائمة قادرة على ان تبني السلطة ولا تبني الدولة, والنقيض قادر على هدم السلطة فقط, ولأن االدولة تكورت وبُنيت في حضن السلطة, فالخطر على الدولة قائم من الانظمة وبديلها الجاهز انذاك, فوقعنا في الفخ .
ثمة اصوات راشدة تدعو اليوم الى اعادة بناء العمل الحزبي على اسس مدنية وديمقراطية, بانتظار لحظة قادمة تحمل نسمة مشابهة للنسمة السابقة تختلف معها في الاستعداد والبيئة الحاضنة وتتفق معها في الضرورة والواجب, لعل البناء الديمقراطي التراكمي يخلق ظرفا موضوعيا جديدا نسترد فيه الدولة من بطش السلطة, والى حين ذلك لا املك الا ان اقدم قلبي للفقراء وللمحرومين كي يحزنوا به على ما فات .
الدستور