هل كانت هناك حاجة بالفعل الى مجزرة «خان شيخون» كي يستيقظ العالم المتمدن في واشنطن ليقوم بمهمته ضد سلاح الجو السوري الذي تؤكد غالبية الدلائل على مسؤوليته عن الهجوم الكيماوي،وهل نصف مليون قتيل في سوريا عبر ست سنوات من الجحيم، لم تكن كافية لمنح الضمير العالمي الفرصة كي يتحرك لوضع حد لدمار المدن والبلدات وموت البشر هناك؟ فإذا كان تاريخ 4/4 هو مفصل الأزمة، فإن هناك بلدات ومدناً بكاملها لا تزال محاصرة بالمدفعية والطائرات،وهذا ثاني استخدام للأسلحة البيولوجية المحرمة خلال اسبوعين ضد المدنيين،فهل سيبقى العالم يركع تحت قدمي الروس،ويقبّل رأس الإيرانيين كي يسمحوا للنظام السوري أن يكف عن قتل المدنيين؟! كان الملك عبدالله الثاني واضحا منذ البداية فيما يتعلق بمصير الأسد كرئيس يرضى بحمامات الدم لشعبه،والملك الذي وقف بكل ثقة و تواضع الى جانب الرئيس دونالد ترامب عظيم أمريكا، دافع ويدافع عن القضية الفلسطينية وعن سوريا أرضا موحدة وشعبا وهيكل الدولة في عقر الدار الأمريكية الديمقراطية التي كانت سببا في الأزمات المأساوية في البلاد العربية، في شنها للحرب على العراق وفي دعمها للثورات الفاشلة وأخيرا في تراخيها وتخليها عن دعم حل فوري في سوريا.
الصحافة الأمريكية رصدت صباح البيت الأبيض ولقاء الملك بترامب،فهي أشبعت ترامب نقدا لأسلوبه في البحث عن الكلمات المناسبة ليتحدث عن أزمة الشرق الأوسط، بينما أسهبت،وعلى رأسها «قناة فوكس» الأقرب لترامب، في مديح الملك الذي كان سريعا ومباشرا وواضحا في رسائله، وبلغته العميقة شرح المختصر المفيد بأساسيات الصراع في الشرق الأوسط العربي وخصوصا سوريا ونهوض الجماعات المتطرفة،وكلمة السرّ وهي القضية الفلسطينية التي أصبحت ذريعة لكل الأعمال الإجرامية، حتى نظام الأسد ومن خلفه إيران يستخدمون الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ذريعة وقحة لتمردهم على المبادىء الإنسانية ولتبريرهم لقتل المواطنين كي تبقى «عاصمة الممانعة» شامخة على جثث وجماجم الأطفال والنساء.
الأرواح الشريرة في عالمنا العربي تحتاج الى طبيب محترف في علم النفس الجنائي،كي يشخص الدّاء ويصف الدواء ويدل يدّ العدالة الى الطريق الصحيح كي نتخلص جميعا من تلك الأرواح السوداء التي لا تقرأ إلا من تاريخ هولاكو والبرابرة الجبابرة وروايات الدماء السوداء لتروي عطشهم للحكم بالقبضة الحديدية لعشرات السنين وربما لمئات أخرى، فيما هناك من ينادي لتخليص عالمنا العربي من هذا القيّد الأزلي الذي استحكم على عقول الأجيال،حتى تدهور التعليم وعمت البطالة وأنهارت قيم العمل والإنجازالعلمي وتحولت الميزانيات من التنمية البشرية الى التسليح لقتل الشعوب. القيادة ليست مهمة سهلة وهذا ما يعرفه الجميع جيدا، ولكن من يتسابقون للحصول عليها تحت عناوين متسلقة يستلحفون بها لتحقيق غاياتهم،ثم يكيلون الشتائم ضد الجيش الإسرائيلي الذي قتل 360 طفلا في غزة عام 2014،بينما هم يتساوون ويتساوقون مع من يشتمون بل هم أكثر وضاعة، فمن يجيب على السؤال: كم يحتاج كرسي الحكم في سوريا أو غيرها من قرابين بشرية كي يتخلص من الروح الشريرة التي تسكنه، وهل سيكون التدخل الأمريكي مجددا هو الحلّ لكبح جماح إيران وأعوانها الذين يلفون الحبل على رقبة بشار الأسد، فيما طوق النجاة كان ولا يزال في عمان معتمدا على المسؤولية والحوار لا التعنت والدمار.
يعي الملك عبدالله تماما حجم المأساة القادمة على بلادنا إذا بقيت الأمور كما هي عليه،وعندما وصف خارطة «الرحالة المقاتلون»من الرقة الى ليبيا ثم تشاد حتى نيجيريا فالصومال، ولهذا من الأولى أن يشترك جميع قادة الدول العربية في تحليل المعلومات ودراسة أسباب نشوء الجيل الجهادي الزاهد بالحياة الذي يرى أن قتل الناس هو الطريق للإنتقام من الحكومات المتعسفة إقتصاديا والأنظمة المتعالية على شعوبها أو المتجبرة بهم، فالعدالة الإجتماعية وتحقيق خدمات الإعاشة والتعليم المتطور وملء فراغ الشباب ليس مستحيلا في زمن أنهار الأموال التي تصب أخيرا في محيطات الحيتان وأسماك القرش. عندما نرى بهجة الحضور الملكي في حضرة الرئيس الأمريكي الذي وبخ قادة أوروبيين وكومنولثيين،وامتدح جلالة الملك وأثنى على الشعب الأردني،وتقديره لعزمه وحزمه وكرمه ويذكر إسم الملك والأردنيين في كلمته خلال خمس دقائق أكثر من خمس عشرة مرة، بينما يصف من استقبلهم سابقا بالوفود دون ذكر أسماء، فهذا يعني أن الأردن طليعي ويجب أن يُشكر ويقدّر.
الرأي
عندما استيقظ البيت الأبيض
مدار الساعة ـ
حجم الخط