بقلم: الأستاذ الدكتور بلال ابوالهدى خماش، كلية تكنولوجيا المعلومات وعلوم الحاسوب، جامعة اليرموك.
آخر آية نزلت في القرآن الكريم هي (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (البقرة: 281)). أقنعت الحقائق التاريخية بأنه سوف لا يٌخَلَّد أي مخلوق في هذا الكون وكل شيء فيه هالك إلا وَجْهَهُ ومن شاء الله من خلقه (وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (القصص: 88)). وكما قال الله أيضاً (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ(آل عمران: 185)). نستطيع أن نتدبر ما تقدم من الأيات ونستخلص ما يلي:-
اولآً : كل مخلوق سوف يتوفاه الله ويعود إليه، وما من أحد من مخلوقاته خلِّد. وكل إنسان سيحاسب على أعماله وحده، وسوف لا ينفعه لا أهله ولا عشيرته ولا حزبه ولا أصدقائه ولامنصبه ... إلخ.
ثانياً : كل شيء خلقه الله في هذه الدنيا وفي ملكوته سوف يهلك بأمر الله إلا من شاء الله.
ثالثاً : كل نفس سيتوفاها الله وستذوق طعم الموت وهناك حساب وميزان دقيق حساس للغاية ونستدل على ذلك من كلام الله: (فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز). أُشَبِّهُ ذلك بالشيء الثقيل جداً للغاية ونحاول جاهدين أن نزحزحه قيد أنمله من مكان لآخر. وصف دقيق للغاية، وما الحياة الدنيا إلا رحلة قصيرة.
يمر وطننا العزيز بظروف إقتصادية ومالية صعبة للغاية وترزح الدولة تحت مديونية بالمليارات ومنذ سنين. وبسبب المديونية التي تتزايد كل سنة عن سابقتها، إضطرت الحكومات المتعاقبة الإنصياع إلى طلبات البنك الدولي والذي من حقه أن يسترد حقوقه من كل دولة تستدين منه إلى تطبيق سياساته وهي برفع الدعم عن الخبز وعن المحروقات وعن كثير من المواد التموينية ... إلخ. ورفع الأسعار وفرض ضرائب متنوعة على أفراد الشعب. وكل ذلك أدى إلى ضيق الحال وحياة الضنك ما أثار حفيظة الشعب الأردني ... إلخ. فالمسؤولون من عشائر وعائلات الشعب وليسوا غريبين عنه وكلنا قيادة ومسؤولين وشعب في نفس القارب.
فالشعب يطالب كل مسؤول تولى منصباً ومسؤوليةً عليا في هذا الوطن العزيز لمرة أو عدة مرَّات وإستفاد من ميزانيات الدولة خلال السنوات الماضية بطريقة مشروعة أن ينقذ البلد من المأزق المالي التي هي فيه عن طريق المساهمة في تغطية جزء من المديونية حتى يُعَمِّرِوا أولئك المسؤولين حساباتهم في الآخرة. وعلى الآخرين من المسؤولين الذين إستفادوا من مناصبهم ولسنوات طويلة أباً عن جداً بطرق لا يعلم فيها إلا الله أن يحاولوا تبرئة ذممهم أمام الله قبل الناس وقبل أن لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم وحيث لا ينفع الندم، وذلك بإعادة ما إستطاعوا من أموال لديهم للمساهمة في سداد جزء من المديونية أيضاً لينقذوا الوطن من أزمته المالية الخانقة حتى يرحمهم الله برحمته ويُفْرِج عنهم كُرَبْ يوم الحساب. وإلا ستبقى المشكلة المالية تراوح مكانها ونغرق في الديون أكثر فأكثر والبنك الدولي لا يرحم.