كتب: عامر جلول
عندما رأى علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه كيف أصبحت الخلافة تُطلب بالسيوف بعد أن كانت تُعقد بالبيعة، قال: إنما مثلي ومثل عثمان مثل ثيران ثلاثة كانوا في غابة، أحدهم أبيض، والثاني أسود، والثالث أحمر، وكان معهم أسد، فكان لا يقدر عليهم مجتمعين، فقال للثور الأسود والأحمر إنه لا يدل علينا في موضعنا هذا إلا الثور الأبيض، فإن لونه مشهور ولوني على لونكما، فلو تركتماني آكله لصفا لنا العيش بعد ذلك، وكُتم أمرنا، فقالا: دونك فكله! ثم قال للثور الأحمر: لوني على لونك فدعني آكل الأسود، فيصفو لنا العيش بعد ذلك، فقال له: دونك فكله! فأكله، ثم بعد أيام قال للثور الأحمر: إني آكلك لا محالة، فقال: دعني أنادي أولًا، فأذن له، فنادى بأعلى صوته: ألا إني أُكلتُ يوم أُكل الثور الأبيض!.
بعد مرور القرابة 9 أشهر على بدء ثورة 17 تشرين حيث كانت الأعداد كبيرة من كل لبنان ومن مختلف المناطق خالعين رداء الطائفية والحزبية,بدأت الأعداد بالتقلص والتراجع بشكل تدريجي, واليوم تمر الثورة بمنعطفات خطيرة تكاد تكون قاتلة,لقد تغيرت الظروف على المستوى الداخلي وعلى المستوى العالمي, فعلى المستوى الداخلي إن الوضع الاقتصادي الهش والنقدي المهترأ وإنتشار الكورونا بالإضافة إلى تحول الثورة إلى ثورات وكل فريق لديه مجموعته الخاصة والتي لها رؤيتها ولها حساباتها وأجندتها وتلك الفرق تكاد تكون مؤلفة من بضع أشخاص يزيد من حالة التشرذم, وخرجت أصوات تنادي بإستهداف السلاح غير الشرعي حتى تكون ضربة قاصمة للثوار والبدء الصراع فيما بينهم, ففريق ينادي بابقاء الثوابت الأساسية ومطالب 17 تشرين والفريق الآخر يعتبر أن أساس البلاء هو سلاح غير الشرعي.
أما على المستوى الخارجي فإن العالم يتصارع مع جائحة كورونا بالإضافة إلى ظهور بوادر حرب باردة بين الصين والولايات المتحدة الأميركية وطبعاً فإن لبنان سوف يكون ساحة رسائل وصراع, بالإضافة إلى أن الولايات المتحدة الأميركية أنهت قانون "قيصر" الذي سوف يقوم بخنق لبنان إقتصادياً، كل هذه المعطيات أدت إلى تراجع الثورة بشكلٍ كبير, كما أن حالة اللا نضج والوعي لدى الكثير من الثوار والمجموعات أدت إلى إنقسامات حادة, كما أنه ليس كل من رفع شعار الثورة ومحاربة الفساد هو ثائر فأن جان جاك روسو كتب كتاب عن الأخلاق ورمى أطفاله الخمسة من زوجته غير الشرعية في الميتم.
من ينظر إلى هذا الكون الشاسع يعتقد للوهلة الأولى أنه يسبح في فوضة عارمة, ولكن العلم الحديث أثبت أن البناء الكوني في غاية الدقة والإتقان حيث أن كل كوكب يسبح ضمن إطاره ولا يخرج عن مساره قيد أنملة حسب السنن الفيزيائية, كذلك الحال على الحركات الإنسانية وعلى رأسها الثورة, فلا بد لها أن تتحول من حالة عفوية وشعبية غير منظبطة إلى حالة منتظمة ذو رؤية ومطالب ذكية, اليوم لا بد من ترتيب الصفوف وإقامة جسد ثوري ذو قيادة واحدة تتجهز وتقوم بوضع سلم الأولويات رؤية 2022 حيث الإنتخابات الكبرى وتأخذ في عين الاعتبار قاعدة فقه الواقع حيث أن التغيير له سنن ويحتاج إلى عناصر غير متوافرة حالياً بالاضافة إلى عامل الوقت حيث أن فساد 40 سنة لن يصطلح في بضعة أشهر,ولكن المرحلة الأولى نحو التغيير هي ترتيب الصفوف ووضع قيادة حكيمة ونظيفة ونخبوية تتكون من خلال إئتلاف ثوري من كل المناطق اللبنانية و يحافظ كل كيان عل نفسه دون الحاجة أن يدوب مثل الاتحادات الكونفدرالية واهمها اليوم الاتحاد الأوروبي, فإن لم يحصل هذا فأن كل المجموعات سوف تبقى تنهش بعضها البعض وتتهم بعضها بالخيانة والتسلق والمستفيد الأول والأخير هي السلطة وازلامها الأحزاب الطائفية فتسحق المجموعات الثورية واحدة تلوى الأخرى بسبب إلتهائها ببعضها البعض وهنا تصح المقولة "اُكلت حينما اُكل الثور الابيض"
