أعادت وفاة النائب محمد العمامرة مع أفراد أسرته، بالإضافة إلى سائق الشاحنة، قبل أيام على الطريق الصحراوي، فتح ملف حوادث المرور في الأردن، وما ينتج عنها من كوارث ونكبات لآلاف العائلات الأردنية.
الآراء التي تناولت الموضوع توزّعت بين من يلقي بالمسؤولية رقم 1 على الطريق الصحراوي، الذي يشهد تحويلات عديدة وتطويرا، ويعاني في وضعه الراهن من مشكلات هائلة (هنالك عملية تجديد وتطوير الطريق الصحراوي تجرى حالياً، بمبلغ مالي كبير)، ومن يضع – في المقابل- المسؤولية الأولى على عاتق "النمط السلوكي" لدى الأردنيين في قيادة السيارات.
يصعب الحسم بين هذين العاملين، وكلاهما – على أيّ حال- للأسف متحقق فعلاً في الحالة الأردنية، فبينما تعاني الطرق من مشكلات كبيرة، فإنّ ثقافة السائقين والمشاة في الأردن تعاني هي الأخرى من مشكلة كبرى أيضاً، وتشير التحليلات الصادرة عن دائرة السير إلى أنّ أغلب حوادث السير تقع بسبب السرعة.
حاولت الوصول إلى إحصائية لعدد الوفيات من حوادث السير خلال العام الماضي (2017)، التي تنشرها دائرة السير – في كل عام- لكن يبدو أنّها غير منشورة حتى الآن (فقط خلال المائة يوم الأولى كان هنالك 104 وفيات)، أمّا في العام 2016 فكان هناك قرابة 750 وفاة، مع كلفة مالية تقدر بـ323 مليون دينار، وفي العام 2015 هنالك 608 وفيات، بينما ما يزال العام 2007 هو الأعلى – في حدود معرفتي- إذ بلغ عدد الوفيات قرابة الـ1000.
وتشير إحصائية لأربعة أعوام (2010-2014) إلى أنّ عدد الوفيات – في حوادث المرور- وصل إلى 3636 مواطناً، بينما المصابون وصلوا إلى 83412، فإذا أضفنا إليها الأرقام حتى هذه اللحظة، فإنّنا أمام آلاف الأردنيين القتلى على الطرق، ومئات الآلاف من المصابين، ومليارات من الدنانير كلفة ذلك!
أين نقف ضمن المقارنات العربية والعالمية؟ نحن من الأعلى، لكن هذه المشكلة تعاني منها دول عديدة، ولفت انتباهي تصريح لمحافظ البصرة يقول فيه بأنّ عدد وفيات حوادث الطرق في العراق فاق ضحايا العمليات الإرهابية في العام 2017، بينما في ألمانيا قُدّرت الخسائر المالية بقيمة 7 مليارات يورو، بينما عدد الوفيات قرابة 3200، والإصابات 400 ألف، وفي فرنسا شهدت حوادث السير ارتفاعاً ملموساً خلال الأعوام الأخيرة، وبلغت في العام 2015 قرابة 3416، وفي العام 2016 أكثر قليلاً.
إذاً، هذه الكارثة مشكلة عالمية، وموقع الأردن عربياً (في العام 2015، بحسب منظمة الصحة العالمية) هو الثالث (بعد ليبيا والسعودية)، أي أنّنا في الدول الأعلى، بينما تشير الأرقام العالمية إلى أنّ الغالبية العظمى من الحوادث تقع بسبب سلوك السائقين.
ضمن هذه المعطيات، فمن الضروري أنّ نكفّ عن الجدل العقيم فيمن يتحمّل المسؤولية، لأنّ النمط السلوكي يلعب دوراً كبيراً، والطرق والبنية التحتية وحالة السيارات عوامل مهمة أيضاً، والتشريعات والإجراءات الوقائية تساهم هي الأخرى في تحديد نسبة الحوادث، لكن من المهم أن يكون لدينا تقييم حقيقي ودراسات تحليلية لكيفية العودة إلى محاولة الحدّ من الحوادث، بصورة جديّة وحاسمة، تتعامل مع الحوادث القاتلة بوصفها جريمة حقيقية تقع على الطريق!
هنالك دور مهم للإعلام وفي المدارس والجامعات ورجال الدين، فهذه الحوادث هي استباحة للقتل واستهتار في الحياة، سواء لحياة السائق أو حياة المشاة، ومن الضروري التركيز على الجانب الثقافي بصورة كبيرة، سواء على صعيد النمط السلوكي أو حتى عطاءات الطرق وتنفيذها، لأنّ كل ذلك يدخل ضمن مفهوم قدسية حياة الإنسان.
الغد