أخبار الأردن اقتصاديات جامعات دوليات برلمانيات وفيات رياضة أحزاب وظائف للأردنيين مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس تبليغات قضائية شهادة جاهات واعراس مناسبات الموقف مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

الْــعَــجْـز

مدار الساعة,مقالات
مدار الساعة ـ
حجم الخط

* راتب المرعي الدبوش
الإذاعة الأردنية

لَعَلّ مِنْ رَحْمَةِ اللُّغَةِ الْعَرَبــيّةِ بِالْـعَـجْـزِ، وَشَفَقَتِهَا عَلَيْهِ، أنْ جَعَلَـتْهُ (مَصْدَرَاً ) ، تُشْتَقُّ مِنْهُ أفْعَالٌ، وَأسْماءٌ، وَصِفَاتٌ، رَغْمَ دَلَالَتِهِ عَلَى الْقُصُورِ، وَعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ بِالْهَيِّنِ مِنْ الْأمُور.
أجَـَلْ . الْعَـجَزُ قُصُور . وَحَتّى لَا يَنْصَرِفَ الذِّهْنُ إلَى قُصُورِ غَرْنَاطَةَ، نَقُولُ : إنّ الْعَجْزَ تَقْصِيرٌ عَنْ بُلُوغِ غَايَةٍ، أوْ عَنْ تَحْقِيقِ هَدَف. وَهُوَ أنْوَاعٌ، وَأشْكَال.
لَعَلّ أشَدَّهَا وَطْأةً، فِي مَا أظُنُّ، ( عَـجْـزُ الزّوْجِ ) عَنْ إرْضَاءِ شَريكَتِهِ ، وَعَدَمُ قُدْرَتِهِ عَلَى الْوَفَاءِ (بِالْالْتِزَامَاِت الْمَطْلُوبَة). فَهَذَا الْعَجْزُ يُحِـيلُ الـزّوْجَ إلَى حَمَلٍ وَدِيــع، يَسْتَجْدِي رِضَا ( أمِّ الْعِيَالِ ) بِكُلِّ حِيلَة، وَيَخْطُبُ رِضَاهَا بِكُلِّ وَسِيلَة .
يَكْفِيْ أنْ تَنْظُرَ إلَيْهِ سَيِّدَةُ الْبَيْتِ نَظْرَةً ذَاتَ مَعْنَى، حَتّى يَـرْتَـدّ إلَيْهِ الطّرْفُ وَهُوَ كَسِيـْر ، وَيَرْجـِـعَ إلَيْهِ الْبَصَـرُ وَهُوَ حَسِـيْـر ، فَيَتَضَاءَلَ وَيـَـنُوس ، كَأنّهُ مِصْباحٌ جَفّ فيهِ الزّيتُ ، أوْ مَصْرِفٌ طَارَتْ مِنْهُ الْفُلُوس.
***
يَلـِيْ ذَلِكَ (عَجْـزُ الْمُوَازَنَة) ، وَهُوَ عَدَمُ قُدْرَةِ الْحُكُومَةِ، أيـّةِ حُكُومَةٍ فِيْ أيِّ بَلَدٍ ، عَلَى الْمُوَاءَمَةِ بَيْنَ شُحِّ النّاتِجِ الْمَحَلِّيّ ، وَزِيَادَةِ النّفَقَات ؛ مِمّا يَدْفَعُهَا إلَى الْوُقُوعِ تَحْتَ وَطْأَةِ الدّيْنِ الْخَارِجيّ.
***
الْفَرْقُ بَيْنَ الْعَجْزِ الْأوّلِ، والْعَجْزِ الثّانِي - هُوَ أنّ الْحُكُومَاتِ ، أوْ قُلْ الدُّوَلَ الّتي تُعَانِيْ مِنْ الْعَجْزِ ، تَـتَصَرّفُ دَائِمَاً مَعَ( أمِّ عِيَالِهَا )، أيْ مَعَ شَعْبِهَا، بِعَيْنٍ مَفْتُوحَةٍ عَلَى اتِّسَاعِهَا. فَهِيَ تُقِـيْمُ الْوَلَائِمَ وَالْمَآدِبَ، وَتـَتـَزَيّنُ بِالْكَثيـرِ مِنْ الإكْسِسْواراتِ الْمُكْلِفَـة، وَتَصْطَنِعُ الْأفْراحَ ، وَاللّيَالِيَ الْمِلَاح ،وَتـُبَعْثـِرُ (مُـدّخَرَاتِ أوْلَادِهَا )شَذَرَ مَذَرَ ؛ تَارِكَةً إيّاهُمْ يَرْتَجفُونَ مِنْ عُرْيٍ، وَيَـتَضَوّرُونَ مِنْ جُوعٍ ، حَتّى إذّا جَاءَهَا أمْرُ رَبِّهَا، بِقُدُومِ الدّائِـنينَ إلَيْهَا- اسْتَدَانَتْ مِنْهُمْ مَا تُقِيْمُ بِهِ وَاجـِبَ الضِّيَافَةِ لَهُمْ ، نَاسِيَةً حِكْمَةَ أهْلِ الْبَادِيَةِ الّتيْ تَقُول: ( أوّلْ مَـتْـلُوفْ ذَبْحَكْ للمْطَالِبْ خَرُوف ) .
وَلِأنّ ( الْمُمَالَحَةَ ) هَذِهِ تَجْعَلُ الضّيْفَ الْمُطَالِبَ – وَاحِدَاً مِنْ أهْلِ الْبَيْتِ الْمُضِيف،فَإنّ الضّيْفَ يَبْدَأُ بِالتّدَّخُّلِ فِيْ كُلِّ صَغيرَةٍ وَكَبيرةٍ فِيْ بـَيْتِ (المعازيب )؛ بِحُجّةِ أنّ ذَلِكَ يَجْعَلُهُمْ قَادِرينَ عَلَى تَوْفيرِ الْمَالِ؛ لِيَسِدُّوا بِهِ مَا قَدْ (أخَـلّـوا وَضَـيـّـعُوا ).
ولأن الدّيْنَ هَمٌّ فِيْ اللّيْلِ، وَذُلٌّ فِيْ النّهَار؛ فَإنّ بِمَقْدُورِ الدّائِنِ أنْ (يـُبـَصِّمَ) ) الْمَدِينَ عَلَى بَيَاض. و ...( ليوم اللّه، يفْرِجها اللهْ ).
***
وَمِنْ (الْعَجْزِ ) اُشْتُقّتْ كَلِمَةُ ( الْعَـجُـوز )، تُطْلَقُ عَلَى الذّكَرِ وَالْأُنْـثَى إذَا دَخَلَا عَهْدَ الشّيْخُوخَةِ، فَأَصْبَحَا مُقَصِّرَيْنِ عَنْ الْقِيَامِ بِأّيِّ شَيْءٍ سِوَى طَلَبِ حُسْنِ الْخِتَام، وَالتّحَسُّرِ عَلَى ( أيّامِ اللّولُو ) فِيْ سَالِفِ الْعُقُودِ والْأعْوَام.
***
وَلِلْعَجُوزِ عِنْدَ الْعَرَبِ أيّـامٌ، يُسَمُّونَها ( أيـّامَ الْعَجُوز) . وَهِيَ الْأيّامُ الْأرْبَعَةُ الْأخيرَةُ مِنْ شُبَاط، وَالثّلاثَةُ الْأولَى مِنْ آذَار. وَفيهَا يَشْتَدُّ الْبَرْدُ، وَيَهْطُلُ الْمَطَرُ بِغَزَارَة. وَهِيَ الْأيـّامُ ذَاتُهَا الّتي يُسَمّيهَا الْفَلّاحُونَ وَأهْلُ الْبَادِيةِ فِيْ الْأرْدُنّ " قْـرَان الْعَجـَايـزْ "، أوْ ( الْمُسْتَقْرِضَات ).
وَهَذَا يَعْنيْ أنّ الاقْتِرَاضَ النّاشِئَ عَنْ الْعَجْزِ لَيْسَ مَقْصُورَاً عَلَى الْأفْرَادِ وَالدُّوَلِ وَالْحُكُومَات. بَلْ هُوَ مَوْجُودٌ حَتّى بَيْنَ الْأسَابيعِ وَالشُّهُور.
***
وَعَلَى ذِكْرِ الْفَلّاحَينَ، مَا زِلْتُ أذْكُرُ ( إبْـرَةَ الْعَجُوز ). وَهِيَ نَبْتَةٌ صَغيرَةٌ، يَخْرُجُ مِنْ أعَلَاهَا مَا يُشْبِهُ الْإبْرَةَ . يَقْطِفُهَا أطْفَالُ الرّيفِ فِيْ فَصْلِ الرّبيع ، وَيَمْتَصُّونَ مِنْ " عَجُزِها " مَادّةً فِيهَا شَيْءٌ مِنْ حَلَاوَة. وكَأنّهُمْ بِذَلكَ يَـتَـدَرّبـُونَ عَلى مَا سَيُطْلَبُ مِنْهُمْ؛ لِتَسْييرِ أمُورِ حَيَاتِهِمْ ، وَاكْتِسَابِ لُقْمَةِ عَيْشِهِمْ فِي الْقَادِمِ مِنْ الأيـّام.
***
وَمِنْ الدّائِرَةِ ذَاتِهَا كَانَ ( الْعَـجُـز )، بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَضَمِّ الْجيم. وَهُوَ الشّطْرُ الثّانِيْ مِنْ بَيْتِ الشِّعْرِ الْعَرَبِيّ. سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأنّهُ تَأخّرَ، أمّا الشّطْرُ الّذي تَقَدّمَ فَهُوَ الصّدْر . وَ (الْعَجُزُ)، أيْضَاً، مُؤَخَّرُ الشّيْء ، وَجَمْعُهُ ( أعْجَاز ).
وَمِنْ أقْوَالِ الْعَرَبِ : (رَكِبَ فُلَانٌ فِيْ طَلَبِ الْمَالِ أعْجَازَ الْإبِل ) ؛ كِنَايَةً عَنْ تَحَمُّلِهِ الذُّلَّ وَالْمَشَقّةَ فِيْ سَبيلِ الْوُصُولِ إلَى الْمَال. أمّا إذا كَانَ سَعْيُهُ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ، عَبـّـرُوا عَنْ ذَلكَ بِقَوْلِهِمْ: (ضَرَبَ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ آبَاطَ الْإبِـل ). وَكَمْ بَيْنَ الصُّدُورِ، والْأعْجَازِ،وَالْآبَاطِ مِنْ مَسَافَاتٍ فِي الْمَعَاني، وَالْإيْحَاءَاتِ ، وَالظِّلَال.
***
عَالَجَ الْأزْوَاجُ الْعَجْزَ عَنْ إرْضَاءِ الشّريكَاتِ بِدَوَاءٍ عَلَى شَكْلِ أقْرَاصٍ ، سَمِعْتُ، وَلَا أُؤكِّـدُ ، أنّهَا تُسَمّى ( الْحَبّةَ الزّرْقَاء )، وَبِـجُذُورِ نَبَاتٍ اسُمُهُ (شِرْشُ الزّلّوع)، وَبِالْفُسْتُقِ وَالْبُنْدُقِ، وَالزّنْجَبيلِ وَالْكَاجو، وَغَيْرِهَا مِنْ الْمُكَسّرَات ، مع الْعَسَلِ وَبَعْضِ التّوَابِلِ وَالْبَهَارَات.
أمّا عَجْزُ الْمُوَازَنَةِ، فَتَـتَحَايَلُ عَلَيْهِ الْحُكُومًاتُ بِتَعْليمَاتِ النّطَاسِيِّ الْبَارِع ص. ن. د. الّذي يَصِفُ مَرَاهِمَ الْجَدْوَلَةِ، وَكْريمَاتِ التّدْويرِ الّتي تَسْمَحُ بِعُبورِ الْأزْمَةِ، وَاجْتِيَازِ عُنُقِ الزُّجَاجَة.
أمّا الْعِلَاجُ الدّاخِليُّ فَبِعَقَاقيرِ الضّرَائِبِ بِأشْكَالِهَا ،وَفيتاميناتِ الرُّسُومِ بِأنْوَاعِهَا، وَبِاسْتيرَادِ أحْزِمَةٍ خَاصّةٍ تُبـَاعُ لِلْمُواطِنينَ بِأسْعَارٍ تَشْجيعيّةٍ؛ مِنْ أجْلِ الشّدِّ عَلَى مَا تَبَقّى مِنْ بُطُونٍ، بِالْإضَافَةِ إلَى تَعَاويذَ وَتَمَائِمَ خَاصّة، تُجَدِّدُهَا الْحُكُومَاتُ كُلَّ حِينٍ، مَكْتُوبٍ فِيهَا كلماتٌ غَيْرُ مَفْهُومَةٍ، تَدْعُو إلَى ضَبْطِ النَفَقَات . أمّا كَيْف ؟، فَلَمْ يَرِدْ فِيْ مُـتُونِ الْأوّلينَ، وَلَا فِيْ شُرُوحِ الْآخِرينَ مَا يُشيرُ إلَى كَيْفِيّةِ ذَلِك. وَهِيَ إنْ عَالَجَتْ ، فَإنّمَا تُعَالِجُ الْعَرَضَ ، لَا سَبَبَ الْمَرَض .
يَبـْقَى لَدَيْنا عَجْزُ الشّيْخُوخَة، وَعِلَاجُهُ يَـتَوَقّفُ عَلَى جِنْسِ الْمُصَابِ، وَنَوْعِ الطّبَقَةِ الْاجْتِمَاعِيّةِ وَالَاقْتِصَادِيّةِ الّتي يَنْتَميْ إلَيْهَا. فَنِسَاءُ الطّبَقَاتِ الْمُتْرَفَةِ يُعَالِجْنَهُ بِعَمَلِيّاتِ التّرْمِيم؛ مِنْ نّفْخِ وَشَفْط ، وشدٍّ وَحَقْنٍ وَمَطّ .
أمّا بُعُولَـتُهُنّ ، فَهُمْ ، وَإنْ تَقَاعَدَ بَعْضُهُمْ (بِمَعْلُولِيّةٍ ) تَصِلُ إلى حَدِّ الْعَجْزِ الْكُلِّيِّ ( مِنْ فوْق ومنْ تحت ) ، فَسُرْعَانَ مُا يَعُودُ شَابـّـاً إذَا دُعِيَ إلَى تَوَلّـِيْ مَنْصِبٍ رَفيع . وَهُنَا ، يَـبْدَأُ وَأَمْثَالُهُ ، بِالْبَحْثِ عَنْ كِتَابِ ( عَوْدَةِ الشّيْخِ إلَى صِبَاه )؛ لَعَلّهُمْ يَـعْـثُرونَ فِيهِ عَلَى وَصْفَةٍ سِحْريَةٍ ، تُبَـيّنُ كَيْفَ يُمْكِنُ لَهُمْ أنْ يَسْتَعيدُوا قُوّةَ ألْبَاه ؛ لِيَظَلّوا عَلَى قَيْدِ الْحَيَاة.
أقُولُ قَوْلي هَذَا، وَأسْألُ اللهَ أنْ يُـعِـيذَنَا مِنْ كُلِّ أنْـوَاعِ الْعَجْز ( مِنْ هَـاظْ ،وهَـظَـاكْ )، وَأنْ يَكْفِيَـنَا شَرّ الْأحْـزَان، وَغَلَبَةَ الدّيـْنِ ، وَتَـجَـرُّؤَ النِّسْوَان.

مدار الساعة ـ