الدكتور موسى شاهر الرحامنة
يحتفل الشعب القطري الشقيق في الثامن عشر من هذا الشهر باليوم الوطني، والذي يتزامن مع ذكرى تأسيس الدولة على يد الشيخ المجاهد جاسم بن محمد آل ثاني في الثامن عشر من ديسمبر عام 1878.
ويمثل اليوم الوطني لدولة قطر قيمة تاريخية ووطنية، لبلدٍ أضحى نموذجاً يُحتذى في المنطقة العربية .
وفي هذا اليوم، يحرص أبناء قطر على الإحتفال، مستذكرين رحلة التأسيس على يد فارس معطاء هو الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني آل ثاني الذي يتصل نسبه بتميم من مضر من أشراف العرب الأقحاح .
ولد الشيخ جاسم عام 1826 وقد حرص والده الشيخ محمد بن ثاني على تعليمه على أيدي عُلماء أجلَّاء فراح يدرس القرآن والسنة وعلومهما، كما أنه برع في الأدب العربي فكان شاعراً وأديباً لا يُشَقُ له غبار، لقد كان إماماً للناس في صلواتهم، وخطيباً في الجمعة يذهل السامعين إذا خطب، فيجلب القلوب إليه، وهو من أركان العربية وأنصارها، وكان يباشر بنفسه تعليم الناس، ويتولى القضاء والفصل في المنازعات والخصومات بين مواطنيه، وختم حياته وهو يردد كلمة التوحيد.
لقد كان رحمه الله ذو أثرٍ فاعل في توجيه الناس ضد الغزو القبلي، الذي كانت تتعرض له قطر فوحَّد صفوفهم، ولم شملهم، وكان فارسهم الذي يتقدم صفوفهم في ساعات الرَوعِ المُجَنَّح، فالتفَّ حوله الناس وأحبوه حباً جمًّا، فبادلهم المودة والحب والإخلاص، ومن هناك بدأت قصة التلاحم بين قيادة وشعب، فبعد أن كانت القبائل مترامية لا يجمع بينها رابط، ولكل قبيلة رايتها، إستطاع الشيخ جاسم أن يجمع القبائل كلها تحت راية واحدة وكلمة واحدة، ويدٍ واحدة على مَنْ سِواهم.
لقد ذكر المؤخرون بأن الشيخ جاسم كان واحداً من أخيار العرب الكرام، مواظباً على الطاعات ، مداوماً على العبادات والصلوات، من أهل الفضائل والمعارف بالدين المُبين، وله مَبرَّات كثيرة على المسلمين كانت سبباً في عُلوِّ مكانته بين الناس جميعاً، وكان أيضاً مسموعَ الكلمةِ عند العرب، مُهاباً عند الرؤساء والأمراء، نافذَ القولِ ، دأبُه الإصلاحُ دوماً، ولم يَسعَ في أمرٍ إلا أتمه الله على يديه، وأعماله كلُّها خالصة لوجه الله تعالى.
لقد مرَّت المنطقة في عهد الشيخ جاسم بمراحل حرجة، وكانت الأنواءُ تعصف بها من كل حَدْبٍ وصَوبْ غير أن حنكة الشيخ وحكمته، وصبره ودهائه، قد جَنَّبَ البلاد كل مكروه وحفظها من كل شر يضمره الأعداء والمتربصون .
لقد كان رحمه الله سياسياً بارعاً، وقائداً عسكرياً هُماماً، وقَرَمَاً جَحْجاحاً، سجل التاريخ بأنه لم يرضخ لضغوطات الدولة العثمانية، وحين وصل الأمرُ إلى حد المواجهة، لم يتراجع أو ينكص على عقبيه، فقد خاض معركة شرسة مع العثمانيين في منطقة الوجبة الشهيرة، سجل فيها نصراً مؤزراً أستطاع أن يدحر فيها العدوان مع رجالٍ صَدَقوا وما بدّلوا تبديلا، وقد ذكر العثمانيون في سجلاتهم بأن الشيخ جاسم هو الذي حفظ أركان الدولة وأسَّسَ قواعد الإستقلال .
لقد أسَّسَ الشيخ جاسم رحمه الله، ثوابت وقيم الدولة القطرية، المستَمَدة من قيم العروبة وشرع الله الحنيف، وعلى هذا النهج القويم، سار الأنجالُ والأحفادُ من نسلهِ في قيادة الدولة، فما تنازلوا عن هذه الثوابتَ قيدَ أُنْمُلَة، ولعلَّ التاريخَ أكبرُ شاهدٍ على ذلك .
واليومَ، تشهد قطر نهضةً شاملةً في شَتَّى مناحي الحياة، وفي زمنٍ قياسي، منذُ تولِّي الشيخ حمد بن خليفة مقاليدَ الحكم في البلاد، فقد إرتفعت نسبة النمو الاقتصادي، وشَرَعَتْ الدولة في تنفيذ مشاريع حيوية مَهولَةٍ صاعدة، في مجال البنية التحتية، والتعليم والصحة والنقل، وكافة مناحي الحياة الأُخرى، وأصبح مُعدّل دخل الفرد القطري هو الأول على مستوى العالم.
وقد تعززت مكانة قطر الدولية، بفعل النهج السياسي الحكيم للأمير الشاب تميم بن حمد، الذي بدأ المشوار مترسماً خطى الأُلى من الآباء والأجداد الميامين، فعزز الجبهة الداخلية، التي أضحت الصخرة التي تتحطم عليها حراب الطامعين والمتآمرين، فغدا القطريون في عهده صفاً واحداً كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً، وهم يواجهون حملة ظالمة جائرة شرسة ليس مِنْ دافعٍ ورائَها سوى الحسد والغيرة الحمقاء .
وقطر اليوم، تتألق وتفخر بما حققت وأنجزت، غير آبهةٍ بما يكيد (الآخرون) الذين تلقوا صفعة يوم أعلنوا حصارهم، فكان ردُّ القطريين عن بكرة أبيهم وأمهم "كلنا تميم"، " لنا تميم ولكم العالم"، فرد عليهم أميرهم الهُمام "إبشروا بالعز والخير".
ويبقى الإستقلال والتأسيس شوط بدأه الشيخ جاسم رحمه الله، ويكمل مشواره الشيخ تميم حفظه الله .