وبالنظر إلى الواقع السياسي الأردني الذي يتصف بضعف الأحزاب السياسية واضمحلال دورها كان لا بد من إتباع إستراتيجية "التدرج في الإصلاح" وهي إستراتيجية رشيدة إلى حد بعيد، فمن غير المقبول التحول مباشرة إلى تشكيل حكومات من داخل البرلمان في ظل غياب الركيزة الاساسية للحكومات البرلمانية وهي الأحزاب السياسية، ومن هنا تأتي أهمية التركيز على الكتل النيابية، والتي تعتبر بمثابة المفتاح المرحلي على طريق الإصلاح السياسي في الأردن ولكنه ليس بديلاً بأي شكلاً من الأشكال عن الأحزاب السياسية بل على العكس تماماً هو الطريق الأمثل للبدء في بناء الأحزاب السياسية، إذا ما علمنا أن من أهم عوامل نشأة الأحزاب السياسية في العالم كانت من داخل البرلمان.
ويتطلب نجاح عمل الكتل البرلمانية البدء بمأسسة عملها الداخلي، والبدء بتعديل النظام الداخلي لمجلس النواب وبوجه خاص الفصل الخامس المتعلق بتنظيم الكتل والائتلافات البرلمانية، بهدف تعزيز بنيتها وقدراتها المؤسسية والوصول إلى صرامة في تنظيمها، لممارسة دور أكبر في العمل النيابي تتحول معه الكتل إلى قوة سياسية مؤثرة في المجلس، ويمكن الاستفادة من التجارب الدولية الرائدة في هذا المجال وهي كثيرة بحيث تصب كل هذه التعديلات في الانتقال من العمل الفردي الى العمل الجماعي الكتلوي القائم على البرامج.
كما يقع على عاتق كل كتلة أن تضطلع بدورها وتعمل على وضع نظام داخلي خاص بها يضبط شروط الانضمام للكتلة وعضويتها وحقوق العضو وواجباته في الكتلة ويضبط شروط فقدان العضوية وإجراءاتها وهياكل الكتلة وتنظيم أعمالها وأنشطتها وكيفية اتخاذ القرارات فيها وعلاقاتها بالكتل الأخرى وهيئات المجلس المختلفة.
يتبعها ضرورة بلورة الكتل النيابية – باعتبارها نواة لأحزاب سياسية-لبرنامج عمل سياسي واقتصادي واجتماعي واضح وواقعي يرتبط بجدول زمني قابل للتنفيذ والتقييم، يلبي تطلعات الشعب واحتياجاتهم ويعزز مسيرة البناء والانجاز التي يقودها جلالة الملك المفدى، للانتقال إلى حكومات برلمانية فاعلة، يتولى ائتلاف الأغلبية النيابية فيها تشكيل الحكومات البرلمانية.
ويتطلب نجاح عمل الكتل البرلمانية بالإضافة إلى البعد المؤسسي والإطار القانوني، الإطار التقني الذي يتمثل في الدعم المالي والفني من خلال تخصيص دعم مالي للكتل، وتوفير الخبراء والمستشاريين، وما بين الدعم المالي والدعم الفني تنهض الكتل مؤسسياً وسياسياً، ويرتفع الأداء الكلّي للبرلمان في إطار وزنه العام في النظام السياسي.