أخبار الأردن اقتصاديات مغاربيات خليجيات دوليات جامعات وفيات برلمانيات وظائف للأردنيين أحزاب رياضة مقالات أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مختارة مستثمرون جاهات واعراس الموقف شهادة مناسبات مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

سير بطولات الجيش العربي الأردني على أرض فلسطين


د.محمد يونس العبادي
كاتب وأكاديمي أردني

سير بطولات الجيش العربي الأردني على أرض فلسطين

د.محمد يونس العبادي
د.محمد يونس العبادي
كاتب وأكاديمي أردني
مدار الساعة (الرأي الأردنية) ـ
ونحن اليوم في خضم ما يجري في فلسطين، ومن عدوان على غزة، وما يقوم به اردننا من أدوار فإننا على يقين بأننا أصحاب دور موصول لأجل فلسطين وقضيتها.
ودورنا الحاضر بقيادة الملك عبدالله الثاني، هو جزء من سيرة موصولة بذلت وما تزال مستعدة لمزيد من البذل لأجل فلسطين.
واليوم، نستحضر واحدة من معارك عدة خاضها الجيش العربي وهي معركة قلقيلة، وروايتها، شاهدة على عزم جيشِ بذل لأجل فلسطين الدماء، ومن قصص البطولة نقرأ، جوانب وأحداث هذه المعركة، والتي يروى أن أحداثها وقعت قبل بليلة حيث كان جلالة الملك حسين (طيب الله ثراه) في زيارة لبعض مواقع الفرقة الأولى وبعض مواقع الحرس الوطني، في تشرين الثاني عام 1956م.
وتواترت المعلومات عن حشود للجيش الإسرائيلي مواجهة لمدينة قلقيلية، تناهت إلى مسامع الملك خلال جولته، وكان يصر على التقدم للخطوط الأمامية، إلا أن رجاء علي أبونوار له أن يعود إلى عمان تواصلت ونجحت في اقناعه بعدم التقدم.
وأصر جلالة الملك على البقاء والذهاب الى القيادة، والتي وصلها مع علي أبونوار، لاستقصاء الاخبار التي كانت تصل بطيئة، إذ انقطع الخط التليفوني في الحادية عشرة ليلاً، وصار ايصال اجهزة اللأسلكي مشوشاً لا يفهم من الحديث الا بضع كلمات فأدركوا ان الاشتباك قد ابتدأ.
وحين عاد الاتصال اللاسلكي، تبين ان القوات المهاجمة تقدر بكتيبة من المشاة وسريتين من الدبابات واسناد مدفعية، وان الحرس الوطني يقاتل دفاعاً عن مواقعه في مدينة قلقيلية ومخفر البوليس وتلة تقع جنوب شرق قلقيلية.
وكانت أوامر الحسين أن تتحرك الكتيبة التاسعة والقريبة جداً من المدينة لاقتحام المعركة فوراً، وصدر أمر الى كتيبة من المدرعات أن تلحق بها وتحمي مؤخرتها ثم مساندتها عند الفجر على أن تتحرك المدرعات سرية بعد أخرى.
كانت الساعة قد تجاوزت الثانية والنصف صباحاً فانقطعت الاتصالات مرة أخرى، فقرر قائد الجيش علي ابو نوار الذهاب بنفسه للأشراف على المعركة، فيما يصر الملك حسين ان يكون في منطقة القتال مع ضباطه وجنوده وابو نوار لا يقبل بتعريض جلالته للخطر في منطقة القتال.
وبعد رجاء طويل قبل جلالة الملك ان يعود إلى عمان وعندما وصل ابو نوار قيادة المنطقة العسكرية في نابلس، فيما كان جنودنا البواسل، يطاردون بالنار الجنود الاسرائيلين الى الجنوب الغربي من صوفين.
سأل ابو نوار قائد السرية عن قائد الكتيبة القائد سلامة عتيق والذي صار يقاتل مع قيادة الكتيبة والسواقين وجنود الاشارة فئة يهودية تمركزت على تله صوفين حتى ازاحها ثم توجه الى السريتين الملتحمتين مع القوات اليهودية حول قلقيلية.
سلامة عتيق وأفراد قيادته هاجموا تلة صوفين مرة من الغرب ولم يتمنكوا من احتلال التلة ثم عاد والتف عليها من الشمال واستمات سلامة وجنوده الذين استشهد معظمهم وأثخن الكثير منهم بالجراح.
ولكن سلامة، واصل الهجوم للمرة الثالثة، وازاح اليهود الذين الذين أدركتهم الناقلات المدرعة وهربت بهم نحو خط الهدنة عن طريق شمال زيتا بعد أن القوا جثث قتلاهم في الناقلات.
بعد إنهاء خطر العدو من الخلف عاد سلامة ليقود القتال في منطقة المدينة حتى نهاية المعركة وجمع جثث الشهداء وأمر بتضميد الجرحى.
مع بزوغ الفجر ظهرت طائرات الميستير الفرنسية الصنع ثانية فتصدت رشاشات كتيبة المدرعات لها وابقتها عالية تحوم وكأنها تبحث عن هدف.
تابعت المدفعية الاردنية تشديد القصف على مستعمرة كفر عون المقابلة لقلقيلية وعلى الطريق العام الملاصق لها لحرق المستعمرة ونقليات العدو وقواته المنسحبة المتجمعة على تلك الطريق، وفعلا اشتعلت النار ببعض البيوت والحافلات العسكرية وأخذ اليهود يهربون من المستعمرة بينما يحاول جيش الاحتلال اليهودي منعهم وما ان تعود طائرات الميستير لتفتش عن مواقع المدفعية الاردنية حتى يتوقف القصف وما ان تبتعد الطائرات يستأنف القصف شديدا بحيث شل قدرة القوات الاسرائلية التي انسحبت من قلقيلية.
كانت خسائرنا اكثر من مئة شهيد وقدرت خسائر العدو اليهودي بمئة قتيل ومثلهم من الجرحى، وفي اليوم التالي نشرت الصحف اليهودية الجدل العنيف الذي دار في الكنيسيت الاسرائيلي حول الهجوم الفاشل والخسائر اليهودية الكبيرة، التي اعتبرتها اسرائيل كارثة وفسر بن جوريون السبب بأن العملية كان مفروضاً ان تنجح بدون خسائر تذكر لولا ان كتيبة بدوية ظهرت فجأة على مسرح القتال وحاربت كالشياطين ولم تكن القيادة الاسرائيلية تعلم بوجودها.
كان المسبب للغارة الاسرائيلية وهو شابٌ من عمان متحمس كلفته احدى الشخصيات بتنظيم تسلل وقتل يهودي ان امكن فأرسل هذا الشاب متسللين اثنين فصادفا مزارعين وقتلاهما.
اعترف الشاب بمسؤوليته وقدرت الاستخبارات الاردنية ان المخابرات المصرية ذات علاقة بالموضوع فأثار قائد الجيش علي ابو نوار هذا الامر مع الملحق العسكري المصري، وطلب منه ارسال برقية الى اللواء عبد الحكيم عامر تظهر احتجاجه الشديد على هذا الاسلوب من سوء التعاون.
وبعد اسبوع جاء مدير المخابرات المصرية كمال رفعت لمقابلة علي ابو نوار وليعلمه ان هذه الحوادث لن تتكرر.
تبقى هذه واحدة من فصول البذل بلا مقابل، ودون أي حسبان، لأجل فلسطين، وشاهدة على دماء وجند جيشِ ما زال وسيبقى صامداً، ما زالت عقيدته القتالية مفرداتها لأجل العرب وفلسطين، والأردن.
مدار الساعة (الرأي الأردنية) ـ