مدار الساعة - كتب: أ.د. أمين مشاقبة
إن الهوية الوطنية هي مجموعة الخصائص والسمات التي تتشكل عبر التاريخ، والتي تميّز أبناء وطن معين عن أبناء الأوطان الأخرى، وتصبح لصيقة بشعب من الشعوب وتميزه عن غيره، وهي مجموعة الصفات أو السمات الثقافية العامة التي تمثّل الحدّ الأدنى المشترك بين جميع الأفراد الذين ينتمون إليها والتي تجعلهم يعرفون ويتميزون بصفاتهم تلك عن من سواهم من أفراد الأمم الأخرى.
ويعرّف (أليكس مكيشيللي) A. Maceshelly الهوية بأنها "منظومة متكاملة من المعطيات المادّية والنفسية والمعنويّة والاجتماعية تنطوي على نسق من عمليات التكامل المعرفي وتتميز بوحدة المشاعر الداخلية التي تتمثل في وحدة العناصر الماديّة والتمايز والديمومة والجهد المركزي".
وعليه، تُحدّد الهوية في ثلاث دوائر، دائرة الفرد ضمن مجموعة واحدة، ودائرة المجموعة ضمن الأمة، ودائرة الأمة المتميّزة بين الأمم الأخرى، هذا وترتبط الهوية بعدد من الخصائص الحضارية المشتركة والتي تساهم في تكوينها، مثل: الجغرافيا، واللغة، الدين، والتراث، والعادات، والتقاليد، والثقافة العامة، إلى غير ذلك من خصائص.
وتُعرّف الهويّة الوطنيّة بأنها ذلك الشعور الجمعيّ المشترك والشامل لمواطنين دولة ما، وهو الشعور الذي يقربهم من بعضهم البعض، ويولّد لديهم إحساساً بالانتماء للأرض التي يعيشون عليها، ويعزّز الحاجة المشتركة لديهم للتعايش معاً إلى حد ربطهم بمصير وحد، وهو شعور يولّد في أدنى درجاته الاختلاف عن الهويات الأخرى، ويولّد في أعلى درجاته رابطة أقوى من عوامل التمزق والاختلاف مهما تعدّدت أنواعه سواء كان عرقي أو ديني أو قبلي أو غير ذلك.
والهوية الوطنية هي وعي بالذات والمصير التاريخي الواحد من موقع الحيّز الماديّ والروحي الذي تشغله في البنية الاجتماعية ويفعل السمات والمصالح المشتركة التي تحدّد توجهّات الناس وأهدافهم التي يضعونها لأنفسهم ولغيرهم، ومن ثم فهي تدفعهم للعمل معاً في إثبات وجودهم، والمحافظة على منجزاتهم، وتحسين وضعهم وموقعهم في التاريخ.
وقد يساهم هذا بعدم تحقيق الانسجام الاجتماعي بين المكونات الاجتماعية في الدولة أي يغيب التكامل الاجتماعي، الأمر الذي يساهم في زيادة حدة الصراعات على أسس مذهبية أو عرقية أو قبلية ويؤدي لظهور مظاهر عدم الاستقرار السياسي وحتى الحروب الأهلية أحياناً التي تدفع إلى السعي للانفصال عن جسم الدولة مما يساهم ذلك في تفكيكها وتمزقها.
وتبرز خطورة أزمة الهوية في المجتمعات الفسيفسائية التي يتشكّل فيها الشعب من قوميات وأديان ومذاهب وإثنيات متعددة، ولمعالجة أي خطر ممكن أن يشكل ويهدّد الهوية الوطنية في هذه المجتمعات يجب على النظام السياسي فيها أن يعترف بالتعددّية، ويفعّل تعزيز الهوية الوطنية، إضافة إلى توفير الحماية للمواطن؛ حتى لا يبحث عن هذه الحماية خارج إطار الدولة ومؤسساتها، الأمر الذي سيؤدي إلى غياب الاجماع الفكري والاجتماعي على هوية وطنية واحدة، وبروز هويات فرعية متعدّدة ومتناحرة.
إن المواطنة هي علاقة الفرد بدولته كما يحدّدها قانون الدولة بما تتضمنه من واجبات وحقوق في تلك الدولة، وهي صفة تطلق على كل مواطن يتمتع بجنسية وحقوق، ويلتزم بالواجبات التي يحدّدها الدستور.
ويشير مفهوم المواطنة إلى علاقة الفرد بالدولة التي يعيش فيها، ويكن لها انتماءاً وولاءاً عملياً، وشعوراً وجدانياً، مقابل ضمان الدولة لعدم المساس بكرامته، وصيانتها لحقوقه الأساسية المتمثلة بحق العمل القائم على مبدأ تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين، وحق الاعتقاد الفكري والديني، وحق المشاركة في القرارات السياسية عن طريق الانتخاب الحر والترشّح للعمل السياسي، أمّا ولاء الفرد للدولة، فيعبّر عن نفسه عن طريق تأدية الفرد لواجباته من خلال مشاركته في بناء المجتمع، كدفع الضرائب، ومشاركته في حماية بلاده عن طريق أداء الخدمة العسكرية.
وتتأثر المواطنة في أي دولة بمستوى النضج السياسي لمواطنيها، ودرجة رقيهم الحضاري، والقيم والعقائد السائدة في المجتمع، ويمكن القول بأنه عندما يتحقق انتماء المواطنين جميعاً للوطن يتحقق ولاؤهم.
وهناك عدد من المناسبات التي توقظ الوطنية في الناس، مثل المباريات الرياضية والعالمية، واللقاءات الثقافية، والندوات العالمية، والإنجازات الإنسانية والاجتماعية، وما شابه ذلك، إلا أنه ومن خلال التفاعل اليومي فإنه من الصعب تحديد أهمية الهوية الوطنية.
وتقوم الهوية الوطنية على مجموعة من الأسس، ومن أهمها أن تكون شاملة لكافة شرائح الشعب، وأن لا تكون نخبوية أو انتقائية، ولا يجب ان تدعو النظرة للهوية الوطنية الى الاغتراب، بل يجب ان تنادي بضرورة احتواء الماضي وتصحيح المعرفة به والبناء عليه، وعدم الدعوة الى استيراد ثقافة معينة من الخارج، بل المناداة بضرورة هضم أي ثقافات عالمية واردة وتمثيل مضامينها تمثيلاً واعياً.
ونرى بأن الهوية الوطنية المنشودة في أي مجتمع هي ان يعرّف الفرد نفسه بوطنه أولاً، أي أن لا تكون هويته فوق قومية، وفوق عرقية، وفوق دينية، وفوق مذهبية، فضلاً عن أن تجمع هذه الوطنية كل هذه الصفات تحت مسمى واحد هو المواطنة، حيث تُعتبر المواطنة مصدر الهوية، فأن يكون الفرد مواطناً فإن ذلك يعني أن يشترك مع الآخرين في دولة ما، ويتمتّع بكافة حقوقه، ويؤدي كافة الواجبات التي عليه.
ومن أجل تعزيز الولاء للهوية الوطنية، يجب أن يعزّز النظام السياسي على الاندماج وليس التماثل، وعدم تجاهل ثقافة الآخرين وقيمهم الروحية، وبعكس ذلك تنشأ أزمة الهوية التي يمكن تعريفها بأنها "حالة من التوتّر الذي ينمّي التمركز على الذات، ويدفع إلى التعصب والتمييز العرقي أو الديني أو الطائفي ويقلّل من فرص التسامح والحوار".
وأزمة الهوية أيضاً هي "درجة القلق والاضطراب المختلط، المرتبطة بمحاولة الفرد تحديد معنى لوجوده من خلال اكتشافه ما يناسبه من مبادئ ومعتقدات وأهداف وأدوار وعلاقات اجتماعية ذات معنى أو قيمة على المستوى الشخصي والاجتماعي".
ويتمحور مفهوم أزمة الهوية حول غياب مفهوم المواطنة القانوني للدولة أو الحكومة المركزية في الدولة، وبالتالي انتفاء الولاء سياسياً للدولة، إذ أن الولاء السياسي للفرد في العديد من بلدان العالم النامي ينصب على الولاءات الفرعية مثل: الجماعة العرقية، أو المذهبية، أو العائلة، أو العشيرة، أو القبيلة حيث تنتشر الولاءات الفرعية الضيقة على حساب الولاء العام للدولة، وتهيمن على سلوكه السياسي ومواقفه وحتى مشاركته السياسية على امتداد العديد من القرون تبلورت الهوية الوطنية الأردنية كسمات وخصائص تميز أبناء الأردن عن غيرهم، سمات ثقافية عامة مثل الحد الأدنى المشترك بين جميع المكونات الاجتماعية ذلك السلوك الجمعي المشترك الذي يقرب الأفراد من بعضهم البعض، وتاريخياً قبل إنشاء الأردن الحديث كانت السمات والخصائص العامة للمجتمع الأردني متبلوره والتي تشكل الانتماء للأردن الجغرافيا، والتاريخ واللغة، والعادات والتقاليد والثقافة العامة السائده هذا وقد آمن الأردنيون بقيم الثورة العربية الكبرى التي هي حركة تحرر تاريخيه قادها شريف مكة الحسين بن علي وانجاله، وشاركوا بها لتحرير البلاد العربية (سوريا الطبيعة) من الحكم العثماني وعلى أثر نجاح الثورة العربية اعتبرت الأردن جزء من الحكم الفيصلي في دمشق، ونتيجة الاتفاقية سايكس –بيكو خضعت المنطقة للانتدابين الفرنسي والبريطاني، فتنادى اهل الأردن في اكثر من لقاء منها لقاء زعماء وأهالي السلط مع هربرت صموئيل في 21 آب 1920، ولقاء الجنرال سمرست مع زعماء وأهالي الشمال في ام قيس الذي نجم عنه وثيقة ام قيس ونصت على تشكيل حكومة عربية مستقلة ويكون لهذه الحكومة أمير عربي، وعندما وصل الأمير عبد الله بن الحسين البلاد تنادت العشائر الأردنية من كل حدب وصوب لاستقباله في معان وزيزيا، والسلط ورُحبْ فيه ترحيباً مهيباً. وأنشأت الدولة الأردنية الحديثة في 27 آذار 1921 برئاسة الأمير عبد الله وشرعيتها التاريخية والدينية للعائلة الهاشمية وإرادة الأردنيين من كافة ارجاء جغرافيا شرق الأردن.
ومع بزوغ فجر الدولة الأردنية بدأت تتبلور أكثر فأكثر سمات المجتمع الأردني على عادته، وتقاليده، ولغته ودينه وثوابته المشتركة بين كل مكوناته الاجتماعية وعمل الأمير المؤسس على بناء حالة من الانسجام الاجتماعي بين كل المكونات وبدأت تبرز أكثر الهوية الوطنية الأردنية التي تعززت باستقلال الدولة عام 1946 والتي تستند الى بعدها العروبي والإسلامي والسعي الدؤوب نحو الاستقرار والاستمرار وناضل الأردنيون من اجل ذلك وقدموا الشهداء تلو الشهداء دفاعاً عن ثرى الأردن وفلسطين. وعمل الهاشميون عبر التاريخ على تكوين مجتمع متماسك كالأسرة الواحدة إذا اشتكى منها عضو تداعى له كافة أعضاء الجسد. فالأهل والعشيرة والأسرة الواحدة كلمات استخدمت لوصف المجتمع الأردني بكل مكنوناته الاجتماعية من أبناء العشائر البدوية، والفلاحين، والحضر فلا فرق بينهم كأبناء وطن واحد تحت راية هوية وطنية اردنية تجمعهم مواطنه قانونية قائمة على الحق والواجب، وفي كل المفاصل التاريخية من عمر الدولة الأردنية وقف الأردنيون مع وطنهم ونظامهم السياسي في الأعوام 1924، 1926، 1948، 1955-1956، 1960، 1967، 1970، 1971، 1988، 1989، 2005، 2011، 2014، 2016 وكل ذلك دفاعاً عن الوطن وهويته الأردنية.
وأتساءل هنا لماذا استشهد هزاع المجالي، ووصفي التل، وعزمي المفتي، وفريد الشيشاني، وممدوح اسحاقات، وسليم الصايغ، وإبراهيم عايد النبر، وفائق عودة حدادين، خالد الخريشا، وعواد طالب المشاقبة، وراشد الزيود، وسعود مغصوب، وحسين بصبوص، وموفق السلطي، ومحمد ضيف الله الهباهبة، وفراس العجلوني، والخصاونة، والخوالدة، والعبابنة، والمساعيد، والفايز والزبن والعدوان وبني عباد وبني خالد والحويطات وغيرهم من أبناء الأردن ما يزيد عن 2600 شهيد عبر تاريخ الدولة ضحوا بأنفسهم دفاعاً عن الوطن الدولة الذي يحمل هوية وطنية أردنية لا يختلف عليها اثنان هؤلاء وغيرهم استشهدوا دفاعاً عن مبادئ ومرتكزات الدولة الأردنية ومنها هوية وطنية اردنية راسخة الجذور ومن لا يعرف ذلك فعليه إعادة قراءة تاريخ الأردن.