كتب أحمد الزغيلات
الثامن والعشرون من شهر تشرين الثاني من كل عام ذكرى أليمة في نفوس الاردنيين بفقدهم سيد الرجال رئيس الوزراء الأسبق الشهيد وصفي التل الذي اقترن اسمه على الدوام في نفوس الاردنيين بالاخلاص والتفاني وتحقيق المنجزات الحضارية التي هي موضع احترام وتقدير كل الاردنيين بدون استثناء.
نستذكر المرحوم وصفي التل الذي كانت له الايادي البيضاء في انجاز عشرات المشاريع الحضارية، ففي حكومته الاولى عام 1962 جاء تأسيس الجامعة الاردنية كأول صرح علمي في الاردن تلاه مشروع سد الملك طلال الذي تم على أثره استصلاح الاف الدونمات في منطقة الاغوار الوسطى والتي شكلت فيما بعد سلة غذاء الاردن، وأحد الروافد الداعمة للاقتصاد الاردني في مجال تصدير الخضار والفواكة للدول المجاورة وكذلك مشروع قناة الغور الشرقية التي تولت نقل مياه نهر الاردن ونهر اليرموك لأغراض الشرب لساكني اقليم الوسط من خلال محطة زي للمياه وكذلك ري المشاريع الزراعية في منطقة الاغوار الشمالية.
ومن المشاريع الحيوية التي تمت في عهد حكومة وصفي التل الاولى انشاء الخط الصحراوي الذي شكل العصب الرئيسي في ربط شمال الاردن ووسطه مع محافظات الجنوب مروراً بمحافظات الكرك والطفيلة ومعان وصولاً الى مدينة العقبة حيث اسهم هذا الطريق في زيادة حجم صادرات الاردن من الفوسفات وزيادة حجم واردات الاردن عبر ميناء العقبة الى الاسواق المحلية الاردنية، اضافة الى استصلاح الاراضي الزراعية في مناطق عديدة من الصحراء الاردنية الوسطى وخاصة في منطقة الظليل حيث كان التل اول من بادر الى استصلاح الاراضي في المنطقة المذكورة لاغراض الزراعة.
كما كان لوصفي التل شرف المبادرة في انشاء شركة الفوسفات وشركة البوتاس لاستغلال ثروات البحر الميت الهائلة وتوسيع الساحل الأردني على خليج العقبة لمسافة ١٠٠ كيلو متر جنوبًا.
وفي حكومة وصفي التل الثانية تم انشاء التلفزيون الاردني ومحطة الاقمار الصناعية التي باتت تشكل نقطة تواصل الاردن مع العالم الخارجي وانشاء مستشفى الجامعة الاردنية وتطوير مستشفى البشير ليكون أهم صرح طبي في العاصمة عمان.
وحين نستذكر وصفي التل نذكر اخلاصه للقضية الفلسطينية حيث اندفع في بداية شبابه كمقاتل في صفوف جيش الانقاذ الفلسطيني بقيادة الزعيم فوزي القاوقجي لينتقل بعدها ضابطاً في صفوف الجيش السوري ليرتقي الى رتبة مقدم كضابط مقاتل ليعود بعدها الى فلسطين التي احب ليعمل مع رجل الاعمال الفلسطيني موسى العلمي لانشاء اكبر مشروع زراعي في محافظة اريحا التي مازالت تدر الخير على من جاورها و يعمل فيها.
وبحكم عملي كسكرتير صحفي وإعلامي للشهيد وصفي التل في حكومته الثالثة عايشت العديد من المواقف الانسانية لذلك الرجل الذي خصص يوماً من كل اسبوع لاستقبال المواطنين في دار الرئاسة مقدماً العون والمساعدة لطالبيها من ابناء الوطن دون تمييز او محاباة لأخد.
وأستذكر انه في احد ايام الصيف جاء اليه في دار الرئاسة وفدٌ من اهالي مخيم الحسين شاكين انقطاع المياه عن منازلهم حيث بادر على الفور الى الاتصال مع مدير الدفاع المدني طالباً اليه قيادة تنك ماء بنفسه الى المخيم لتشجيع باقي زملائه على انجاز مهمة ايصال المياه الى بيوت المخيم عبر التنكات في مدى ثلاث ساعات.
وفي احد الايام استذكر حدوث ازمة تمثلت بعدم وجود مادة السكر في المحلات التجارية في جميع انحاء الوطن حيث جاء وزير الاقتصاد الوطني انذاك شاكياً له امتناع وكيل مادة السكر في الاردن عن توفير مادة السكر للمواطنين حيث بادر المرحوم وصفي الى الاتصال مع الوكيل وابلاغه انذاراً شفوياً بضرورة توفير السكر في مدى ثلاث ساعات حيث تم توفيرها في جميع المحال التجارية بسورة عاجلة.
ومن المواقف المشهودة لوصفي التل زياراته المتكررة لجميع المدن والقرى والمخيمات في المملكة حيث كان يعمد كل اسبوع الى زيارة مدينة وعدة قرى اردنية للاطلاع على اوضاع المواطنين والعمل على حل المشاكل التي تواجههم ميدانياً وبدون الرجوع الى ما يسمى لجان العمل.
وصفي التل كان صاحب فكر قومي متحرر وكان يشارك في جميع الندوات والمؤتمرات التي تعقد في العديد من دول العالم نصرة للقضية الفلسطينية وكان يردد على الدوام ان افضل وسيلة لمقارعة العدو الاسرائيلي هي المقاومة الشعبية بسبب ما حصلت عليه اسرائيل من اسلحة ومعدات حربية متطورة من الدول الغربية فاقت في حجمها وتاثيرها جميع الدول العربية مجتمعة.
وقد اثبتت الاحداث ان المقاومة الشعبية هي الوسيلة الانجع والانجح لمقارعة العدو الاسرائيلي وهذا ما لمسه الجميع في انتفاضتي الحجارة الاولى والثانية في الضفة الغربية وقطاع غزة وهو ما تأكد فعلياً مؤخراً وبصورة جلية واضحة حيث احرزت المقاومة الاسلامية انتصارات جلية وواضحة على العدو الاسرائيلي وبخاصة في قطاع غزة.
واستذكر هنا بحكم عملي في الصحافة والاعلام ما صرح به رئيس وزراء الكيان الاسرائيلي السيئ الذكر المدعو اسحق "شامير حين" سئل عن الشخصية العربية التي كانت تهدد الكيان الاسرائيلي حيث قال بالحرف الواحد: "كان وصفي التل هو الشخصية العربية الاخطر على اسرائيل لانه كان يدعو دوماً الى اعتماد المقاومة الشعبية ضد اسرائيل".
ان وصفي التل شكل حكايةٍ أردنية رائدة واضحى اليوم مثالاً للسيرة الحسنة التي لا تزول مع تقادم الزمان ... ان ملامح سيرة وصفي الذي بادل الوطن والقيادة وفاءً بوفاء..
لقد كان وصفي التل درة في جبين الوطن وأحد جنوده البواسل الذين خدموه بشرف مع القائد الموحوم الملك حسين بن طلال وبقية الشرفاء أمثال هزاع المجالي ومصطفى خليفة وحابس المجالي وقاسم المعايطة وابراهيم هاشم وتوفيق ابو الهدى وبهجت التلهوني وعمران المعايطة وكاسب الصفوق وأحمد طوقان وأنور الخطيب وغيرهم من رجالات الوطن الشرفاء الذين قدموا ارواحهم خدمة للوطن واهله.