مدار الساعة - كنوع من ردّ الجميل، يحاول فنّانون أردنيّون إنقاذ جبل اللويبدة، أحد جبال عمّان السبعة من الاختناق بدخان المركبات والمقاهي، بعدما غزا النشاط التجاريّ الجبل الذي يعتبر الذاكرة الثقافيّة للعاصمة عمّان، وأحد أقدم الجبال وأعرقها فيها.
يقع الجبل في وسط العاصمة عمّان، يقابله جبل عمّان، ويتميّز بانتشار أزهار الياسمين التي تعبق رائحتها في المكان، وتحيط بمنازله ذات الطابع المعماريّ القديم، إلى جانب انتشار المراكز الثقافيّة.
تحاول جمعيّة أصدقاء اللويبدة الثقافيّة، من خلال مبادرة أطلقت عليها اسم "فنّ بلا كراسي"، مواجهة المدّ والنشاط التجاريّ، اللذين بدآ يتوسّعان في الجبل خلال السنوات العشر الأخيرة، من خلال إعادة الأجواء الثقافيّة إلى جبل اللويبدة.
وعزف فنّانون أردنيّون يوم الثلاثاء الماضي، على زاوية في القرب من دوّار باريس الذي يتوسّط الجبل، مقطوعات موسيقيّة على الأكورديون، والجيتار، والعود، إلى جانب أغانٍ متنوّعة من التراث العربيّ والفلكلورالأردنيّ، بينما أتيحت الفرصة أمام الجمهور للمشاركة في إظهار مواهبه على المنصّة من غناء، ورقص، وعزف، وإلقاء شعر.
يقول رئيس الجمعيّة ومطلق المبادرة الممثّل رشيد ملحس لـ"المونيتور": "نريد من خلال مبادرة فنّ بلا كراسي نشر الفرح والمحبّة كلّ يوم ثلاثاء في جبل اللويبدة الذي طالما كان حضناً ونموذجاً للحياة الثقافيّة والمدنيّة. نريد أن نعود ونستنشق رائحة أزهار الياسمين التي تميّز بها الجبل، عوضاً عن استنشاق روائح المركبات ودخان الأرجيلة التي غزت الجبل".
ويضيف: "نواجه القبح من خلال تقديم قيم الجمال لجبل اللويبدة الذي يمثّل الحياة المدنيّة والثقافيّة التي بدأت تذبل، نحاول إنقاذ اللويبدة من الاختناق بعد انتشار المقاهي والنشاط التجاريّ، كنوع من ردّ الجميل لهذا الجبل الذي يمثّل الذاكرة الثقافيّة للعاصمة".
وبحسب ملحس، "ستكون هنالك فعاليّة ثقافيّة مسائيّة كلّ يوم ثلاثاء، مقابل دوّار باريس، يشارك فيها فنّانون متطوّعون عرب وأجانب، إلى جانب عرض مواهب من عامّة الناس، إحياء لروح اللويبدة الثقافيّة".
يخوض فنّانون وقاطنو الجبل صراعاً لوقف المدّ العمرانيّ الحديث في جبل اللويبدة للحفاظ على الهويّة المعماريّة للجبل، باعتباره منطقة تراثيّة تتميّز بمنازلها القديمة المصنوعة من الحجر التي تلفّها أزهار الياسمين.
ولهذه الغاية، تأسّست جمعيّة أصدقاء اللويبدة الثقافيّة في عام 2005 من تجمّع يضمّ فنّانين أردنيّين من مجالات مختلفة، بهدف المحافظة على النمط المعماريّ وتشجيع المبادرات الهادفة إلى جعل جبل اللويبدة منطقة جاذبة للنشاطات والفعاليّات الثقافيّة.
تعيش الرئيسة السابقة لجمعيّة أصدقاء اللويبدة الثقافيّة حياة الناصر في جبل اللويبدة منذ الستينيّات، وتعدّد لـ"المونيتور" أبرز التغيّرات التي طرأت على الجبل خلال السنوات العشر الأخيرة، وتقول: "هناك سحر في جبل اللويبدة، عندما تدخله، تشعر بالهدوء، لكن في السنوات الأخيرة، اعتدى مستثمرون على الجبل ببناء المباني المرتفعة التي حجبت رؤية جماليّة اللويبدة عن سكّان جبل عمّان والقلعة في الجهة المقابلة للّويبدة، كما بدأ الجبل يختنق بالضوضاء ودخان السيّارات وأراجيل المقاهي، وكلّ سنة، يزيد الوضع سوءاً".
ويتّفق معها الصحافيّ الأردنيّ محمّد فضيلات الذي عاش هو الآخر سنوات في اللويبدة، ويرى أنّ "أبرز ما تعرّض إليه الجبل هو تسليع المكان، إذ اصبح اسم "اللويبدة" يستغلّ للتجارة، ولا يتمّ التعامل معه على أنّه آخر الأحياء المحافظة على الطابع المعماريّ والمجتمعيّ في عمّان، وشهدنا انتشار المقاهي والمطاعم، على اعتبار أنّ المكان نقطة جذب للباحثين عن هويّة عمّان، إلّا أنّ هذه المقاهي لم تحافظ على هويّة المكان بل حوّلته إلى مكان مشوّه، وخلقت إزعاجاً للحيّ، ممّا دفع العديد إلى الرحيل من الجبل كي ينجوا من حالة الضوضاء والفوضى وانتشار المحلّات التجاريّة، ووجود أشخاص يختلف إيقاعهم ونمطهم عن إيقاع المنطقة".
أعلنت أمانة عمّان الكبرى في كانون الثاني/يناير الماضي أنّها تعكف على إعداد دراسات هندسيّة متخصّصة تعنى بإعادة تأهيل جبل اللويبدة، استناداً إلى موروثه الحضاريّ وتاريخه العريق، من خلال وضع تعليمات تحافظ على الطابع المعماريّ القائم في اللويبدة، من دون إحداث تشوّهات أو إخلال بالمنظر العامّ للجبل.
وتصف مديرة الدائرة الثقافيّة في أمانة عمّان شيمة التلّ (من قاطني الجبل)، اللويبدة بـ"جبل الثقافة والفنون"، كونه يحتضن مراكز ثقافيّة عدّة، مثل نقابة الفنّانين، رابطة الكتاب، دارة الفنون، الجاليريات، والمسارح، وغيرها من المراكز.
تقول التلّ لـ"المونيتور": "منذ 6 سنوات، تحوّل جبل اللويبدة إلى حيّ تجاريّ مزعج، وانتشرت المركبات والدرّاجات الناريّة، إلى جانب بناء عمارات حديثة، وفشلت جهودنا في الحيّ في وقف بناء عمارات سكنيّة مقابل كنيسة البشارات العريقة، ونسعى إلى أن تكون هنالك فعاليّات ثقافيّة وفنّيّة في شكل دائم في ساحة باريس، وعلى مطلّ اللويبدة، الذي يطلّ على جبال عمّان".
اختار العديد من السياسيّين والمفكّرين والفنّانين العيش في اللويبدة منذ منتصف القرن الماضي، أمثال رئيس الوزراء الحاليّ عمر الرزاز الذي يصرّ على العيش في منزل والده السياسيّ منيف الرزاز، إلّا أنّ الجبل الذي يعبّر عن هويّة عمّان المعماريّة والثقافيّة أصبح عرضة للخطر، بسبب زحف الاستثمار الذي لا يراعي خصوصيّة المكان.(المونيتور)