كثيراً من الأوقات يجلس الإنسان مع نفسه ويفكر في قصة الحياة كيف بدأت وكيف أن الله خلق سيدنا آدم عليه السلام وخلق له زوجه فيما بعد من ضلعه الأيسر لهدف في نفسه. أوضح الله لنا ذلك فيما بعد في كتابه العزيز القرآن الكريم ليكون خليفته في الأرض هو وذريته من بعده (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (البقرة: 30)). ونستدل من كلام الملائكة مع الله هنا أنه كان هناك خلق في الأرض قبل آدم، قد أفسدوا فيها وسفكوا الدماء فيما بينهم وهم الجِنَّ (وربما يخطر على بالنا على الفور كيف كانوا يسفكون الدماء وهم خُلِقُوا من مارجٍ من نار نقول: أن الجِنَّ لهم دماء خاصة بهم وهم يتزاوجون ويتكاثرون). أما إبليس فإنه كان من الجِنِّ العابدين لله في الأرض فَكَرَّمه الله ورفعه للسماء ووضعه مع الملائكة (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (البقرة: 34)). إلا أنه رجع إلى طبيعنه الجِنِّيِةِ ورفض أن يسجد لآدم عليه السلام مع الملائكة، وقد أوضح الله لنا أنه من الجِنِّ في الآية (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (الكهف: 50)).
ولكون سيدنا آدم وزوجه عصيا ربهما (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ۖ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ (البقرة: 36)) وكذلك إبليس عصى ربَّه فأهبطهم الله إلى الأرض جميعا (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (البقرة: 38)). وفي الأرض بدأت الحرب بين شر النفوس الأمارة بالسوؤ من البشر والجِنِّ (وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ (يوسف: 53)) وغيرها من النفوس اللوامة (وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (القيامة: 2))، والنفس المطمئنة (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (الفجر: 27)). فأرسل الله بعد ذلك لبني آدم الأنبياء والمرسلين لهدايتهم ليهذب نفوسهم ويهديهم إلى سواء السبيل لعل بعض النفوس الأمارة بالسوء تتحول إلى النفوس اللوامة ومن ثم بعضها يتحول إلى النفوس المطمئنة بأمر الله.
قال تعالى (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (البقرة: 213)). ولما تقدم نقابل في حياتنا كثيراً من الناس من الضالين وأصحاب النفوس الأمارة بالسوء والدليل على ذلك تصرفاتهم وأفعالهم مع الآخرين (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (الأعراف: 179)). لهذا من الصعب جداً وللغاية أن نضع معايير دقيقة للذين يخافون الله حقيقة، لأنه لا يعلم ما بداخل النفوس البشرية إلا الله ونحن البشر نحكم على ما نشاهده من أفعال وتصرفات لمن نتعامل معهم. ولكن ربما نستطيع أن نضع معايير من واقعنا في المحاكم وقصور العدل التي يسمونها في بلادنا وبعض الدول الأخرى، فمثلاً: إذا قمنا بزيارة لبعض قصور العدل والمحاكم المختلفة في البلاد الإسلامية والعربية ووجدناها تعج في المراجعين والمحامين (مثل المنحلة) فإنم يدل هذا على أن معيار مخافة الله عند الناس منخفض جداً والعكس صحيح. فسبحان الله إذا قمنا بزيارة المحاكم وقصور العدل في الدول الأجنبية نجد فيها المراجعين والمحامين عددهم قليل جدا مقارنة مع محاكم وقصور العدل في الدول الإسلامية والعربية، والشيء الطبيعي أن يكون العكس. لماذا؟! هل لأن الدول الأجنبية تطبق تعاليم الدين الإسلامي في معاملاتهم والكل يخاف من القانون ولا يخالفه بناءً على ذلك. وهل القضاة في المحاكم هذه الأيام يحكمون بالعدل بين الناس أم تتدخل الواسطات والعلاقات الشخصية والنفوس الأمارة بالسوء منهم في الحكم (يخضعون القضاة من بني آدم كبقية البشر لتصنيف النفوس الثلاثة السابقة وليسوا أنبياء ومرسلين ولكن عليهم أن لا ينسوا قسم المهنة الذي أقسموه). ولهذا السبب قال الرسول عليه الصلاة والسلام في زمنه إثنان من القضاة في النار وواحد في الجنة. فلو كان رسول الله عليه الصلاة والسلام معنا هذه الأيام هل يقول: القضاة جميعاً في النار؟! الله أعلم، وأما الحديث: الخير في وفي أمتي إلى يوم القيامة فلا أصل له وغير ثابت عن الرسول صلى الله عليه وسلم.