كتب: أ.د. اسلام مساد *
بِكُلِّ شُموخٍ واعتزاز نَقِفُ كأُردُنيّينَ فخورينَ بِما قدّمناهُ خلالَ مِئَةِ عامٍ من عُمُرِ الدّولَةِ مُستشرِفينَ أعواماً جديدةً مُقبِلَةً مِنَ العطاءِ والإنجازِ والازدِهارِ والنّماءِ لأُردُنِّنا الغالي، مُستلهِمينَ في عَمَلِنا ما سطَّرَهُ الهاشميّونَ بِحِنكَةٍ وَعَزمِ، وَقُدرَةٍ حَكيمَةٍ على إِرسَاءِ دَعائِمِ الأَمنِ وَالاستِقرار، حتّى باتَ الأُردُنُّ مَعقِلاً لِلأحرارِ وَمَصنَعاً للكَفاءاتِ البَشَرِيّةِ في كافّةِ المَجالات.
نَحتَفِلُ بِمُرورِ مِئَةِ عامٍ على تأسيسِ الدّولةِ الأُردُنيّةِ التي تَشَبَّعَت رَكائِزُها بالحُريَّةِ التي طالت الوطنَ العربِيَّ أَجْمَع، مِن شَرقِهِ إلى غَربِهِ، بَعدَ إِعلانِ الحُسينِ الأَوّل قِيامَ الثّورَةِ العربيّةِ الكُبرى مِن أَجلِ إِحقاقِ نَهضَةِ الأُمّةِ وَدَحْضِ الظُّلمِ والتّسلُّطِ العُثمانيّ، نَحتفِلُ بِتاريخِ نُقطَةِ تَحَوُّلٍ في تاريخِ الأُردُنِّ الذي سارَ على نَهجٍ هاشِمَيٍّ أصيل، فَكانَ أُنموذَجَاً للمَنطِقَةِ في استمراريّةِ البِناءِ وَالإِصلاحِ والتّطوير، بِتوجيهاتٍ مَلكيّةٍ وَبِمَحَبَّةِ?شَعْبٍ بَذَلَ الغالي والنّفيس لِيُسطّر قِصّةَ نَجاحٍ مَمزوجَةٍ بِتضحياتٍ جمّة، لِيَتَرَبّعَ الأُردُنُّ على عَرْشِ قُلوبِ شَعبِهِ ولِيكونَ «الأُردُنُّ أوّلاً» في المَساراتِ كافّة.
صَنَعَ الهاشميّون وعلى مدارِ مِئَةِ عامٍ مَضَت يُرافِقُهُم رِجالٌ عُظماء، تاريخَ دولتِنا مُرتكزينَ على ِقِيَمٍ سامِيَةٍ وغاياتٍ نبيلة، بِدءًا مِن تأسيسِ إمارَةِ شَرقِ الأُردُنِّ على يَدِ الأَميرِ عبدُالله الأوّل بن الحُسين، الذي شكّلَ «حُكومةَ الشَّرقِ العَرَبيّ» باعتِبارِها أوّلَ حُكومةٍ أُردُنيّةٍ مركِزِيّة، وسعى جاهدِاً حتى تمّ إعلانُ الأُردُنِّ دَولَةً مُستَقِلّةً استقلالاً تامّاً وذاتَ نِظامِ ملكِيٍّ وِراثي عام 1946، والمُناداةِ بِهِ مَلِكاً دُستورِيّاً للمَملَكَةِ الأُردُنيّةِ الهاشِميّة إِيذاناً بِم?لادِ فَجْرٍ جدَيدٍ مُفعَمٍ بالأَمَلِ والمُستقبَلِ المُشرِق، وفي عام 1951 تسلّمَ المغفورُ له المَلِكُ طلال بن عبد الله مَقاليدَ الحُكم، وَرَغمَ قِصَرِ فَترَةِ حُكمِهِ إلا أنّهُ أقرّ الدُّستورَ الأُردُنيَّ وَمَبادِئَهُ التي ما زالت راسِخَةً حتى يومِنا هذا، وفي عام 1953 بدأَ عهدُ المغفورِ له الملك الحُسين بن طلال باني الأُردُنِّ الحديثِ وقائِدَ نَهضَتِهِ المُباركة، الذي أَطلقَ مقولَة «الإنسان أغلى ما نملِك» في دلالةٍ صريحةٍ من جلالَتِهِ على حِرْصِهِ على حياةِ المواطِنِ وتأمينِ العيشِ الكريمِ لَهُ بالتّزامُنِ ?َعَ المُحافظَةِ على الاستقرارِ والأمان، وفي عام 1999 تسلّمّ جلالَةُ المَلِك عبدُ الله الثّاني ابنِ الحُسين سُلُطاتِهِ الدُّستوريّة ليُكمِلَ مسيرَةَ الآباءِ والأَجداد، مسيرَةَ الّتقدُّمِ والتطوُّر على جميعِ الأصعِدَةِ العِلمِيَّةِ والاقتصادِيَّةِ والصحيّةِ والتكنولوجيّةِ والثقافيّةِ والسياحيّة، حَتّى غَدا الأُردُنُّ وَبعدَ مِئَةِ عامٍ على تأسيسِهِ، دولةً حديثَةً ومُتطوّرة في مُقدّمَةِ الدُّوَل، تَحظى باحترامِ وإِعجابِ الجّميع، فالأُردُنُّ اليوم دولةٌ كبيرةٌ بِطُموحِ شَعبِها وكَفاءاتِهِ وانتِمائِه.
وَلعلَّ مُستشفى الجّامِعَةِ الأُردُنيّةِ بِشُموخِ صَرحِهِ الذي واكبَ المِئويّةَ في تفاصيلِ تطوّرِهِ، جُزءًا لا يتجزّأُ مِن لَبِناتِ البِناءِ في مَنظومَةِ الدّولةِ الأُردُنيّة، إلى أن أصبَحَ قِبلَةً صحيّةً عالميّة، يُعدُّ من الشّواهِدِ الحيّةِ والجليّةِ على النَّهضَةِ الصحيّةِ في وطَنِنا، إذ بَدَأَ مسيرَتَهُ عام 1971 بِإِرادَةٍ مَلَكيّةٍ ساميةٍ من لَدُنِ جلالَةِ المَلِكِ المغفورِ لَهُ الملكُ الحُسين الباني -طيّبَ اللهُ ثراه- حامِلاً اسمَ «مُستشفى عمّانِ الكبير»، وضُمَّ لاحقاً في عام 1975 إلى الجّامِعَةِ الأ?ردُنيّة لِيَحمِلِ اسمَها ويُصبِحَ أوّلَ مستشفى جامِعيٍّ تعليميٍّ في المَملَكة، يَعمَلُ بِخُطىً ثابِتَةٍ وجُهودِ من يَحتَضِنُهُ من عُقولٍ نَيِّرَةٍ وكفاءاتٍ وطاقاتٍ لا مثيلَ لها، في سَبيلِ تَقديمِ خِدمَةٍ صِحيَّةٍ وعِلاجيّةٍ فُضلى لأبناءِ الوطنِ على امتدادِ جُغرافيّتِه، ففي كافّةِ محطّاتِ المِئويّةِ وسَنَواتِها كان مُستشفى الجامِعَةِ الأُردُنيّة ساعياً للتّغيير مُجدّداً في أقسامِهِ وتخصّصاتِهِ وفُروعِه، مُلتَزِماً بِتطبيقِ رؤيةِ جَلالَةِ المِلكِ عبدُ الله الثّاني الثّاقبة وأفكارِهِ الخَلاقةِ ومُبادَراتِهِ ا?رّامِيَةِ إلى ضمانِ تأمينِ رعايةٍ صحيّةٍ مُستدامةٍ ونوعيّة، ولا سيما خِلالَ جائِحَةِ كورونا التي مازالَت تَعصِفُ بنا مُنذُ عامٍ ونيّف، إِذ حَرَصَ جلالَتَهُ على مُتابَعَةِ تَطوّراتِ الوضعِ الصحيِّ وتقديمِ الدّعمِ في سَبيلِ التّصدّي لِهَذِهِ الأَزمَةِ وَتَبِعاتِها، مُبدياً في كُلِّ المَحافِلِ والمَواقِف فَخرَهُ واعتزازَهُ بالكوادر الصحيّةِ يَشُدُّ مِن عزيمَتِهِم ويَنهَضُ بهِمَمِهم، مُقدّراً جُهودَهُم المُضنية في سَبيلِ الوصولِ لأُردُنٍ سالِمٍ مُعافى.
اليوم، ونحنُ نستذكِرُ عَبَقَ الماضي ونفخَرُ بإنجازاتِ الحاضرِ ونتطلّعُ للمُستقبَلِ بأملٍ وطُموح، لابُدَّ مِن أَن نَقِفَ وِقفَةَ إِجلالٍ وتقدير لِبُطولاتِ أَجدادِنا وشُهدائِنا وَتَضحياتِهِم، وَبَسالَةِ أَجْهِزَتِنا الأمنيّة، وَجيْشِنا العَرَبيِّ المُصطَفَويّ سِياجَ الوَطَنِ المنيعِ وأمانِه، وَكُلَّ يَدٍ مِعطاءَةٍ تَرَكَت بَصَماتٍ خالِدَة، وَنَذَرَت نَفسَها مُدافِعَةً عَن حِمى الأُردُنِّ وَأمنِهِ وَسيادَتِه، وإنّنا إِذ نُعاهِدُ اللهَ وجلالَةَ قائِدِنا أَن نَعمَلَ بِكُلِّ جُهدٍ وَأَمانَةٍ وَإِخلاص خِدمَةً للو?طَنِ وَإِعلاءِ مَكانَتِهِ، مُستمرّينَ في مَسيرَةِ الإعمارِ وَالنُّهوضِ نَحوَ الرِّفعةِ، لِتَظَلَّ رايةَ الأرُدُنِّ عاليةً خفّاقةً على الدّوام، مؤكّدينَ البَيْعَةَ لآلِ هاشمٍ الأَطهار، أوفياءَ دائِماً وَأبَداً لِقيادَتِهِم وَرِسالَتِهِم السّامية.
حمى اللهُ وَطَنَنا الحبيبَ آمِناً عَزيزاً، وَحَفِظَ جَلالَةَ قائِدِنا وَوَلِيِّ عَهدِهِ الأَمين، وَشعبَهُ العَظيم، إِنَّهُ سَميعٌ مُجيب.
* مدير عام مستشفى الجامعة الأردنية