بقلم الدكتور مالك العمايره
منذ 2003، أي بعد سقوط بغداد العروبة والذي انتهت حينه المنحة النفطية من العراق في زمن الرئيس الراحل صدام حسين، شهد الأردن ارتفاعا لأسعار المشتقات النفطية فيما بدا معتمدا على اسعار النفط العالمية، حيث أن اسعار المشتقات النفطية ارتفعت أو انخفضت محليا تبعا لتغير اسعار النفط الخام. كما شهدت تلك اللحظة التاريخية دخول مرحلة الغموض في كيفية تسعير هذه المشتقات وظهر تساؤل عام في الضمير الجمعي الأردني فيما اذا كانت التسعيرة عادلة وتاه المواطن الاردني بين ادعاءات الحكومات بدعن الاسعار وبين الظنون القوية بأن الاسعار تحقق فارقا ايجابيا من الارباح المأخوذة من جيبه من بيع هذه المشتقات.
لم تعوم الحكومة اسعار المشتقات وحافظت على المركزية في التسعير. الثابت الذي كان معلوما لدى الجميع أن أسعار الطاقة لدينا أضحت من بين الأعلى في المنطقة وربما عالميا وذلك عند مقارنتها بمعدل دخل الفرد في الأردن. النتائج المباشرة كانت رحيل الاستثمارات الصناعية وافلاسها بالجملة وكانت اسعار الطاقة أحد الاسباب المهمة لذلك. بقي المواطن في ريبته بينما لم تقدم له الحكومات جوابا شافيا، وكانت التصريحات الرسمية المتتابعة يكذب لاحقها سابقها، ووصلت الرسالة للمواطن: اياك أن تثق بما نصرح! وثارت شائعات بان الفروق المالية المتحققة من بيع الطاقة لا تدخل الخزينة، بينما بقيت الحكومات على حالها، فان صرحت فهي غير مصدقة وان سكتت لم تزد الغموض الا غموضا.
ثم اثيرت ضجة حول معادلة تسعير النفط عام 2016، وتقدم عدد من الخبراء بمعادلات محددة بينما افرجت الحكومة عن جوانب من معادلتها المعتمدة لتسعير النفط وهي منشورة على موقع وزارة الطاقة. الحقيقة أن المعادلات المطروحة كلها كانت تنقصها بعض المتغيرات والمدخلات التي تملكها الحكومة حصريا بحيث تتركها بلا فائدة. فمثلا لا نعلم كميات أو انواع النفط المستورد. وبالتاكيد لا نستورد البرنت الخام ولا نعلم اسعار صفقات النفط المعقودة ولا كم فرض على المستورد من النفط من غرامات التأخير ورسوم المناولة في الميناء أو اجور التخزين أو فاقد التخزين والنقل والتبخر والسيلان – عافانا الله واياك من الأخير. كما أن الحكومة كثيرا ما تعمد لاستيراد المشتقات المكررة مباشرة من السوق العالمي ولا تصرح بأسعار أو كميات أو تكاليف مشترياتها منها. إن غياب تلك المتغيرات وغيرها لا يُمكّن أحدا من الاحتساب أو معرفة مقدار الربح المتحقق من بيع هذه المشتقات. وينطبق هذا الامر على أسعار الكهرباء والغاز الطبيعي وإن بشكل أقل.
ولمحاولة فك شيفرة التسعير فقد أجرينا دراسة احصائية على الاسعار الشهرية للخام ومشتقاته حيث عمدنا الى جمع بيانات تاريخية عن الاسعار الشهرية المعلنة رسميا للمشتقات النفطية من المواقع الاخبارية والمواقع المتخصصة مثل (thefuelprice.com) بالاضافة الى معدلات اسعار نفط برنت الخام الشهرية التي قمنا بحسابها لكل شهر من أسعار الاغلاق اليومية من شركة (lmax.com). ثم قمنا بتصميم مؤشر للاسعار النسبية للمشتقات النفطية واخذنا منها مادتي بنزين-90 وسولار كونها الاكثر الأكثر طلبا في السوق. واعتمدنا بيانات الاسعار العالمية والمحلية منذ حزيران 2005 وحتى اليوم حيث لم نتمكن من الحصول على بيانات متكاملة قبل هذا التاريخ. وبينما لا يفصح مؤشر الأسعار النسبية عن مقدار الضريبة الحكومية على المشتقات الا انه يؤشر بدقة على نسب هذه الضريبة من شهر لآخر، ويعطي صورة واضحة عن الزيادة/النقص النسبي للضرائب الحكومية على كل مشتقة نفطية في كل شهر.
نتائج الدراسة:
أولا: كانت أقل ضريبة مفروضة على مادتي بنزين-90 وسولار في فترة الدراسة (منذ 6/2005) في شهر آذار 2012، وربما يذكر القارئ تلك الفترة جيدا !
ثانيا: اذا فرضنا ان الحكومة كانت تتقاضى ضريبة 0% على مادتي البنزين-90 والسولار في آذار 2012 وأن التكاليف تشكل نسبة ثابتة من سعر نفط برنت العالمي، فان الضريبة الحكومية بلغت حدها الاعلى في ايار 2020 على بنزين-90 حيث بلغت 284%، وفي أيار من نفس العام على مادة السولار حيث بلغت 241% من مجمل التكلفة التي تتضمن سعر الخام والنقل والفاقد وعمولة التوزيع في المحطات وغيرها. أي ان تخفيض اسعار المشتقات تبعا للانخفاض الشديد في السعر العالمي بسبب ازمة كورونا لم يكن متناسبا مع هذا الانخفاض. فاذا كانت الضريبة في آذار 2012 أكثر (مثلا 20%) فتضرب كافة النسب الواردة في الدراسة بـ 120%، وهكذا.
ثالثا: مما يتبين من الشكل المرفق فان الحكومة لم تتبع معادلة ثابتة لتسعير المشتقات النفطية تبعا لتغيرات السعر العالمي وانما كانت تتقاضى نسبا ضريبية متفاوتة جدا من شهر لآخر مع هذه التغيرات. وحتى لا نجوز الحياد في الحكم فانه من المحتمل –حيث لا نستطيع التأكيد- أن التفاوت راجع جزئيا للتذبذب في التكاليف بمعزل عن اسعار النفط العالمية، ولكن الغالب أن التسعيرة كانت تنحاز الى زيادة نسب الضرائب المتقاضاة على المشتقات النفطية حيثما كان ممكنا، وهذا ما يفسر ان تتراوح الضريبة بين 0%-284% على البنزين-90 ومن المستبعد أن تتذبذب التكاليف بهذا القدر.
رابعا: بالاستناد الى مؤشر الأسعار النسبية للمشتقات النفطية في الأردن فإن نسبة الضريبة على سعر مادة بنزين-90 للشهر الحالي هي 126.5% وقد بلغت 138% في الشهر السابق، أمل بالنسبة لمادة السولار فهي 103% حاليا وكانت 112.5% الشهر السابق، وهذه ممارسة متكررة أن تعمد الحكومة الى رفع نسب الضريبة عند انخفاض السعر العالمي، وتنزيلها عند ارتفاع السعر العالمي ورفع الاسعار المحلية ربما لامتصاص الصدمة.
خامسا: بالاشارة الى معادلة التسعير الرسمية المنشورة التي ذكرت أن الضريبة الخاصة على المشتقات النفطية هي 370 فلسا لكل لتر بنزين-90، و165 فلسا لكل لتر سولار، فقد بينت الدراسة أنه لم تطبق الحكومة ضريبة ثابتة محددة لكل مشتقة، وانما ضريبة متغيرة بحسب ما تم بيانه أعلاه.
أخيرا: يترافق هذا الارتفاع في الاسعار والضرائب الحكومية في قطاع الطاقة مع انخفاض القدرة الشرائية للفرد في الأردن حيث انخفضت هذه القدرة بنسبة 17% منذ عام 2008، وهي مرشحة للانخفاض الى 19% هذا العام في ضوء الجائحة وارتفاع اسعار الطاقة والشحن عالميا. يحتم هذا الأمر على الحكومة تجلية الحقيقية والشفافية التي يستحقها المواطن الأردني؛ ولا بد للحكومة من التصريح عن الكميات المستوردة شهريا من النفط وانواعه واسعاره والتكاليف الحقيقية للواردات النفطية الخام والمكررة حتى تصل الى محطات التوزيع، وبيان نسب ضريبية ثابتة لتحديد الاسعار الشهرية للمشتقات النفطية.