انتخابات نواب الأردن 2024 أخبار الأردن اقتصاديات دوليات جامعات وفيات برلمانيات وظائف للأردنيين أحزاب رياضة مقالات مقالات مختارة جاهات واعراس الموقف مناسبات شهادة مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة

أبو زيد يكتب: أردوغان.. إمبراطور الألفية الثالثة والحلم العثماني

مدار الساعة ـ نشر في 2020/10/14 الساعة 11:15
مدار الساعة,مقالات,العروبية

مدار الساعة - بقلم: زيد أبو زيد

عالم اليوم تحكمه قوى كبرى كالولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين وحتى إمبراطوريات العالم القديم كبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا، وهناك من هو معلق بين هذه وتلك يحاول أن يستعيد دورًا أو ينشئ دورًا جديدًا، وهذه تحتاج قادة يمتلكون الشجاعة وإرادة التغيير، ولا ننكر على أحد أنْ يبحث عن نفسه تحت الشمس لكن ليس على حساب دورنا أو مصالحنا حتى لو كنا في مرحلة التيه.

ورجب طيب أردوغان من هؤلاء القادة الذين يبحثون لأنفسهم وبلادهم عن دور، وهو لا ينقصه الدهاء ولا الذكاء ليفوت أية فرصه لتسجيل هدف في مرمى السياسة الدولية، وقدرته على الاستئثار بالقلوب والعقول هائلة، وللأسف فإن قضايا المنطقة مستعصية، وفيها كل يوم فرص لتسجيل مزيد من الأهداف في ظل عقم هجومي كبير وعجز دفاعي عند خصومه؛ فاستطاع بتآمر ممنهج بين قوة هنا أو أخرى هناك أن يخلق نزاعًا وفوضى في كل مكان، ولنشاهد بروية المشهدين الليبي والسوري لنستطيع تحليل الفعل التركي في العقد الأخير.

هذه هي الحال الآن بين سياسي فذّ يتقن استغلال أنصاف الفرص ليحشد الشعبيات الإقليمية وربما العالمية في رصيده الذي يتزايد باضطراد بالرغم من أن الجاهل فقط من ينكر الأطماع الشخصية لزعيم الكيان التركي الذي يتنقل على سلم المواقع القيادية التركية بانسيابيه مذهلة لا تليق ببلد يدعي الديمقراطية الليبرالية والتعددية، إلاَّ أنَّ البعض مُصِرّ على تعظيم دوره وعملقة إنجازاته.

نحن لا ننكر عليه طموحه، ولا ننكر ضرورات فكفكة مشاكل المنطقة وحلحلتها، ولا ننكر ظهور أمراء الطوائف وتجار الحروب، بل نتأسف واقعنا المهلهل.

وللعودة إلى تاريخ قريب فرجب طيب أردوغان ومنذ انسحابه من منتدى دافوس الاقتصادي قبل سنوات بوجود رئيس الكيان الصهيوني الراحل وقت ذاك شمعون بيريز وكرة ثلج الشعبية التركية الأردوغانية تتدحرج متضخمة، وفي حروب غزة المتواصلة زاد التدحرج في ظل العجز العربي الواضح حتى عن التعبير فكان الحصان الأسود أو كما سمي حصان طروادة الذي يحقق المزيد من الاختراقات في كل مجال، وحققت معه الشركات التركية ورجال الأعمال الأتراك المليارات لحساب الخزينة التركية في مناطق النفوذ الجديدة، وليس سرًّا أن ليبيا التي أسهمت طائرات أردوغان وقواته بالشراكة مع الخليع ساركوزي في إسقاط نظامها، وإنشاء واقعها المتشظي حاليًّا كانت تعتمد على تركيا أردوغان في ليبيا الغد التي أصبحت الآن أثرًا بعد عين.

وهنا يحلو الكلام، فالربط العضوي بين السياستين التركية والأمريكية_ الصهيونية كان واضحًا، وبالرغم من تعاطفنا جميعًا مع تركيا أردوغان في لحظات نشوة عابرة قبل الاستيقاظ على حقائق المشهد، فقد انتشينا والسياسة التركية تتصدى بقوة للسياسة الصهيونية العنصرية التي ذبحت شعب فلسطين من الوريد إلى الوريد، وهودت الشجر والحجر، وقتلت وشردت البشر، إلا أنّنا لم نكن نلتفت كثيرًا إلى تفاصيل الموقف التركي، وتناسينا عضويته في الناتو، ووجود أكبر القواعد الأمريكية على أراضيه، وأن الناتج للتقييم الواقعي لذلك أن هناك متعة أمريكية في اقتحام تركيا للجسد الأوروبي، ولعب دور أمريكي تركي مشترك يُبقي المركز الرأسمالي بعيدًا عن الأنياب الأوروبية، وينتقل بأوروبا سيدة العالم القديم إلى دور أكثر تبعيه للرأسمالية الأمريكية ذات البرنامج ما فوق العالمي.

وعود على ذي بدء فإن بطولات أردوغان بأدواره المتعددة المتجددة حظيت بإعجاب كثيرين وتقديرهم في ظل تخاذل عربي واضح وجلي، وأمام عدوان صهيوني سافر على أبناء الشعب الفلسطيني يتجدد كل عام وتنشأ ألف فرصة لبطولات جديدة يتقن أردوغان وأركان حكمه الاستفادة منها إلى أقصى الحدود مع ربطه بقضية الدفاع عن الإسلام لتصبح القضية أكثر عدالة.

لقد قرأ أردوغان جيدًا واقع تركيا ومكانتها ودورها في ظل موازين القوى الإقليمية والدولية، وقرر الدور المستقبلي لوريثة الإمبراطورية العثمانية عبر المدخل المناسب، فالصراع العربي الصهيوني مرض عضال مستعصٍ على الحل، والنظام العربي عاجز عن أخذ أي دور، والقنوات التركية مع الكيان الصهيوني مفتوحة منذ عقود، ومستقبل العالم يتشكل في هذه المنطقة وهي حقيقة يعيها أردوغان جيدًا، كما يعي أن تغييرًا جوهريًّا وقع في أدوار روسيا والصين والهند، ولا بد من تطويق هذه الأدوار، ولا بلد في هذا الجزء من العالم مؤهل لقيادة فكي الكماشة سياسيًّا على هذا التغيير للحد من آثاره إلا تركيا أردوغان بأطماعها الاستعمارية القديمة والروح الأتاتوركية المتجددة، وبدفع إعلامي سياسي اقتصادي عسكري أمريكي خالص.

أما الآن فقد كان التحرك التركي صاخبًا يعبر عن حلم بإعادة الدور لإمبراطورية أفل نجمها فكان الانتشار في البحر المتوسط ومناطق النفوذ والبحث عن البترول والغاز على شواطئ ليبيا ومصر، وكانت الحركة الدينامية في الصراعات العربية العربية، والمشاركة في الحروب الأهلية، فكان النجاح محققًا، وليس من دور يمكن أن يتجاوز الدور التركي الذي وجد له مكانًا حتى في المؤسسة الرسمية العربية لدرجه كادت فيها الخارجية التركية أن تعلن انتقال الجامعة العربية إلى أنقره لإعادة إنتاجها من جديد وفق الرؤية التركية الحديثة التي تناضل لاستكمال نموذجها، وهي الآن أكثر قابلية للنجاح في المستقبل بمركز اقتصادي وسياسي وعسكري في المنطقة والعالم، معتمدة على إرث تاريخي ورؤية جديدة لإعادة صياغة مستقبل المنطقة في فضاء عرف الدور التركي العثماني القديم فقاومه، وسعى إلى إخراجه من بين ظهرانيه.

والسؤال هل يمكن للدور الإقليمي التركي أن يتجاوز أخطاء الماضي، وَسَدّ ثغرات نموذجه ليستكمل نفسه ويجدد هويته، ويذلل العقبات الداخلية وهي كثيرة وجدية، لتكون تركيا أحد مراكز القوة العالمية؟

إنَ إجابة هذا السؤال تتطلب التدقيق في طبيعة الدور التركي في المنطقة، وماهية الأهداف التي يسعى لتحقيقها، وهذا للحكم على النموذج من الداخل والخارج، وهنا لن نعود لنتحدث عن قاعدة أنجر ليك الأمريكية في تركيا، التي تدحض الخطاب التركي عن دعم الحقوق العربية ومقاومة المشاريع الإمبريالية في المنطقة، أو عن الكيل بألف مكيال في قضايا الحروب، وعلى رأسها الحرب على التطرف والإرهاب، وهي راعيه رئيسه له في أكثر من بلد، ولكن المؤكد أن دورًا تركيًّا بدأ يتعاظم في المنطقة العربية، وفيه يتجاوز التكامل الاقتصادي التركي – الصهيوني الشراكة الأطلسية والتجارة البينية التي ازدادت بعد حروب إسرائيل في المنطقة بعكس الواقع الإعلامي التركي المتشدد ضد إسرائيل، ويبدو واضحًا أن هدفًا تركيًّا هادمًا لفكرة الوحدة العربية، وتشكل الإقليم العربي، وضرب الهوية القومية للعرب، واستبدالها الهويات المذهبية بها هو جزء من برنامج تركي أردوغاني طويل الأمد لتسهيل دخول تركيا إلى الحالة العربية وانتزاعها تمثيلهم باسم الغيرة على الإسلام، وهو ما يفسره دعم تركيا لكل جماعات الإسلام السياسي من تونس والجزائر مرورًا بليبيا ومصر وحتى اليمن، مع منح خصوصية تركيه للإسلام السياسي في العراق وسوريا، وهو أَمْرٌ مُتَوَقَّع، من دولة تبني نفسها بهدوء وعقلانية ومنطق، بناءً يقوم على أسس قوية، من نظام سياسي قوي، واقتصاد يشهد كثيرون بتطوره بالرغم من المساعدة الهائلة من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي للاقتصاد التركي.

إننا لا نستطيع أنْ ننسى التاريخ، ولا بد من أنْ ندقق ونتابع جيدًا هذا النموذج الذي يتشكل في ضوء مصالحنا بصفتنا أمة عربية أولًا وأخيرًا، لأن تركيا تسعى إلى دور كبير يتناسب وتاريخها الإمبراطوري بما يحقق لها السيطرة على منطقة ضعيفة الآن مصابة بعجز، وجاءت نظمها السياسية من دون إرادة جماهيرها؛ ما قد ينهي أي بارقة أمل في تجاوز عثرات الحاضر المتشظي، ونحن بحاجه إلى الاقتداء حتى بتركيا أردوغان في الشعور برغبة في إحياء إمبراطورتينا العروبية القديمة، وهي رؤيه نحن أحوج ما نريدها الآن، وما تفتقده الأمة العربية في هذه المرحلة من تاريخها العاجز والمتهاون وغير المتوازن؛ حيث أخذت تركيا بعناصر القوة في موقعها ومكانتها واستخدمتها في المساومات من أجل مصلحة تركيا أولًا.

إنً المواقف السابقة تؤكِّدُ أن تنامي وتعاظُمَ الدور التركي في المنطقة العربية، سواءٌ على الأسس الأخلاقية أو السياسية البحتة، كان تعاظُمًا منطقيًّا، وتستحقه تركيا وقيادتها الحالية بالرغم من اختلافنا معه، ونقول إننا يجب ألا نتوقف كثيرًا عند الدور التركي أو حتى الإيراني الناميين، والدور البارز لهما في القضايا التي تخص العرب، بل يجب أن نكون نحن العرب جزءًا من المعادلة الجديدة وهي: كيف نحافظ على عوامل القوة المستسقاة من تحالفاتنا الدولية والإقليمية الصحيحة؛ فالعلاقات التحالفية المستندة إلى وحدة الجغرافيا والتاريخ والأصول الديموغرافية فيها الحفاظ على الهوية، وتعزز السعي نحو الوحدة التي ستبقى الأمل الوحيد للخلاص من حالة الوهن والهزال والتفكك.

مدار الساعة ـ نشر في 2020/10/14 الساعة 11:15