بلاد خضراء جميلة جدا، وطقس رائع، وشعب طيّب وأصيل وكريم، عندما تجتمع هذه العناصر كلها فأنت تتحدث عن المملكة المغربية، وما أروعها من بلد، فالحجر فيها والبشر يتحدثون عن عراقة وجذور ضاربة في التاريخ. يأتيك الانطباع الأول عن هذا البلد الطيب –كأردنيّ- من حسن المعاملة التي تتلقاها من سفارة بلادهم في عمّان، حيث الترحيب والخدمة والسرعة.
وبوصولك إلى العاصمة السياسية الرِّباط، التي تقع على ساحل المحيط الأطلسي، تدرك تميّز هذه المدينة بفنها المعماري، وتشتم منها عصر المرابطين الذين بنوا فيها رباطا محصنا، ثم عصر الموحّدين الذين سمّوها رباط الفتح في أواسط القرن الثاني عشر الميلادي، حيث جعلها عبد المؤمن الموحّدي قصبة لحماية جيوشه التي كان يوجهها إلى الأندلس، فهي رباط المجاهدين في سبيل الله تعالى، الذين رفعوا راية الإسلام في أوروبا خفاقة عالية.
ومن أجمل ما تلاحظه في هذه العاصمة الجميلة كثرة الأشجار، وكأنك تمشي في جنة خضراء، وهذا بسبب القوانين التي تنظم عملية البناء، وتحد من تقليص المساحة الخضراء للعاصمة، ليكون المنظر جميلا، والهواء عليلا. وإذا أضفنا إلى ذلك ندرة الازدحامات المرورية، سنعلم أن سهولة التنقل والحركة من ميّزات هذه المدينة.
ما أجمل نهر (أبي رقراق) وهو يفصل بين مدينة الرباط، ومدينة سلا، المدينة القديمة ذات الكثافة السكانية العالية، وبالقرب من هذا النهر ترى بقايا مسجد حسّان الذي بناه الموحّدي يعقوب المنصور شكرا لله أن نصره على أعدائه في جهاده ضدهم سنة 593هـ، وللمسجد صومعة عظيمة (مئذنة) تعرف بصومعة حسّان، التي أضافتها (اليونسكو) إلى قائمة التراث العالمي سنة 1995م. ويعتقد أن هذا المسجد كان الأكبر في العالم في ذلك الوقت حيص بلغ طوله 180 مترا، وعرضه 140 مترا، وليس ذلك للمباهاة، بل لأن يعقوب المنصور كان يستقبل فيه أيام الجُمَع آلاف المقاتلين الذين يوجّههم للجهاد في سبيل الله، وكانت سعة المسجد تزيد على عشرين ألف مصل. ولكنّه تهدّم في زلزال لشبونة الذي ضرب الرباط سنة 1755م، ولم يبق منه إلا الأعمدة التي تم ترميمها لتكون بجانب الصومعة خير شاهدين على تلك الحقبة من الزمن. والجميل أن لهذه الصومعة (المئذنة) شقيقتان تلتقي جميعها على استقامة واحدة، الأولى في مسجد الكُتْبِيّة بمرّاكش، والثانية الخيرالدا بإشبيلية.
وبالقرب من هذا المسجد العظيم يقع ضريح الملك محمد الخامس (ت:1961م)، الذي كان مؤيِّدا للحركة الوطنية المغربية ضد سلطات الحماية الفرنسية، التي قامت بنفيه لمدة عامين إلى مدغشقر (1953-1955م) ثم عاد إلى ملكه ووطنه بعد ضغط شعبي كبير. فقام باستدعاء الشيخ عبد الباسط عبد الصمد ليستمع لقراءته للقرآن الكريم، إذ كان من المحبين لصوته العذب، وبعد عودته بشهور، تم إعلان استقلال المملكة الغربية. وضريحه غاية في الفخامة، ويحمل الطراز المعماري المتميز للمغرب، وقد طلب الملك الحسن الثاني أن يتم إنشاء هذا الضريح ليكون علامة مميزة لشخصية والده المميزة، وقد دفن الملك الحسن الثاني بجانب والده.
يمكنك أن ترى الأسطح الهرمية في عمارة المساجد في المغرب، وذلك للتغلب على الهطول الكثيف للأمطار، كما تتميز بالقرميد الأخضر، الذي يضفي عليها جانبا جماليا مميزا، وتجتمع المساجد في محافظتها على خصوصية المعمار التي تحمل تاريخ المملكة المغربية.
ومن ألطف ما تلاحظه أن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية تقع بجانب قصر جلالة الملك محمد السادس، وفي هذا دلالة واضحة إلى أهميتها، وأهمية الشأن الديني في المملكة التي تعتبر المذهب المالكي، والعقيدة الأشعرية جزءا من هويتها الوطنية.
الدستور