مدار الساعة - تتفاوت خطورة عمليات السرقة بحسب أهمية المسروقات، فبطبيعة الحال كلما زادت قيمة المسروقات كلما لفتت القضية أنظار عددا أكبر من الناس واستحوذت على اهتمام درجات أعلى من المسؤولين، لكن لو كان المسروق جائزة عالمية فسيضاف إلى خطورة القضية بعد آخر.
عرف التاريخ الحديث العديد من وقائع سرقة لجوائز عالمية يفترض أنها كانت محاطة بأعلى درجات التأمين، وعلى اختلاف ملابسات كل واقعة، إلا أن جميعها تشابه في جذب انتباه الجمهور وإثارة دهشة الرأي العام، تلك الدوافع التي جاءت كمحرك أساسي في كثير من الأحيان لتنفيذ هذه الجرائم الاستثنائية.
سرقة نوبل للرياضيات
نبدأ من أحدث تلك السرقات والتي وقعت مطلع شهر أغسطس/ آب الجاري، حين أعلن عن سرقة وسام فيلدز، والذي يطلق عليه أحيانا "جائزة نوبل في الرياضيات"، واستطاع السارق أن ينفذ خطته بعد دقائق من تسلمه الفائز لجائزته في حفل أقيم في مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية.
جائزة فيلدز، التي تمنح كل أربع سنوات، فاز بها هذا العام كوجر بيركار، وهو لاجئ كردي من أصل إيراني، حاصل على الجنسية البريطانية ويعمل محاضرا في جامعة كامبريدج. بعد أن تسلم بيركار الوسام الذهبي والذي تبلغ قيمته نحو أربعة آلاف دولار، وضعه في حقيبته، ولم يلبث دقائق بعدها حتى اكتشف أنها سرقت بما فيها، بحسب رواية منظمو حفل تسليم الجائزة.
لحسن الحظ عثر رجال الأمن على الحقيبة خاوية في جناح قريب من موقع السرقة، وبعد أن راجعت الشرطة أشرطة المراقبة الأمنية، نجحت في تحديد هوية اثنين اشتبهت في قيامهم بالجريمة.
اختلط شعور الإحراج بالأسف لدى المسؤولين عن تنظيم الحفل، وأعربوا عن ذلك في بيان رسمي أصدروه في أعقاب السرقة قالوا فيه:
يأسف المؤتمر الدولي لعلماء الرياضيات بشدة لاختفاء حقيبة عالم الرياضيات كوجر بيركار التي كانت تحوي وسام فيلدز الذي تسلمه في الحفل صباح اليوم.
وصرح كريس مارينلو، الخبير في الجرائم الدولية، لصحيفة نيويورك تايمز بأن سارق هذه الجائزة ربما لا يلقي بالا إلى قيمتها الحقيقية، واصفا هذا الحادث بـ"المثير للشفقة"، فقيمة ما تحتوية هذه الميدالية من الذهب لا يقارن بما تمثله الجائزة من قيمة معنوية لصاحبها، ما قد يستبعد أن يكون الربح المادي الهدف الأساسي من وراء تلك السرقة.
سرقة كأس العالم
ولم تنج أحد أشهر الجوائز الرياضية العالمية من السرقة، ففي عام 1966 سرقت كأس العالم لكرة القدم، وتم توجيه الاتهامات في هذه الجريمة لأحد أفراد العصابات في لندن ويدعى سيدني كوغلر وشقيقه ريغ، واللذان نجحا في سرقة الكأس، والتي أطلق عليها في ذاك العام كأس جولية ريمية، وهو رئيس الفيفا في الفترة ما بين 1921 و1954.
وتسببت واقعة السرقة هذه في بدء أكبر عملية تحقيق شهدها مقر الشرطة البريطانية "سكوتلاند يارد"، ولحسن الحظ عثر على الكأس الذهبية بعد سبعة أيام من السرقة بفضل كلب يدعى بيكليز في حديقة منزل جنوب لندن، لكن لم يتم التحقق من مرتكب جريمة السرقة، ولم يتم الجزم أن السارق هو سيدني كوغلر، حتى وقت قريب
ظلت هذه السرقة لغزا طيلة عقود، حتى العام الجاري 2018 وتحديدا شهر مايو/ أيار، عندما صرح غاري نجل ريغ كوغلر، لصحيفة "دايلي ميرور" البريطانية بأن عمه سيدني هو بالفعل من سرق كأس العالم عام 1966، لكن برر فعلة عمه بانها كانت بدافع الشعور بالإثارة وليس من أجل المال، واعترف غاري بأن والده كان أيضًا متواجدا في المكان الذي سرقت منه الكأس لكنه لم يشارك شقيقه فعلته ولم يره من الأساس وهو يفعل ذلك.
أوضح غاري أن عمه سيدني سرق الكأس أثناء عرضها في المعرض العام بقاعة الميثودية المركزية في وستمنستر بوسط لندن، وخبأها في معطفه، حتى خرج هو وشقيقه، وفجأة فتح سيدني جانب المعطف ليفاجئ شقيقه بأن بحوذته النسخة الحقيقية من كأس العالم.
وبرهن غاري على أن الدافع وراء سرقة عمه للكأس لم يكن المال بأنه تخلص منه في أعقاب نجاح عملية السرقة بإلقائه في حديقة، فلو أن له أغراض أخرى من وراء السرقة لعمد إلى الاستفادة منها بطريقة أو بأخرى، وبعد أيام من السرقة تمت استعادة الكأس الغالية، وفاز بها في ذاك العام منتخب إنجلترا الذي رفع الكأس في ملعب ويمبلي.
سرقة أوسكار أفضل ممثلة
ويبدو أن 2018 هو عام سرقة الجوائز العالمية ففي شهر مارس/ آذار الماضي، شهد حفل توزيع جوائز الأوسكار بمدينة لوس أنجلوس الأمريكية حادث سرقة جائزة أفضل ممثلة، والتي فازت بها النجمة العالمية فرانسيس مكدورماند، البالغة من العمر 60 عاما، عن دورها في فيلم Three Billboards Outside Ebbing, Missouri"".
بعد أن تسلمت فرانسيس جائزتها ووضعتها إلى جانبها أثناء الحفل الذي أعقب توزيع الجوائز، فتسلل أحد الحضور ونجح في سرقة تمثال الأوسكار الخاص بماكدورماند، لتصدم بهذه المفاجئة غير السارة والتي كدرت عليها صفو حصولها على الجائزة واحتفالها بذلك.
ونجحت شرطة لوس أنجلوس في القبض على رجل يدعى تييري براينت، يبلغ من العمر 47 عاما، وجهت له تهمة سرقة الأوسكار الخاص بالفنانة مكدورماند، لكن الشرطة لم تبذل الكثير من المجهود للإيقاع بالمجرم فقد قدم هو بنفسه فرصة عظيمة لرجال الأمن لفضح أمره.
نشر براينت مقطع فيديو له على موقع فيسبوك، ظهر فيه ممسكا بتمثال الأوسكار المسروق وقد بدت عليه علامات البهجة وهو يقول "لقد حصلت على جائزة الأوسكار في مجال الموسيقى"، ويشار هنا إلى أن براينت يصف نفسه مواقع التواصل الاجتماعي بالممثل ومنتج الأفلام بل وسفير النوايا الحسنة في الأمم المتحدة.
ولحسن الحظ عاد تمثال الأوسكار المسروق إلى ماكدورماند بعد أن ظل في حوذة السارق لمدة ساعات قليلة فقط، حسبما أكد مدير أعمال الفنانة، فيما تم إيداع المتهم السجن، وتقرر إطلاق سراحه مقابل 20 ألف دولار.
هكذا نلاحظ وجود قاسم مشترك بين حالات سرقات الجوائز العالمية التي ذكرناها، وهي أن الدوافع المادية لم تكن في مقدمة أولويات السارق عندما فكر في جريمته، فإما أن تكون القيمة المادية للجائزة ليست بالضخامة التي تجعل المجرم يغامر بحريته من أجلها، كما في الواقعة الأولى، أو أن يكون دافعه إلى سرقة جائزة هامة لفت الانتباه له والشعور بالإثارة أو حتى التفاخر أمام متابعيه على صفحات التواصل الاجتماعي.