لا يعنينا في هذا المقال مناقشة رواتب إدارات الشركات المساهمة العامة طالما كانت تلك الرواتب ضمن الإطار القانوني وخاضعة لأنظمة الحوكمة ويتقيّد بها أعضاء مجالس إدارتها، لأنه لا يمكن أن تكون هناك تجاوزات من الإدارات إذا كان أعضاء مجالس إدارتها ملتزمين التزامًا كبيرًا بتعليمات الحوكمة.
في المشهد الأردني للشركات المساهمة العامة، الأمر متباين بين التزام تلك الشركات بتعليمات الحوكمة والرقابة، وبين الحدود الفاصلة التي يجب أن تتحرك بها إدارات تلك الشركات وأعضاؤها ومجالس إدارتها، فالأمر متباين ومتضارب في آنٍ واحد.
صحيح أن هناك حوكمة للشركات المساهمة ورقابة من هيئة الأوراق المالية والبنك المركزي ومراقبة الشركات، التي قامت في الفترة الأخيرة بتصفية أكثر من 50 شركة مساهمة لا تعمل ولا يوجد لديها أي قيمة مضافة للاقتصاد.
لكن المشهد المثير للتساؤلات هو غياب الحدود الرقابية الداخلية لإدارات الشركات في تعاطيها مع الشأن المالي من حيث الامتيازات والرواتب والتنقلات وعضويات الشركات الحليفة والسفريات، وغيرها من عشرات المهام التي تحاط بالإدارات، ويتسابق عليها بعضهم للانتفاع المادي بالدرجة الأولى.
في الأردن، الأمر طبيعي وأنت تشاهد رئيسًا تنفيذيًا لشركة مساهمة عامة يحصل على رواتب عليا وكبيرة جدًا، في حين أن الشركة على وشك التصفية أو أن يحصل على مكافآت عالية ولا يتم في ذات الوقت توزيع أرباح على المساهمين.
والأمر أيضًا طبيعي، وأنت تسمع بأن هناك رئيسًا تنفيذيًا أو رئيس مجلس إدارة يحصل على مكافأة سنوية دورية، في حين أن أرباح الشركة تتراجع بأكثر من 50 % في تلك السنة. ولا نستغرب أيضًا من سفريات بعض الرؤساء والمديرين وإحاطتهم بكل عمليات التسويق الخارجي والمشاركات بغض النظر عن أنواعها وأهدافها، وحصولهم على مياومات تعادل، إن لم تزد عن رواتبهم الأساسية.
ما يحدث في الشركات المساهمة من لغط داخلي هو تحصيل حاصل لضعف الرقابة الداخلية من أعضاء مجالس الإدارات، الذين في غالبيتهم عبارة عن شهود زور، فمبادراتهم الرقابية على السياسات المالية في الشركات وتوجهاتهم باتجاه تعزيز حوكمة سلوكيات الإدارات شبه محدودة، إن لم تكن معدومة في الأصل، وهم بالأساس يتطلعون أكثر إلى الانتفاع من الفوائد المالية التي يتقاضونها كل آخر شهر.
هذا يقودنا فعلاً للحديث عن الأسس التي يتم على أساسها اختيار أعضاء مجالس إدارات تلك الشركات، والتي باتت في الأردن وسيلة تنفيعات غير مسبوقة، خاصة في الشركات المساهمة العامة التي تملك فيها الحكومة أو الضمان الاجتماعي مساهمات نسبية، فغالبية هذه الشركات هي محط تدخل مباشر من الحكومات والمسؤولين والقوى النافذة لتمرير التنفيعات والواسطات.
وللأسف، حجم التدخل لا يمكن حصره، بل بات من العرف أن عضويات هذه الشركات هي جزء من المكافآت التي تقدمها الجهات الرسمية لهؤلاء "المتسللين" في الشركات المساهمة العامة.
للأسف، باستثناء مجلس إدارة البنك المركزي الأردني، الذي لا يمكن لأي جهة التدخل في تسمية أعضائه، إذ يتم ذلك بناءً على تنسيب المحافظ وفق أسس شفافة وواضحة، فإن أغلب عضويات الشركات المساهمة العامة، خاصة تلك التي تساهم بها الحكومات، تأتي من باب التنفيعات الشخصية لا أكثر، فالكفاءة والخبرات الفنية والعملية غائبة عن أغلب تلك التعيينات.
ولنأخذ مثالًا حيًا وواضحًا وهو شركة المساهمات الحكومية، الجهة المسؤولة عن تسمية ممثلي الحكومة في الشركات المساهمة العامة، فهي المثال الأوضح لفقدان الحاكمية الداخلية، وهي أيضًا أكثر مكان يمكن أن تشاهد فيه تدخلات مختلف الجهات الرسمية وغير الرسمية في تسمية الأعضاء، حيث أصبحت "مرتعًا" حقيقيًا للواسطات، والضغوطات التي تتعرض لها إدارتها لتمرير تعيين أشخاص في مجالس إدارة بعض الشركات، بشكل يفتقد للنزاهة والحوكمة.
لا يمكن للشركات المساهمة العامة أن تستمر في هذا اللغط والغياب الكلي عن الحوكمة الداخلية طالما كان أعضاء مجالس إدارتها يُعيّنون بالواسطات، فلا بد من اعتماد الكفاءة والخبرة في تسمية الأعضاء، فهما وحدهما الكفيلان بوضع معايير حوكمة داخلية لكل السلوكيات المالية لإدارات الشركات وإنهاء حالة التشابك السلبي الحاصلة في هذا الشأن.