تركيا ليست دولة نفطية ..فقد مرت خلال الاعوام القليلة الماضية بتحديات كبيرة من عمليات ارهابية الى حصار موسكو عقب اسقاط طائرة عسكرية روسية، ثم الانقلاب الفاشل، والتدخل في سوريا بكلفة عالية، وبالرغم من تلك التحديات الا ان الاقتصاد التركي استمر في النمو وفق معدلات مرتفعة ووضعت لها موقعها ضمن قائمة اقوى اقتصادات في العالم، وبلغ معدل نمو الاقتصاد التركي بنسبة 11.1% على أساس سنوي في الربع الثالث من العام 2017 في أسرع وتيرة نمو في اخر ست سنوات متجاوزا التوقعات.
قبل ثلاثة عقود ونيف كانت تركيا تعاني من تباطؤ الاقتصاد ومديونية ثقيلة بخدمة عالية، وبعد سنوات معدودة بدأ الاقتصاد التركي بالتعافي والتركيز على الاقتصاد الحقيقي الانتاجي ( السلعي والخدمي) وخلال العقد الفائت تحولت تركيا الى عملاق اقتصادي وعسكري اقليمي، ومقصد سياحي لا ينافس، إذ تقدر مقبوضاتها السياحية سنويا اكثر من 35 مليار دولار، وحولت مصيبة انزلاق سعر صرف الليرة الى منجم كبير للصادرات التي تعتمد على المدخلات الانتاجية المحلية، ونشطت برامجها لاستقطاب السياحة، اما الحضور السياسي الاقليمي والدولي لانقرة فهو فاعل وهو محل احترام سواء اتفقنا معه او اختلفنا عليه.
وما يهمنا اليوم ...هو كيف تعاملت تركيا مع ازماتها الاقتصادية والمالية؟ وكيف حولت التأزم الى انفراج والتباطوء الى نمو مستدام؟.. الخطوة الاولى كانت الاهتمام بالانتاج وزيادة الانتاجية، وقدمت قطاعات الاقتصاد الحقيقي على المالية برغم اهميتها واعتبرت نمو القطاع المالي والمصرفي هو تحصيل حاصل وانعكاس طبيعي للرواج الاقتصادي، اما قطاعات الخدمات بالمعاني الواسعة فقد نهضت بقوة وشكلت محركا رئيسا في محركات نمو الاقتصاد التركي..
ومع بدايات النجاح وتحقيق نمو حقيقي تم تعزيز الثقة في الاقتصاد داخليا وخارجيا، واليوم تركيا تحقق معدلات نمو تفوق معدلات نمو الصين التي تناهز 7%، وتتفوق على نمو الاقتصاد الامريكي الذي يسعى لبلوغ 3%، وهذا غير مؤكد، اما اوروبا بإستثناء المانيا فإن النمو المتوقع محبط للغاية، لذلك ان بناء الثقة المفتاح السحري لحل اي مشكلة تواجه اي دولة سياسيا واقتصاديا وماليا واجتماعيا.
الثقة بالدولة التركية عالية بالرغم الخلاف بين الحكومة واحزاب وقوى معارضة، وان تحقيق النمو الاقتصادي وتحسين مستويات معيشة المواطنين كان البلسم الذي يبرد اي ازمة، وتركيا اليوم توصف بأن لديها اقتصادا منفتحا ومنتعشا ومقصدا استثماريا وسياحيا، وتغزو معظم دول المنطقة بإنتاج فني جذاب ومتنوع ..يتابع من النخب والعامة..تركيا من الازمة الى الرواج تجربة ونموذج يفترض الاستفادة منه.
الدستور