أخبار الأردن اقتصاديات مغاربيات خليجيات دوليات وفيات جامعات برلمانيات أحزاب وظائف للأردنيين رياضة مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس تبليغات قضائية جاهات واعراس الموقف شهادة مناسبات مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

اللواء «م» الرقاد يقرأ أسبوع الحراك: الأردن يعيش محنة اقتصادية وفتنة سياسية تغذيها مصالح من خارج حدود المملكة

مدار الساعة,مقالات,وزير المالية,رئيس الوزراء
مدار الساعة ـ
حجم الخط

اللواء الركن (م) د . محمد خلف الرقاد

ما مرّ به الأردن قيادة وحكومة وشعباً في الأيام القليلة الماضية ليس أزمة أشعل فتيلها تقديم مشروع ضريبة الدخل البائس الذي قذفت به الحكومة السابقة إلى ملعب السلطة التشريعية لتلقي العبء – بخبث سياسي - على النواب، فإذا تم تمريره تحت أي ظرف وبأية وسيلة، فلا بد أن (تضحك الحكومة في عبها) وتفخر بنجاحها، وإذا ردَّ النواب القانون ، فالحكومة براء من مسؤوليتها على مبدأ : " قل كلمتك وامش"، هكذا كان موقف الحكومة المستقيلة أو المُقالة بتعبير أصح، حيث أصمّت أذنيها عن سماع مطالب الشعب ، وأغلقت أنظارها عن رؤية احواله المتعبة .... وإني لأعجب من حكومة مضت، وضعت الشعب في الخندق المضاد لها، لتأتي القشة التي قصمت ظهر البعير، باتخاذ قرار رفع أسعار الوقود والكهرباء الذي أوقفه جلالة الملك بالتزامن مع تقديم قانون الضريبة ... أليس هناك من بُعد نظر سياسي أو استراتيجي؟؟، ويتبع ذلك تلويح وزير المالية السابق بورقة في وجه المطالب الشعبية ليزيد الطين بِلة، ويعزز موقف الخندق المضاد لحكومته، مشيراً إلى أنه إذا لم يُنفذ مشروع قانون الضريبة ربما لا يكون هناك رواتب للموظفين في آخر الشهر.

وكمواطن أردني مخلص لوطنه ولقيادته - لا بد لي من تقليب المسألة - على أكثر من وجه، فوجدت نفسي مكبلاً ما بين مطرقة مشروع القانون المقترح الذي – لو نُفِذ - فإنه سيلهب بسياطه ظهري المتعب والمثقل بالضرائب ولم يعد يحتمل وبين سندان الحرص والخوف على الوطن ومنجزاته عبر العقود الماضية.. وكان علينا كأردنيين أن نقف وقفة تأمل.. وأن نتعظ من تجارب الدول الشقيقة والصديقة التي سقطت في بؤر الفتن والمحن.

والرسالة هنا ... أننا لسنا في هذا الظرف في أزمة فقط.. بل نحن نتعرض لفتنة ومحنة علّها توقظ العقول من سباتها، وتطلق الحكمة من عقالها، بل نحن في حرب ضروس تدور في الخفاء، ويشحذ أوارها أصحاب الأجندات من خلف الكواليس، ويغذيها الصراع على البقاء وتحقيق المكاسب من قبل الطامعين في المنطقة.. والخائفين على عروشهم ، فالأبعاد أعمق من مشروع قانون ضريبة يمكن رده أو تعديله أو العدول عنه أو تأجيله، أو حتى تنفيذه رغم قساوته... البعد الاستراتيجي أعمق من ذلك بكثير، وربما يتلخص بدفع الأردن قيادة وحكومة وشعباً إلى حافة الهاوية ....

لعن الله الفتنة ومن أيقظها.. وكفانا الله شر الفتن .... لقد شاهدنا ذلك بأم أعيننا الدمار والقتل والأحوال المتردية التي آلت بشعوب شقيقة الى الجوع والحرمان وافتقاد الأمن والآمان وكل مشاعر الإنسانية.

أسبوع مرّ على وجه التقريب، والأردنيون المدركون للعواقب يعيشون صعوبة التحديات، ومرارة التداعيات، وكان الرهان على موقف جلالة الملك ... فكان الحريصون ينظرون بفارغ الصبر إلى ظهور جلالة الملك لينزع فتيل الأزمة، بل ليئد الفتنة في مهدها، وهذا دأب الهاشميين الوقوف في المحن إلى جانب الشعب.. ونجح الرهان في حين لم تتوافر الجرأة لدى أي مسؤول في الحكومة بدءاً من رئيس الوزراء إلى آخر رئيس قسم أو موظف مسؤول في وزارة، ليظهر على المواطنين ليوضح ويشرح ويدافع عن وجهة نظر الحكومة على الأقل، مما وضع هذا المواطن في حيرة، وفي بيئة شعر فيها بعمق الهوّة بينه وبين الحكومة، وبمرارة التهميش المقصود والممنهج على مدى العقود الماضية، وبالهوان على نفسه وعلى أصحاب القرار، وعلى البيروقراطية الإدارية والسياسية التي طالما قرّبت الشلة ، وأبعدت الحكمة، وثبّطت العزيمة، وعثّرت النجاح، وأحبطت الكفاءة ، وقتلت الشفافية، وضيعت المرؤة والرجولة ، وساعدت على إضعاف روح الانتماء والولاء .... فأصبح الناجح محل استخفاف ... والجاد مدار سخرية ، والساذج في المقدمة ، والمولِم في الصدارة ، في ظل بيئة يؤم الجموع من يخطئ في تلاوة القرآن، ويُقدَم فيها الجاهل، ويُمكَن فيه المدّعي، وذلك في تخطيط ممنهج لإحباط الطموحات وقتل التطلعات.

ويأتي كتاب التكليف السامي لدولة الدكتور الرزاز مُلَخِصاً لرؤى جلالة الملك في بناء وطن ومواطن مختلفين.. فالقراءة الدقيقة في كتاب التكليف السامي تدعو بوضوح إلى صياغة استراتيجية وطنية شاملة جديدة، وطرح الاستراتيجيات القديمة برمتها جانباً، فالتكليف يدعو إلى نهضة شاملة تغير النهج، وترتقي إلى مستوى الطموح.. مما يستدعي من دولة الرئيس الجديد – الذي نتمنى له النجاح – أن يغوص في عمق التركيبة المجتمعية الأردنية، ويستند إلى قاعدة بيانات حقيقية لانتقاء طاقمه الوزاري، وأن يخرج من بوتقة المعايير التي أكل الدهر عليها وشرب من مثل سياسات الترضية والشللية والعلاقات الشخصية والتوريث السياسي ، وكمواطن أرجو - ولي الحق - أن أطلب من دولة الرئيس أن يستند إلى معايير الكفاءة والخبرة والجدارة الإدارية والسياسية والتقنية والإعلامية والثقافية ، وأن يخرج من دائرة تأثير المحسوبية والعرقية والقبلية، فالأردن الآن بحاجة إلى تغيير جذري في النخبة السياسية ، فعمليات التجميل والترميم والترقيع لا تجدي نفعاً ، حيث لم تتمكن النخبة السياسية القائمة من تحقيق النتائج المتوخاة ، وما زال الكثير من رجالها يقبعون في أبراجهم العاجية.. فآن لهم أن ينزلوا إلى الواقع .... فالأردن يعيش محنة اقتصادية مثلما يعيش فتنة سياسية، ربما تغذيها مصالح من خارج حدود المملكة ممن لا يهمها المواطن الأردني ولا النظام السياسي الأردني، ولا المصالح العليا للدولة الأردنية، ومن أهم مرتكزات هذه الفتنة تهميش دور المواطن الأردني ليفقد الثقة بنظامه السياسي، في ظل تهميش مبرمج ومدعوم للدور الاستراتيجي الأردني في حلبة الصراع الظاهر والمخفي الدائر على مستىوى العالم والإقليم تمهيداً لتمرير ما يسمى بـ "صفقة القرن "، والتخطيط لإضعاف هذا الدور في الحلول النهائية التي تسعى لتصفية القضية الفلسطينية ، وإنهاء أمل الأشقاء الفلسطينيين بإقامة دولتهم المستقلة على ترابهم الوطني وعاصمتها القدس ، حيث أدّى الأردن وقيادته الهاشمية على مدى ما يقارب القرن أدواراً مشرفة ، ربما تعرض بعضها للظلم من ذوي القربى ومن غيرهم.. وهاهو التاريخ يعيد نفسه فظلم بداية ومنتصف القرن الماضي للدور الأردني الهاشمي يتكرر اليوم وبصورة أكثر بشاعة في ظلم الدور الاستراتيجي السياسي والعسكري الأردني في الوقت الحالي.

باختصار.. الكرة في ملعب الحكومة الجديدة، فالمطلوب استراتيجية وطنية شاملة تعظم الإنجاز، وتقتلع جذور الفساد ، تغير النهج ، وترتقي إلى مستوى طموحات القيادة في إنقاذ الاقتصاد ، ورحمة المواطن ، وانفتاح السياسة ، وتطوير السياسات والإدارة ، ومحاسبة الفاسدين والمفسدين ، ولنا من تجارب الدول الآسيوية درس مستفاد، فقطع دابر الفساد هو سنام الإصلاح السياسي والإداري والاجتماعي، وهو بوابة الأمن والآمان للاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي والأمني.. فالأردن طال الزمان أم قَصُر للأوفياء والمخلصين والجادين والشرفاء، وليس لمحترفي الفساد والمدّعين بالوطنية زوراً، وأصحاب الحقائب الجاهزة للإقلاع الفوري، فالأردنيون يعيشون أحراراً ولا يأتون محرماً.

مدار الساعة ـ