مدار الساعة - خاص - د. محمد خلف الرقاد
لقد أثار قرار الرئيس الأمريكي الظالم وغير المتوازن مكامن الوجع والألم، وأثار موجات من الأسى والسخط في نفوس مسلمي ومسيحيي العالم...
على الصعيد الإسرائيلي ربما تنبىء الظروف المستقبلية عن انقسام في إسرائيل ما بين محورين يميني متطرف يتحلل كلياً من الجهود الدولية السابقة ومحور ملتزم بالجهود الدولية ومؤيد للسلام، ولكل من هذين المحورين داعم من السياسيين الأمريكيين، ذلك لأن القرار كما ذكرنا سابقاً زرع خوفاً وقلقاً وتوتراً داخل الإسرائيليين أنفسهم يهدد حياتهم ومصالحهم ومستقبلهم، لسبب بسيط وهو أن تأثير القرار غير متعلق فقط بالزعامات الرسمية العربية والإسلامية، وإنما امتد تأثيره الخطير ليطال الشعوب العربية والإسلامية والمسيحية والداعية للسلام.
من ناحية ثانية يعلم القاصي والداني بأن هناك هيمنة إسرائيلية على القرار السياسي الأمريكي وبخاصة تلك القرارات المتعلقة بالمنطقة العربية، وهناك سعي وتخطيط منذ عقود لإخراج ما يطلق عليه في الدراسات السياسية بمشروع " الشرق الأوسط الكبير" إلى حيز الوجود، لكن قرار ترامب ضرب هذا التوجه الصهيوني في الصميم، فإذا قبلت الزعامات في المنطقة مثل هذا الطرح، فإن الشعوب قد طفح بها الكيل وسيكون مثل هذه المشاريع مرفوضاً جملة وتفصيلاً رغم الترويج له بشتى الوسائل والأساليب بشكل مباشر وغير مباشر.
كما جاء هذا القرار قاصماً لظهر العملية السلمية التي اقترب العرب والإسرائيليون منها باتخاذ العرب للسلام خياراً استراتيجياً، فيما أخذت إسرائيل استراتيجية القضم التدريجي للأراضي الفلسطينية إلى أن وصل الأمر للقدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية.
ولما كان الأردن حليفاً استراتيجياً للولايات المتحدة، فإن قرار الرئيس ترامب شكل طعنة لهذا التحالف ووضع الوصاية الهاشمية على القدس والمقدسات في زاوية حرجة لا بديل أمام الأردن إلا التمسك بهذه الوصاية والرعاية، والدفاع عن المقدسات الإسلامية والمسيحية، والتصدي لكل التحديات التي قد تؤدي إلى تغيير في الواقع المقدسي، فالهاشميون منذ زمن المنقذ الأعظم الشريف الحسين بن علي الذي كان أول المتبرعين لإعمار المقدسات في القدس إلى عهد جلالة الملك المعزز عبدالله الثاني ابن الحسين الذي أعاد بناء منبر صلاح الدين، وما زال ملتزماً بدور الوصاية والمتابعة بالإشراف على المقدسات في القدس وحمايتها، حيث أكد جلالته في خطابه في استانبول على أن الوصاية الهاشمية على المقدسات في القدس مسؤولية حملها الهاشميون بأمانة وشرف على مدى ما يقارب القرن من الزمان، وهاهم الأردنيون – كما هو ديدنهم – يلتفون حول قيادتهم الهاشمية منذ زمن الشريف الحسين بن علي - الذي لم يتنازل عن ذرة من التراب العربي في فلسطين وأوصى أن يدفن في القدس وها هي روحه الطاهرة ترقب ما الذي يجري حالياً في القدس حتى أطلق عليه التاريخ " ضجيع الأقصى " لشدة إخلاصه ووفائه للأقصى المبارك وللقدس الشريف – وحتى زمن حفيده الهاشمي جلالة الملك المعزز عبدالله الثاني ابن الحسين الذي يرفض أن تُمس المقدسات في القدس ويلتزم بالوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس وما زال يواصل استمرارية هذا الدور الراسخ دينياً وتاريخياً في التصدي لكل الظلم والتحديات التي يمكن أن تواجه المقدسات بإسناد من العرب والمسلمين الذين أشادوا بدور جلالته في حماية المقدسات والدفاع عنها والتصدي للعنت والصلف والغرور الإسرائيلي، وهذا يتطلب القفز فوق التناقضات، وتجاوز الخلافات، وصياغة استراتيجية عربية إسلامية لحماية القدس والمقدسات فيها، ذلك لأن قرار ترامب سيفتح البيئة الاجتماعية والسياسية رحبة أمام التطرف والعنف الذي سيجد في القرار متنفساً له، ومبرراً للتنامي والتطور الذي سيتحول بالمنطقة من الأمن والاستقرار إلى جحيم العنف والقتل والدمار، نتيجة لغياب العدالة في حل القضية الفلسطينية، فالقرار سعيٌ أمريكي إسرائيلي لتحقيق هدف يهودية الدولة العبرية وتهويد القدس الشريف، وهذا ما لن ترضى به الشعوب حتى لو قُبل من بعض الزعامات.
وما يبعث في النفس الأمل هذا الالتفاف الأردني من شتى المنابت والأصول حول القيادة الهاشمية التي قامت على الثبات على المبدأ، وعدم التفريط بالقدس والمقدسات، وعلى الحرص الدائم على دعم الأشقاء الفلسطينيين حتى يصلوا إلى حقوقهم المشروعة في إقامة دولتهم على التراب الوطني الفلسطيني وعاصمتها – كما قال جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال – في القدس، فالقدس عربية وستبقى عربية قولاً وعملاً رغم أنوف المعتدين، والأردن قوي بحقه وبقيادته وقوي بإرادة الأردنيين رغم مايواجهه من ظروف سياسية واجتماعية واقتصادية وعسكرية، فهم الأوفياء لأردنهم ولقيادتهم الهاشمية، والأوفياء لأشقائهم الفلسطينيين، فروابط الدين واللحم والدم والمصير الواحد متجذرة في أرض الأردن وفلسطين وفي شرايين كل الأردنيين.