هكذا أجاب الفيلسوف الروسي المعاصر/الكسندر دوغين, في مقالة له على موقع geopolitika.ru الروسي قبل يومين. مُعتبراً ان هناك عدة مستويات من عدم اليقين/الغموض, في النظام العالمي المُعاصر. مُعدّداً ثلاثة مستويات شارحا إياها وفق الترتيب التالي (على ما ترجمها صديقنا د. زياد الزبيدي).
** المستوى الأول: عدم اليقين بشأن مرحلة الانتقال, من «أحادية» القطب إلى «التعددية القطبية». ثم لا يلبث ان يتساءلَ ما إذا كان من المستحيل, أن نقول بشكل لا لبس فيه, هل نحن بالفعل في مرحلة تعدّد الأقطاب؟ أم ما زلنا في أحادية القطب؟. مُستعيداً إجابة/أسماها مشكلة «هايدغر» الفلسفية الشهيرة: «ليس بعد».. حادة. ثم مضى مُتابعاً بالقول: إن التعددية القطبية في صعود، والأحادية القطبية في انحدار، لكن عذابها/الأحادية يمكن أن يكون قاتلاً. موظفا المشهد او دالّاً عليه بما تُظهِره, أحدث الهجمات اليائسة والناجحة, في بعض الأما?ن من قبل العولَمِيين ضد روسيا ــ أوكرانيا وجورجيا ومولدوفا ورومانيا وسوريا ــ أنه «لا» يمكن تجاهل الأحادية القطبية. مُردفاً إن «تِنين العولمة» مصاب بجروح قاتلة، لكنه ما يزال حياً.
** اما المستوى/ الغموض الثاني فقد رأى دوغين انه يكمن في «الوصف النظري» للتعددية القطبية. مُتسائلاًً: ما هو القطب؟ هل هو دولة ذات سيادة (كما في نظام ويستفاليا والواقعية الكلاسيكية)؟ أم هو حضارة؟ مُستطرِداً: لكن ما هو الوضع السياسي لمثل هذا المفهوم «الثقافي الديني»؟. ثم يُجيب: إن أفضل إجابة قدمها المتخصص الصيني في قسم العلاقات الدولية/ تشانج ويوي، الذي قدّم مفهوم الدولة-الحضارة. ويستخدم الرئيس بوتين ووزير خارجية الاتحاد الروسي لافروف هذا المفهوم بالذات. إن الدولة ــ الحضارة, هي حضارة (بنظام مُتطور من القيم ا?تقليدية وهوية مشرقة)، منظمة كـ«دولة عظمى، حيث تنجذب مجموعات من الشعوب والدول, التي تتقاسم نموذجاً حضارياً مُشتركاً». ولكن اليوم ــ تحت مصطلح «القطب» أو «المركز» (في حالة التعددية المركزية) ــ يفهم الجميع شيئًا مُختلفًا. الدول البسيطة (الكبيرة والمُستقلة)، والحضارات (غير المُتكاملة سياسيًا)، والدول ــ الحضارات في الواقع.
هناك ــ يلفِت دوغين ــ أربع دول ــ حضارات مُكتملة حتى الآن هي:
ــ الغرب الجماعي (حلف شمال الأطلسي-الأرض)،
ــ روسيا،
ــ الصين،
ـ الهند.
كما ان هناك المزيد من الحضارات ــ عدا الحضارات الأربع المذكورة أعلاه ــ إذ هناك أيضا الحضارات «الإسلامية والإفريقية وأميركا اللاتينية». ولم تندمج هذه الحضارات «بَعد» في دولة عظمى.
** في حين يأتي المستوى «الثالث", مُثيراً ومَفتوحاً في الآن ذاته، إذ يقول فيلسوفنا: الغموض الثالث هو «ترامب واستراتيجيته». فترامب ليس مُستعدا لقبول التعددية القطبية؛ فهو ــ يُضيف ــ من أنصار الهيمنة الأميركية. ولكنه يرى الأمر بشكل مختلف جذريا عن العولَمِيّين الذين كانوا في السلطة في الولايات المتحدة, على مدى العقود العديدة الماضية (لا يهم ــ يلفت دوغين ــ ما إذا كانوا ديمقراطيين أو جمهوريين).
إن العولمِيّين ـ تابعَ ـ يُحددون الهيمنة العسكرية والسياسية والتفوّق الاقتصادي, والأيديولوجية الليبرالية القائمة على فرض القِيم المناهضة للتقاليد على الجميع (بما في ذلك الولايات المتحدة). وهنا لا تعني الهيمنة هيمنة دولة، بل «هيمنة نظام ليبرالي آيديولوجي دولي». إن ترامب - اردفَ دوغين - مُقتنع بأن المصالح الوطنية للولايات المتحدة, يجب أن تكون في المقدمة، وبدعم من القِيم الأميركية التقليدية. بعبارة أخرى ــ استطردَ ــ نحن نتعامل مع هيمنة يمينية محافظة، معارضة أيديولوجيًا للهيمنة اليسارية الليبرالية (كلينتون، و?وش الابن المحافظ، وأوباما، وبايدن).
ثم يخلُص دوغين الى نتيجة مفادها: انه «من المُستحيل» حتى الآن, أن نقول ما الذي ستُسفر عنه «الترامبية» في العلاقات الدولية. مُتوقِعاً انه يمكنها أن «تُساهِم بشكل موضوعي في تسريع التعددية القطبية»، لكنها ــ يُحذِّر ــ يمكن أن تُبطئها أيضًا. في عام 2025 ــ يدعو الى انهم سيتعاملون, «مع جميع حالات عدم اليقين الثلاثة» في نفس الوقت. وبالتالي، يجدر بنا أن نُعطي مصطلح «عدم اليقين» (أي الغموض) نفسه, مكانة «مفهوم مُستقل ومُتعدد المعاني»، وهو ــ بالتالي ــ في كثير من النواحي, مفتاح «الفهم الصحيح للعمليات العالمية».
* استدراك:
دوغين: الوضع في سوريا «ضرّبة لنا» وللشرق الأوسط
«ليس هناك ما يدعو إلى الذعر أو الاكتئاب بشأن ما حدث في سوريا، لكنه بالتأكيد «ضربة لنا», ولـ«دولة حليفة لنا وللوضع في الشرق الأوسط ككل». قال الفيلسوف ألكسندر دوغين على الهواء, في «برنامجه» الخاص على إذاعة سبوتنيك الروسية. الواقع ــ أضافَ دوغين وفق ترجمة د. الزبيدي ــ الواقع أن نظام الأسد، الذي بذلنا جهوداً هائلة من أجل دعمه وحاولنا الحفاظ عليه، ومنع وقوع مذبحة، ومنع إندلاع حرب أهلية في سوريا، ومنع تقسيم البلاد، ومنع القوى المتطرفة من الوصول إلى السلطة، (كلُ هذا ينهار في غضون أيام قليلة. ولا يُمكن أن نطلِق ع?ى هذا انتصاراً أو حدَثاً غير ذي بال.ختمَ دوغين).،