شهد مفهوم العقوبة تطوراً كبيراً على مر العصور، فبعد أن كان في العصور القديمة يعني الانتقام ويتمثل في الغالب بعقوبات بدنية قاسية تؤدي في اغلب الأحيان إلى الموت، ويتعارض مع حقوق الإنسان ويمس كرامته، كما لم تكن شخصية الجاني محل اعتبار في الفكر العقابي التقليدي، فقد كان الاهتمام منصباً على الجريمة دون المجرم، وقد شهدت أهداف العقوبة تطوراً كبيراً عبر مختلف العصور، انطلاقاً من الانتقام الفردي ومروراً بالانتقام الجماعي، والردع العام والخاص، وصولاً لغرض العقوبة في السياسات الجنائية الحديثة التي تأخذ شخصية الجاني بعين الاعتبار والمتمثلة في الإصلاح وإعادة التأهيل والذي يتطلب إخضاع الجناة لبرامج علاجيه تستوجب تدخل القضاة في مرحلة تنفيذ الجزاء الجنائي لاتخاذ القرارات المناسبة لكل حالة على حدا وضمان حقوق المحكوم عليهم من تعسف الإدارة العقابية. كما اختلفت الآراء حول فكرة الإشراف القضائي في مرحلة تنفيذ العقوبة، حيث يذهب أصحاب الاتجاه التقليدي إلى أن دور القضاء ينتهي عند الفصل في الدعوى، وبالتالي فان جميع الإجراءات المتعلقة بتنفيذ الحكم الجزائي هي من اختصاص الإدارة العقابية التقليدية استناداً لمبدأ الفصل بين السلطات.
ويذهب أصحاب الاتجاه الحديث إلى أن دور القضاء لا يقف عند هذا الحد، بل لا بد من أن تستمر وظيفته إلى ما بعد النطق بالحكم من اجل فرض رقابة قضائية على شرعية التجريم باعتبار أن السلطة القضائية هي الضامن الوحيد لتنفيذ الجزاء الجنائي، من خلال حفظ حقوق المحكوم عليهم وبما يسهم بشكل فعال في تحقيق إعادة التأهيل وتحقيق أغراض العقوبة. وبالرغم من أهمية ووجاهة ما يدعو إليه الاتجاه الحديث، إلا أن غالبية التشريعات الجزائية العربية، ومنها التشريع الجزائي الأردني، لم تعرف نظام قاضي تنفيذ العقوبة، وما زالت تأخذ بالوظيفة الإشرافية العامة التقليدية والتي تقوم بها الإدارات العقابية داخل المؤسسات العقابية، حيث أن تطبيق النظم الإدارية الحديثة داخل المؤسسات العقابية الحديثة لا بد من أن يرافقه تطبيق بعض النظم القضائية والتي تفتقر إليها التشريعات الجزائية الأردنية، وعلى رأسها نظام قاضي تطبيق العقوبات.
وقد اختلفت أساليب الإشراف القضائي على تنفيذ العقوبات في الدول التي طبقت هذا النظام، فمنها ما اخذ بأسلوب قاضي الحكم، والذي بموجبه يًعهد إلى القاضي الذي أصدر الحكم في الدعوى الجنائية بالإشراف على تنفيذ الجزاء المحكوم به، ومن الدول التي أخذت بهذا النظام، قانون الأحداث البلجيكي لعام 1965، ومنها ما اخذ بأسلوب اللجان القضائية المختلطة، حيث يختص بالإشراف على تنفيذ الجزاء لجنة مختلطة برئاسة قاض، وعضوية ممثل عن الإدارة العقابية وبعض الخبراء في مجال العقاب، وأما الأسلوب الأكثر إتباعاً، هو أسلوب القاضي المتخصص، والذي يتول بموجبه قاض متخصص عملية الإشراف على تنفيذ الجزاء الجنائي، وهناك العديد من الدول التي أخذت بهذا الأسلوب، منها القانون الفرنسي والقانون الايطالي.
إن نظام قاضي تنفيذ العقوبات غير مقنن في التشريع الجزائي الأردني، باستثناء ما ورد النص عليه في المادة (24)من قانون الأحداث لسنة 2014 ودون تنظيم لدور واختصاصات قاضي تنفيذ العقوبة بشكل واضح وصريح، وأيضاً الدور المحدود الذي منحه المشرع للقضاء في الإشراف على المؤسسات العقابية وتفقد السجون في المواد (106، 107، 108) من قانون أصول المحاكمات الجزائية. وهو نظام نفتقده بالرغم من ضرورته وأهميته، والذي اثبت فاعليته وجدواه في الدول التي طبقته في تشريعاتها الجزائية، ويعد هذا نقصاً في النظام العقابي الأردني يجب تداركه وذلك في ظل تشريع حديث يطبق سياسة جنائية مستنيرة، ومنسجمة مع السياسات الجنائية الحديثة، وخاصة في ظل توجه المشرع الأردني إلى الأخذ بنظام العقوبات البديلة، التي تستوجب بأن يكون للقاضي دور في مرحلة التنفيذ.