كتب.. د. خالد محمد باطرفي
زيارتي الأخيرة للأردن أشعرتني بالفخر والاعتزاز، فعمان التي كنت قد زرتها آخر مرة قبل ثلاثين عاماً، أصبحت عاصمة عصرية، مترامية الأطراف، تربطها شبكات حديثة من الطرق والاتصالات والخدمات العامة. مطارها الحديث نموذج لما وصلت إليه البلاد من تقدم وكفاءة إدارة، وفنادقها وأسواقها ومواقعها التراثية والأثرية نموذج لتطور خدمات التجارة والسياحة والضيافة.
وشرح لي رفيق الرحلة الدكتور شكيل حبيب، عميد كلية الأمير سلطان للإدارة بجامعة الفيصل، بأن الاقتصاد الأردني نجح في تنويع مصادره، فلم تعد قائمة على الفوسفات والصناعة والسياحة فقط، ولكنها ركزت أيضاً على التعليم والتقنية والطب، وهي اليوم مركز علمي وتعليمي واستشفائي بارز في المنطقة، يؤمها الأساتذة والطلاب والخبراء في كافة المجالات، إضافة إلى المرضى والسياح من كافة أنحاء العالم. وقد استفادت الكلية من التعاون مع نخبة الجامعات والأساتذة والمتخصصين في الإدارة والتقنية.
تذكرت زيارتي لبلد النشامى، وأنا أستعرض مواقف الأردن النبيلة في استضافة ملايين اللاجئين من فلسطين والعراق وسوريا، ووقوفها مع دول التحالف العربي لتحرير اليمن من قبضة عملاء إيران، وانضمامها المبكر للحلف الإسلامي لمحاربة الإرهاب، والتحالف الدولي لمحاربة داعش، وغير ذلك من أوجه التعاضد معنا في قرارات الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي ومجلس الأمن والأمم المتحدة ومنظماتها المختلفة كاليونسكو والأرنو لدعم القضايا العربية والإسلامية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية ومواجهة التغول الإيراني في المنطقة العربية وآثاره المدمرة.
كما تذكرت أن الملك عبد الله الثاني كان أول من نبه إلى خطورة مشروع الهلال الصفوي في العراق وسوريا ولبنان، في مقابلة له مع "واشنطن بوست" عام 2004م، وأن زيارته الأخيرة لواشنطن، كأول زعيم عربي يلتقي بالرئيس الأميركي الجديد، دونالد ترمب، أسهمت في إقناع الإدارة الأميركية بخطورة نقل السفارة الأميركية إلى القدس ودعم الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية، وكلمته أمام الكونجرس عن الإسلام ساعدت في إيضاح الكثير من الحقائق وإزالة الشبهات عن صلة المنظمات الإرهابية بدين السلام والتسامح.
لقد مرت المملكة الهاشمية بمراحل عديدة منذ قيامها عام 1921م على أجزاء من فلسطين وسوريا، كإمارة شرق الأردن، نسبة إلى نهر الأردن، لتصبح المملكة الأردنية الهاشمية في1946م. وتداول السلطة فيها أربعة أجيال من الأسرة 1947م، فابنه الملك طلال، فحفيده الملك حسين بن طلال، واليوم الملك الشاب عبد الله الثاني. وشهدت البلاد خلال المائة عام الماضية تحولات كبرى، كانت أولها حرب التقسيم في 1948م التي حملتها عبء اللاجئين الفلسطينيين، فحرب 1990م التي انحازت فيها للجانب الخطأ فخسرت 2012م، وتداعياتها على الاقتصاد والمجتمع الأردني، مع هجرة ملايين العراقيين والسوريين.
ويذكر هنا أن تعداد سكان الأردن عام 1921م كان مائتي ألف نسمة، فيما يصل تعداد سكانها في 2015م إلى حوالي عشرة ملايين.
واليوم تمر الدولة الشقيقة بظروف دقيقة، نتيجة لتكالب المسؤوليات والأعباء من محاربة داعش والحوثي، إلى استضافة ملايين اللاجئين، إلى تداعيات الحروب والصراعات في المنطقة. وفي الوقت الذي تحافظ فيه على أمنها ووحدة أراضيها، تتعرض مكتسباتها الاقتصادية لضغوط بدأت تؤثر بشكل سلبي متزايد على مستوى المعيشة ومتطلبات الحياة.
نحن بحاجة إلى الأردن دولة قوية، صامدة، حليفة، وهم بحاجة إلينا. هناك مجالات عديدة يمكن من خلالها دعم اقتصاد الأردن وتبادل المنافع من خلال الاستثمار والتجارة والصناعة، والتعاون العلمي والتعليمي وتوأمة المدن. وزيادة دعم صناديق التنمية والإقراض مع ربطه بالبنية التحتية الخليجية كشبكات الاتصالات والمواصلات والبنوك والكهرباء والمياه.
ولعل الأوان قد حان لنوثق علاقاتنا مع الأشقاء بشكل أكبر، وننتقل إلى الخطوة التالية، ألا وهي الانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي، وإن على مراحل، كما اليمن، بدأ بصفة مراقب.
(العرب القطرية)