أخبار الأردن اقتصاديات مغاربيات خليجيات دوليات وفيات جامعات برلمانيات رياضة أحزاب وظائف للأردنيين مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس تبليغات قضائية جاهات واعراس الموقف شهادة مناسبات مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

الإعلام بين فضاءَيْن

مدار الساعة,مقالات,مكافحة الفساد,مواقع التواصل الاجتماعي
مدار الساعة ـ
حجم الخط

رغم مرور سنوات على ظهور الإعلام الإلكتروني وقرون على الإعلام الورقي، إلا أن الأردن لم يتمكن بعد من تحديد إطار لمفهوم الإعلام الخلاق، ولم تنجح الدولة حتى الآن في التعبير عن نفسها أو عن فلسفتها إعلاميًّا كما يجب، أو إنضاج فكرة إشراك أطراف المعادلة المجتمعية والنخب في صنع الحدث الإعلامي.

وقد أصبح من المفروض علينا في هذا الوقت أن نكون أكثر يقظة في التعاطي مع الأحداث ومواجهة المواقف؛ لنساند الحكومة الشعبية التي جاءت بالقرار الملكي السامي لتمنح الدكتور عمر الرزَّاز ثقة الشعب والقيادة، فكان مجيئها باجتماع الإرادات وتوافق التطلُّـعات، ولدولة الرئيس سبقٌ في الاقتراب من أبناء الشعب الأردني وملامسة احتياجاته بالتواصل الإلكتروني معهم، وقد أثمرت هذه الوسيلة نتائج عملية آتت أُكُـلَها في ما يجب وما يستحق.

إن موجات العصف الإخباري من مختلف القنوات والمواقع في قضايا لها تماس مباشر مع حياة المواطنين؛ كقضايا مكافحة الفساد، والتهرب الضريبي، وتصاعد حدة الفقر والبطالة، ومشروع النهضة الوطني، وبرامج التصحيح الاقتصادي والسياسي، وضعت نفسها كأولويات في المعركة الإعلامية التي أصبحت أشدَّ ضراوة وأكثر تأثيراً؛ لأنها تتصل بالناس مباشرة في كل لحظة وآن، وتخترق الحواجز والموانع، لتنفـذَ إلى العقول والأفئدة والنفوس، وقد زاد تأثير الإعلام المعاصر مع ظهور شبكة الإنترنت، وتضاعف مع بروز منصات التواصل الاجتماعي، التي فتحت الباب أمام الإعلام غير التقليدي، مما يحتم علينا تجديد الخطاب الثقافي والتربوي، وتطهيره من الأفكار المتخلفة وكل ما من شأنه هدم استقرار الأوطان، وتجديد الخطاب الديني، وإحلال مفاهيم الوسطية والاعتدال والتسامح والموافقة للصحيح من الدين الحنيف، وتسخير الخطاب الإعلامي للصالح العام ولخدمة الخير والاستقرار، والتحلي بالمهنية الأخلاقية وحس المسؤولية وروح الإعلام الإيجابي الهادف.

وفي الوقت الذي يجهد فيه أفراد وجهات خارجية وداخلية مجهولة ومعروفة إلى محاربة الرموز والنجاحات بذرائع ماكرة وخبيثة، عبر ملامسة العواطف مع عدو وهمي مفترض لتقويض الاستقرار والوئام في الأوقات الحرجة والحساسة من عمر الدولة، ولذلك كان يفترض أن تجهد الدولة في إنجاز قرار استراتيجي بتفعيل حوار وطني حقيقي ومنتج وجمعي يقود لاستدراك المشهد ثم الخوض في التفاصيل بدلاً من الاسترسال في فرض الشعار والتفاصيل والرؤية الأحادية، وهذا يعني عملياً أن الإعلام لم ينطلق كما يجب، مما يؤشر إلى أن القراءة لفلسفة الإعلام لم تنجز بعد، ونحن على أعتاب مرحلة المشروع النهضوي الوطني الجديد وصياغة مشهد العقد الاجتماعي القائم على فلسفة الدولة الوطنية وثوابتها الدستور والتشريعات الناظمة لحياة سياسية تنسجم ونموذج الوطن المنتمي لقيادته، والناهل من معين العلم والمعرفة والحداثة والأصالة والمعاصرة.

ونحن حين نتحدث عن الإعلام فلا بد لنا من استعراض دوره بشكل عام، بعد أن أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي جزءًا منه ومؤثرًا في سيكولوجيا المجتمع؛ إذ يحتل الإعلام بمختلف أشكاله ووسائله مكانة مهمة في برامج العمل لكل المؤسسات، فهو يدرس مجموعة الأنشطة والفعاليات التي يزاولها القائمون بالعملية الاتصالية من أجل تحقيق أهداف محددة تهمهم على المستوى الذاتي، وينصبُّ جوهر الاتصال في إحداث التأثير وتغيير الآراء والقناعات لدى الجمهور المستقبل باتجاه محدد، وهو ما يريده القائمون على العملية الاتصالية، وعلى أساس أن الحملات الإعلامية تعد جوهر الاتصال، ويلاحظ أن الحكومة أطلقت مواقع لها على تويتر وفيس بوك وهي مبادرة تحسب لها، ولكن هل المادة التي تُحَمَّلُ على هذه القنوات مناسبة لها ومُوَجَّهة للرأي العام؟ ولاسيَّما أننا في وقت اختلط فيه الحابل بالنابل وانتشرت الوثائق والأخبار انتشار النار في الهشيم دون التدقيق أو التيقن من صحة محتوياتها، مما أثقل المشهد الإعلامي بصور تربك المواقف وتؤثر في اتخاذ القرارات المناسبة، وتؤدي إلى مزيد من الإرباك بدلاً من جلاء الصورة؟

وبين يدينا تجربة أردنية نحو التغيير والإصلاح والتحديث والتطوير، تنمو بشكل تدريجي، وهي تجربة في الواقع العملي تشكل رأس المال الحقيقي الذي نعرضه على الآخرين في العالم وفي المنطقة، وهذا العرض هو بصراحة وببساطة محور دورنا الإقليمي، وموقعنا على خارطة العالم في المستقبل، والمقصود أننا بحاجة مُـلِحَّة لتطوير تجربتنا ليس من باب الترف الفكري، بل تعبيراً عن حاجة اجتماعية واقتصادية وإقليمية إن لم تكن سياسية، فكيف يجب أن يعبر إعلامنا عن هذه القضية.

ببساطة الوقت يدركنا ولا مجال أمامنا في الأردن لما يُـدعى بالترف، ومن هنا أقول بأن التغيير ليس مجرد شعار، بل هو منهاج عمل وحياة هدفه الأول والنهائي الحفاظ على أنفسنا وحماية مصالحنا في كل اتجاه، والمطلوب لإدارة الإعلام خطة عمل منهجية في كل الاتجاهات، فكل ما يمكن أن يخدم مسيرتنا يمكن استنساخه في إطار مشروع تطوير النموذج الذي هو مشروع وطني إستراتيجي، وليس مجرد مشروع حكومة.

إن الدور الذي يجب أن يلعبه الإعلام هو توفير الأرضية الملائمة جماهيرياً لقرارات الحكومة؛ من خلال التواصل المباشر مع الفعاليات وفتح حوارات منتجة معها عبر كل الوسائل، والاستعانة بذوي الخبرة، فحاجتنا للقيادة قائمة في الوزارات والمؤسسات والهيئات، ونحتاج لتكوين القيادات ودعم ذوي المهارات المميزة وإعطائهم الفرص للقيادة؛ لتكوين المستقبل الذي نحلم به.

ومن المُجدي أن نذكر هنا ملاحظة غريبة نلاحظها اليوم، وهي أن الأشخاص المختارين لمناصب تؤثر في الاستراتيجية العليا يأتون من مواقع وخلفيات لا تدعمها قدرات قيادية أو تجارب ناجحة في التحفيز وتحقيق النتائج من خلال التأثير في العاملين. بل إن بعضهم لا يكون قد حصل على أي نوع من التأهيل القيادي الفعلي، ولا أبالغ إن قلت إن الكثير من المسؤولين قد يأتون من خلفية أكاديمية في مجال عمل الهيئة أو المؤسسة، لكن دون أي خبرة إدارية تساهم في تعزيز المؤهل الذي يحمله المسؤول.

وللتفصيل أكثر فإن الإعلام جزء لا يتجزأ من حراك الإدارة العامة الذي تخلَّى عن أدواره المفترضة في صياغة رؤى علمية مستقبلية للأمور؛ ليمارس اصطفافاً مع هذه الجهة أو تلك تبعاً للتوجيه وبعيداً عن فكرة الإعلام الحر الذي يشكل المشهد بشكل خلَّاق في صنعة حرفية فكرية تساعد متخذ القرار في الحصول على أفكار جديدة تساعده في رسم الإطار التحديثي المطلوب والدخول إلى تفاصيل المشهد بدعم شعبي مؤسسي.

والإعلام الذي نطرحه هنا؛ أي الإعلام المُوَجَّه، ليس المقصود منه أن الإعلام السائد عالمياً إعلام حر بالمطلق، ولكن المشكلة أن تطبيقنا لأي فكرة على الأغلب تطبيقٌ مُـشَـوَّهٌ لا يمتُّ للنموذج الأصلي بأي علاقة، فواقع الحال يقول لنا إنه لا يوجد في أي بلد في العالم مهما كان متقدمًا إعلام حُر، ونحن نريد الشكلين معاً؛ أي الإعلام المُوَجَّه القبلي والمُصاحِب لأي مشروع تطويري، والإعلام الحر الذي يسمح بتحريك المياه الراكدة لاستجلاب الأفكار لا إعلام ردات الفعل البائسة التي تلهث خلف قرار المسؤول ولا تكاد تلحقه، فيتجاوزها ليشكل نموذج الفرد بعيداً عن نموذج المؤسسة المطلوب.

تكمن أهمية الإعلام الموجه القبلي في أن الساحة السياسية تحفل بالأيديولوجيات والأفكار والأجندات، ولذلك فالأصل أن يبدأ إعلامنا المُوَجَّه من هذه النقطة في التمهيد لأي فكرة؛ بالتحشيد والتنظير والتحريض بإطارها العام بلغة الشارع بمؤسساته المتعددة؛ لتشكيل تيار جارف ينتظر تفاصيل الفكرة للوقوف خلفها، وهنا يكون الإعلام الحر بطلب رأي الشارع في الفكرة التوافقية لاستجلاب أوراق العمل حولها من مختلف قطاعات الشعب، وتسليم هذه الأفكار المكتوبة والمنشورة للجان الخبرات على شاكلة مركز راند لصياغة الفكرة الرئيسة لرائد الفكرة وهو بالضرورة رأس المؤسسة.

إن ما نريده الآن إعلاماً حقيقياً ينشر رسالة التسامح ويعمق ثقافة الحوار، ويقود إلى بناء الشخصية القيادية، ويجـود المنتج البشري، لا إعلام صياغة الخبر التقريري والخطاب التقليدي الذي صنع لنا شخصيات منحرفة في الفكر وفي الدين، ومتطرفين في اليمين، ومتطرفين في اليسار! وبالمقابل تخلَّـف الإعلام عن دوره لمواجهة هذا الموقف، على الرغم من أنَّ الإعلام ترتقي به الشعوب والأوطان، ولا نُسَـوِّقُ هنا للإعلام المُوَجَّه على حساب الإعلام الحر المنضبط، ولكن أقول إنه ليس هناك إعلام حر مطلق، ولا يعني الأخذ بالإعلام الحر عدم الاستعانة بالإعلام المُوَجَّه بطريقة خلاقة وقت الحاجة؛ أي عملية مُزاوَجَة تخدم الفكرة، وبخاصة ونحن نعيش عالم الفضاءات وتضييق المسافات بين البلدان والقارات والقيم، ممَّا يقودني حكماً إلى فضاء مواقع التواصل الاجتماعي، وهي منبر تقول فيه ما تشاء من وجهة نظر البعض، وهذا ليس صحيحاً، بل منبر يجب أن يعمل لمصلحة وطنه بكل ما أوتي من إمكانات، فالفرد مُتغيِّر تحكمه مصالحه الخاصة، والوطن ثابت تحكمه مصالحه العامة العليا، ليكون الحل في دور للإعلام الوطني في فضاء شبكات التواصل كنموذج من الإعلام الحر المطلق نسبياً وليس المُقـيَّد.

إن خطورة هذا النوع من الإعلام تكمن في أنه قد تم استغلاله بشكل كبير للتحريض على الفتنة المذهبية والطائفية، وترويج المخدرات، والتخلُّـف، وتناول أعراض الناس، والحديث في تفاصيل كثيرة تطول في غير محلها وتتفرع لما هو أبعد عن مركزها الأساسي؛ كما حدث في قضية التبغ التي ضرب صيتها في أرجاء المجتمع المختلفة، لذلك يطالب الجميع بتقييد هذا النوع من الإعلام الجديد الحر المطلق، وهذا ليس ممكناً عملياً، فالحل في استخدامه على الوجه الأمثل وبشكل يومي، وهذه ظاهرة حقيقية ومنتشرة بشدة في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، ويكفي لندلل على ذلك أن الرئيس الأمريكي ترامب يغرد على تويتر مرات عديدة يومياً، مما كان كافياً لاستجلاب ملايين المؤيدين لفِـكره، فللإعلام دور لا يُستهان به، ولاسيَّما في الوقت الراهن.

ولذلك فلا ضير في أن يؤدي إعلامنا دوراً محورياً في غرس الوعي الفردي والجماعي، والتحلي باليقظة والتفكير النقدي، واستـقاء المعلومات من المصادر الأمينة الموثوقة، والحذر من الأكاذيب والإشاعات، وعدم التعرض للمؤثرات السلبية ولو بقصد التسلية، فالوقاية خير من العلاج.

مدار الساعة ـ