تخرج مجموعة من المشجعين لتهتف للرئيس العراقي السابق صدام حسين قبل يومين في مباراة كرة قدم أمام الكويتيين فتتسبب بإحراج شديد للأردن، ولم يبق مسؤول الا وخرج ليعتذر، ويوضح، ويؤكد على ان العلاقات مع الكويت أساسية، وان هذا النفر لا يمثل أحدا
هذه الخفة السياسية التي تصرفت بها مجموعة من المشجعين، ليست الأولى من نوعها، إذ قبل فترة خرج أيضا مجموعة من مشجعي فريق اردني، كانوا يلعبون ضد فريق القوة الجوية العراقية في سلطنة عمان، وهتفوا بهتافات شبيهة، مما تسبب بقصة كبيرة يومها، وهي قصة تشبه أيضا قيام مشجعين من الجزائر أيضا بالهتاف على ارضهم لصالح صدام حسين في وجه فريق عراقي، مما أدى يومها الى استدعاء الخارجية العراقية للسفير الجزائري في بغداد
هناك وجه آخر لصدام حسين لا يريد أحد أن يراه، ولا أن يحترم مشاعر هذه الشعوب، وكأننا وحدنا الذين نقرر من هو البطل، وغير البطل، فصدام حسين بالنسبة للكويتيين رئيس دولة قام باحتلال بلادهم، وتسبب بتدمير الكويت، وتشريد الكويتيين، بما أدى لاحقا الى نشوب الحرب، وخروج أيضا نصف مليون أردني وفلسطيني خسروا حياتهم المستقرة بسبب المقامرة بأمن المنطقة، وهي حرب أدت أيضا إلى فرض الحصار على العراق، وموت وجرح ملايين العراقيين وصولا إلى حرب 2003 التي احتلت فيها الولايات المتحدة الأميركية العراق، واوصلنا احتلالها لهذا البلد العربي، الى وضع مأساوي
ابسط اللياقات الوطنية احترام مشاعر أهل الكويت، فمن يقبل أن يتم احتلال بلاده، وتدميرها بهذه الطريقة، وبماذا نبرر هذه الهتافات، بغير كونه كان يرسل المساعدات النفطية إلى الأردن، وبغير الصواريخ التي اطلقها على الاحتلال الإسرائيلي، ولم تؤذ إسرائيليا واحدا، ونتعامى عما فعله ببلد عربي، أهله من أكثر العرب قومية، ولا يمكن جرح هويتهم ولا مشاعرهم تحت أي عنوان كان، وهل يجوز ان نبقى نظهر بهذه الصورة التي نحدد فيها مواقفنا من الحكام، على أساس يتعامى عن معايير أخرى؟
الرئيس العراقي السابق ذاته بنظر العراقيين، كان دكتاتورا، حتى لو احبه الأردنيون والفلسطينيون والجزائريون واليمنيون والسودانيون، فحب هؤلاء لا يكفي، وليس مقياسا في الأساس، كونهم ليسوا أهل العراق بداية ونهاية، والرئيس السابق الذي خاض حربا مع إيران أدت نتائجها إلى موت أكثر من مليون عراقي وإيراني وإعاقة وجرح الملايين، وتبديد أكثر من 500 مليار دولار، فوق القمع الداخلي في العراق لمكونات عراقية ابرزها الشيعة، أو حتى السنة الذين يعارضونه، يجد من بيننا من يحبه
هذه ظاهرة لافتة للانتباه في الأردن وفلسطين، حصرا، أي ظاهرة احترام الدكتاتوريات من الذين تسببوا بخسائر كارثية لشعوبهم، لكنهم يجدون بيننا نحن من يصفق لهم، على حساب شعوب تلك الدول، ومنتهى الانانية والنرجسية أن نصفق لقادة لا يصفق لهم أبناء شعوبهم، لكننا نظن اننا أصحاب بصيرة، نرى ما لا يرون، ونفهم ما لا يفهمون، فنحن الأكثر وطنية
الأردن منذ العام 1999 وهو يعيد تأسيس العلاقة مع الاشقاء في الكويت، بشكل مختلف، بعد اضرار حرب الخليج الأولى، وقد نجح في ذلك، ووجد تجاوبا من الاشقاء في الكويت، وقصتنا هنا، ليست قصة مال ولا مساعدات، هي قصة احترام اشقاء عرب لديهم تجربة مأساوية ذات زمن، ولا يصح الاستهانة بما تعرضوا له، حتى لو وقع بعضنا في وهم الاعجاب بما فعله صدام حسين ، لان العبرة في قراءات النتائج، وليس في الشعارات التافهة غير المنتجة
قبل سنوات وقعت ازمة أسوأ مع الاشقاء العراقيين، حين هتف أردنيون لصالح صدام في مؤتمر عراقي في عمان بحضور السفير العراقي السابق جواد هادي عباس، وحدثت مشادة، ووقعت ازمة كبرى يومها، في المؤتمر الذي كان مخصصا للمقابر الجماعية في العراق، وهذا يعني بكل بساطة ان القصة ليست موجهة ضد الكويت حصرا، بل موجهة ضد العراق أيضا، من جانب نفر لا يراعي أحدا في تصرفاته، ولا يحترم حتى مشاعر الآخرين.
الغد