يعتبر الغذاء والدواء من أهم ما يدخل أفواه المواطنين في أي دولة في العالم. فيمكن عن طريق الغذاء أن تنتقل الأمراض والأوبئة إلى أجسام المواطنين وبالخصوص إذا كانت الأغذية عن طريق المزروعات من الخضروات والحمضيات والفواكه وغيرها المروية بمياه ملوثة. وهذا ما يحدث الآن في مصر كما شاهدنا في فيديوهات تم تصويرها ونشرها من قبل الصحافة المصرية والله أعلم. وإذا إنتقلت الأمراض والأوبئة إلى المواطنين تصبح المعاناة المأساوية من الأمراض والأوبئة المختلفة ولا ننسى أننا في بلدنا العزيز والعالم مازلنا نعاني من وباء الكورونا كوفيد-19 منذ شهر ديسمبر 2019 وحتى يومنا هذا. مما إضطر ويضطر الحكومات في بلدنا العزيز وجميع دول العالم توفير الأدوية والرعاية الصحية لمواطنيها والمكلفة للدولة والتي نحن في غنى عنها لو إتخذنا الإجراءات الوقائية منذ البداية.
ولما تقدم فإن دور المؤسسة العامة للغذاء والدواء كبيراً جداً في متابعة ما يُصَّدَرُ لنا من خضروات وفواكه وغيرها من دول الجوار أو الدول الأجنبية والتأكد بأنها وفق المواصفات الصحية لحماية ووقاية المواطنين من الإصابة بالأوبئة والأمراض وبالتالي حماية ميزانية وزارة الصحة وغيرها من الدوائر المسؤوله في الدولة في هذا المجال من معاناة وبذل جهود وتكاليف باهظه لا داعي لها لو تم أخذ الحيطة والحذر وتم معالجة الأسباب من جذورها وشجعنا الزراعة الوطنيه. فنتساءل بإستمرار كما تساءل جلالة الملك الحسين بن طلال المغفور له بإذن الله وسأل المهندسين الزراعيين في أكثر من لقاء: لماذا الأرض غرب النهر خضراء ومعطاءة وأرضنا شرق النهر قاحلة وغير معطاءة؟.
ففي صباح هذا اليوم كنت بزيارة لمنطقة الجيزة-زيزيا وقابلت بالصدفة السيد خالد إبراهيم الفيومي (أبو زيد) المحترم والذي هو من أكبر أصحاب المزارع المنتجه لمختلف أنواع الخضروات من باذنجان، وبندورة وزهرة وفلفل حار وحلوه وبامية وبصل وثوم وزيتون ... إلخ وبكميات كبيرة في منطقة الخريم. فسألته عن وضع الأيدي العاملة والبنية التحتية من طرق وخدمات كهرباء ومياه فتنهد متألماً وقال لي إن كان عندك وقت تصحبني برحلة ساعتين لمنطقة المزارع في الخريم وتشاهد بعينك كل شيء على الواقع. فرافقته في البيكاب دبل كابينه الذي يمتلكه وقد شاهدت الطريق إلى المزارع كلها حفر وغير معبدة وغير مخدومة نهائياً بأقل ما تحتاج من خدمات الوزارات الأساسية وما يتبع لها من بلديات ودوائر، ولا تستطيع السيارة العادية السير عليها. وإذا سارت عليها البيكبات والمعدة لذلك، تسير بصعوبة شديدة فتثير الغبار الشديد ويلوث المزروعات مما يعرضها للتلف. وقد ذكر لي ابو زيد أنه قام بتوصيل الكهرباء على نفقته الخاصة إلى مزارعه وقد كلفته حوالي مائتي ألف دينار، كما أنه واجه صعوبات كبيرة في الحصول على الموافقة لصيانة آبار إرتوازية في أراضي مزارعه العديدة رغم وجودها فيها. وقد كلَّفه إصلاح وإيصال الكهرباء لأحد الآبار الموجودة في إحدى مزارعه التي تم شراؤها حديثا أكثر من سبعون ألف دينار كما أنه يدفع فواتير المياه التي يخرجها من الأبار للسلطة وفق النظام والقانون المعمول به في المزارع.
بإختصار لا يستطيع أحد من أصحاب المزارع في منطقة الخريم الصحراوية أن ينتج أي خضروات أو مزروعات أخرى بدون توفرالخدمات الأساسية من كهرباء ومياه آبار لري مزروعاته بمياه أقل تكلفة من مياة السلطة العادية. ومن الصعوبات التي تواجه أصحاب المزارع في المنطقة المذكورة وعورة الطريق والتي يضطر أصحاب البيكبات تغيير كاتشوك العجلات كل شهرين تقريباً علاوة على إنفجار كاتشوك البيكبات أكثر من مره على الطريق إضافة إلى الصيانة الدورية العالية لبيكباتهم (مرفق مع المقالة صور عن وعورة الطريق وعن أحد البيكبات المعطلة بسبب إنفجار الكاتشوك وصور عن بعض مزارع ابو زيد)، وتزداد صعوبة السير على الطرق المحفرة في فصل الشتاء.
ومن أكثر الصعوبات التي تواجه أصحاب المزارع حصولهم على تصاريح عمل للعمال الوافدين بسبب إيقاف الإستقدام ورفع رسوم تصاريح العمل من قبل وزارة العمل (أبناء الوطن لا يستطيعون العمل في الظروف الصحراوية الصعبة مثل العمال الوافدين ولا يتحملون حياة الصحراء القاسية ويرفضون العمل في هذه المناطق). المزارع الموجودة في المنطقة المذكورة تزود السوق المركزي في عمان كل يوم بأكثر من مائتي بيكاب من الخضروات المختلفة والمذكورة آنفاً. تعتبر هذه المزارع في هذه المنطقة المزود الرئيسي والسلة الغذائية المستمرة في الإنتاج للوطن على مدار العام إلا في فترة مربعينية الشتاء فقط. نعم الأغوار الشمالية والجنوبية تعتبر مزود آخر للسوق المحلي من منتوجات الخضروات والحمضيات وغيرها ولكن موسمها لا يتعدى الخمسة شهور في العام. جميع أصحاب المزارع يدفعون للدولة كل ما عليهم من حقوق وضرائب ورسوم تصاريح عمل... إلخ. فلماذا وزارة الأشغال لا تقوم بتعبيد الطرق لهم وصيانتها بإستمرار حتى يتم الوصول للمزارع بشكل سريع ونقل ما تنتجه المزارع للسوق المركزي بسهولة وبدون أضرار تلحق بأصحاب المزارع؟، ولماذا تضع وزارة العمل العقبات والصعوبات أمام أصحاب المزارع وتمنعهم من إستقدام العمالة الوافدة مع علم مسؤولي الوزارة برفض أبناء الوطن العمل في هذه المناطق البعيدة وظروفها القاسية؟، ولماذا ترفع رسوم تصاريح العمل؟. وأيضاً لماذا تمنع سلطة المياه أصحاب المزارع من حفر الآبار الإرتوازية في مزارعهم أو صيانتها علماً يأن الدراسات أثبتت بأن منسوب مياه الآبار في تلك المنطقة يتجدد في كل فصل شتاء؟. فنناشد جلالة الملك ورئيس الوزراء والمسؤولين ذوي العلاقة بتسهيل معاملات أصحاب المزارع لدى جميع الجهات المسؤولة ليتمكنوا من إنتاج منتوجات زراعية صحية ومروية بمياه نظيفة وبكميات تكفي السوق المحلي ويمكن تصدير الفائض منها للخارج إذا سمحت بذلك الدولة. كما نناشد المسؤولين في المؤسسة العامة للغذاء والدواء ووزارة الزراعة ووزارة العمل وسلطة المياة زيارة المنطقة ميدانياً للوقوف على واقع حياة أصحاب المزارع اليومية الصعبة جداً والقاسية ومشاهدة ما يواجهون من صعوبات ومشاق وتكاليف لا مبرر لها على أرض الواقع.