كتب: محمد حسن التل
تدخل الحكومة من خلال وزارة التربية والتعليم في ورشات عمل مكثفة لاستقبال العام الدراسي الجديد لما يزيد عن مليون طالب وطالبة، وخلفهم ملايين من أولياء الأمور في ظل ظروف صحية استثنائية فرضتها جائحة الكورونا، ويدخل عامل آخر في انشغال الحكومة بالتحضير للعام الدراسي الجديد رغم أنها وضعت كل البدائل لمواجهة أي طارئ، وهو التصعيد الذي يمارسه القائمون على نقابة المعلمين، مهددين بتصعيد خطواتهم الاحتجاجية، متغطين بحجة تعليق علاوة المعلمين كغيرهم من موظفي القطاع العام نتيجة الظروف الاقتصادية التي فرضها هذا الوباء، وصولا الى الاضراب العام.
قلنا قبل أسبوع إن الذي يطلع على البرنامج الذي وضعه "مجلس النقابة" لتصعيد خطواته الاحتجاجية يظن للوهلة الأولى أنه برنامج مجلس قيادة ثورة، بدءا من الاعتصامات في المحافظات وصولا الى العاصمة عمان ونصب الخيم واضراب عن الطعام وتحالفات سياسية ودراسة مقاطعة الانتخابات النيابية والكثير من الإجراءات التي يعتبرها المراقب وكأننا على أبواب عصيان مدني، وهذا التصعيد يشد من أعصاب الطلبة وأولياء امورهم ويوترهم ويجعل أفكارهم مشوشة تجاه مصير العام الدراسي القادم، وللأسف بدل أن يشارك القائمون على نقابة المعلمين الحكومة في تهيئة الظروف المناسبة لمواجهة المخاطر التي لا قدر الله عز وجل من الممكن أن تنتج عن تواجد الطلبة في مدارسهم في ظل خطورة الأوضاع الصحية السائدة، اتجهوا للتصعيد متجاهلين واجبهم الأساسي كما تجاهلوا الأسس التي وجدت من أجلها النقابة، فدور هذه النقابة لا يقتصر على الاهتمام بشؤون المعلم بل يتعداه إلى واجب المشاركة في حماية الطالب وتأمين ظروف مناسبة لدراسته بل والدفع لتحسين هذه الظروف.
النقابات المهنية أسست من أجل تنظيم المهن المختلفة، وضبط الأداء لدى منتسبيها وتوفير خدمات متعددة لهم بالإضافة إلى حماية المهن، وكان الفراغ السياسي الشعبي السائد آنذاك الناتج عن غياب الأحزاب دافعا لتلك النقابات لممارسة العمل السياسي بهامش المعقول، وفي نهاية العقد الثامن وبداية العقد التاسع من القرن الماضي، رفعت الاحكام العرفية التي كانت سائدة انعكاسا لظروف احتلال الضفة الغربية الامر الذي كان يقتضي تعطيل البرلمان وسمح بتشكيل الأحزاب وممارسة العمل السياسي، وهذا كان يوجب على النقابات المهنية التوقف عن العمل السياسي المباشر والعودة الكاملة للعمل المهني، ولكن للأسف أصر الإسلاميون (الإخوان المسلمين) على ترسيخ العمل السياسي من خلال النقابات التي سيطروا عليها واعتبروها ذراعا من أذرعتهم رغم سماح الدولة لهم بتأسيس حزب كبقية الاتجاهات السياسية الأخرى، الأمر الذي انعكس على أداء النقابات من الناحية المهنية والخدمات التي تقدمها لأعضائها، وسيطر شبح الإفلاس على كثير من صناديق هذه النقابات. وقد أقام الدنيا (الإخوان) ولم يقعدوها عندما قررت إحدى الحكومات أن تخضع أموال وحسابات النقابات الى ديوان المحاسبة، وكأن أموال النقابات ليست أموالا عامة.
وبالعودة الى نقابة المعلمين والتصعيد الذي يمارسه القائمون على مجلسها، يجب أن نشير إلى أن المعلم بالأصل هو موظف حكومي خاضع للقوانين والأنظمة الحكومية، لذلك لا يجوز له أن يضرب بعرض الحائط قوانين الدولة من أجل أن يمثل لقرارات من يجلسون على مقاعد الإدارة في نقابة المعلمين وكأن في الأردن حكومة أخرى غير الحكومة التي نعرفها. كما من المهم أن نذكر أن جميع الفتاوى الدستورية ، قبل السماح بتأسيس نقابة للمعلمين ، كانت تفيد بأن تأسيس مثل هذه النقابة غير دستوري ، ولولا ظروف بعينها في 2011 لما سمح بتأسيسها ، وعندما كان فريق من المعلمين يطالب بنقابة لهم كان الإخوان كعادتهم متوارين عن المشهد ، ولما "استوت الثمرة " انقضوا عليها وخطفوها . وجاء قرار الموافقة على تأسيس النقابة كبادرة حسن نية من الدولة تجاه شريحة كبرى من أبنائها.
إن مصير العام الدراسي القادم لا يمكن المساومة عليه من قبل أي أحد كان أو جهة، فمستقبل أبنائنا أهم من كل المشاريع الحزبية والتنظيمية وأهم من مصير الجماعة التي أظن أن سدنتها يضغطون على الحكومة من خلال نقابة المعلمين لحل الموقف القانوني للجماعة، وهم يعرفون جيدا أن الموضوع أوراقه على طاولة القضاء الأردني الذي لا يسمح أن تتدخل به أي جهة كانت.
ننادي بالكتلة الكبيرة من معلمينا المحترمين المنتشرين على كافة الجغرافية الوطنية أن ينتبهوا بأنهم مواطنون أردنيون بالمقام الأول وأنهم ليسوا أعضاء في تنظيم أو جماعة، فقد تعود هؤلاء على تحقيق مكتسبات سياسية على ظهور الناس، وادعاءهم بأنهم خير من يمثلهم وكأنهم يملكون الحقيقة والنزاهة وحدهم.
آن الأوان أن يشكل تحالف وطني لمواجهة العبث في مستقبل أبنائنا قاعدته أولياء أمور الطلبة، ونطلب من الحكومة بكل أجهزتها بأن لا تتهاون مع هؤلاء ولا تحاورهم، وعلى الإعلام أن لا يوفر لهم أي منبر للحديث كما يشاؤون، كما حدث في الأزمة السابقة، فإنهم تاريخيا يعتبرون الحوار مع الطرف الآخر ضعفا منه، وحري بنا أن نتذكر الازمة الاخيرة عندما كانت تنتهي أي جلسة حوار بينهم وبين الحكومة، يخرجون وكأنهم كانوا يفاوضون خصما ويزدادون عنادا وتصلبا، ونذكر أيضا أن احدهم أثناء الاضراب السابق وقف في خضم الحوار مع الحكومة يهتف وهو على اكتاف البعض (سنؤدبك يا حكومة) وتجاهل أن الحكومة التي يحاورها هي حكومة الدولة الأردنية. إن مصير أبنائنا الطلبة يجب ألا يخضع أبدا للمزاودات السياسية وللأطماع التنظيمية وعلى القائمين على نقابة المعلمين أن يفهموا ذلك جيدا قبل فوات الأوان.