الدكتور موسى الرحامنة
في صباح الخامس من حزيران الماضي، وتزامناً مع ذكرى هزيمة العرب في حرب حزيران، استيقظت الشعوب العربية على وقع هزيمة أخرى، من سلسلة هزائم متلاحقة، مع فارق جسيم هو أن الظلم في هذه المرة لم يكن مصدره المباشر إسرائيل، بل هو ظلم ذوي القربى الأشد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهنّدِ.
إعلان كل من المملكة العربية السعودية، والأمارات، والبحرين، بالاضافة الى مصر، قطع كافة العلاقات الدبلوماسية مع دولة قطر، وإغلاق كافة المنافذ البرية والبحرية والجوية أمام حركة الأفراد والبضائع والسلع، في حصار شكّل ضرراً بالغاُ على الحياة الاقتصادية لدولة قطر وكذلك شكّل عصفاً غير مسبوق للحياة الاجتماعية لكثير من الاسر القطرية والسعودية، التي ترتبط بصلات الرحم والوشائج التاريخية، والتي أصبحت تحت رحمة القرار السياسي، وهو ما يمكن وصفه بالظاهرة الخطيرة في مضمار العلاقات الدولية لا بل في مضمار علاقات الاخوة وحسن الجوار.
ومن غير ولوجٍ في الأسباب والذرائع الظاهرية التي يدّعيها المحاصرون (كزعم أنّ قطر دولة تمول الارهاب، والخطاب الاعلامي المعادي الذي تنتهجه قناة الجزيرة وغير ذلك من الاتهامات) الا أنها في مجملها ليست سوى اتهامات عامة فضفاضة، وتتناقض مع بعضها البعض، ولا يمكن البناء عليها كإدعاءات قانونية، لأن حجم هذه الإدعاءات والإفتراءات يحتاج الى بيّنات وأدلة، وفي وسائل اثبات التهمة قانوناً، فإن البينة على من إدَّعى، ولو كان بيد هذه الدول أدلة وافية قاطعة، لما تورَّعت عن تقديمها الى أرفع المحافل القانونية في العالم، لأن جُلّ إهتمامها وغاية ما تسعى اليه، هو البحث عن الادلة والقرائن التي تدين دولة قطر وتضعها في قفص الإتهام .
وفي خِضَم رحلة هذا الحصار الجائر، وهذه المقاطعة الهوجاء، تثور التساؤلات حول مدى قانونية هذه الإجراءات، وهل وقعت بالمخالفة للمواثيق الدولية وفي مقدمتها ميثاق الأمم المتحدة، وماذا يتعين على دولة قطر أن تقوم به لمواجهة مثل هذه الاجراءات .
الحصار والمقاطعة، مخالفة صريحة لمبادىء الأمم المتحدة وميثاقها جملة واحدة :
أولاً، إن من بين مقاصد الأمم المتحدة التي وردت في المادة الأولى من الميثاق، هو إنماء العلاقات الودية بين الدول، وتحقيق التعاون الدولي لحل المسائل الدولية ذات الصبغة الإقتصادية والإجتماعية والثقافية والإنسانية، وتعزيز إحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية.
ولأجل تحقيق المقاصد الواردة في المادة الأولى من الميثاق، فإن هيئة الأمم المتحدة وأعضائها من الدول ووفقاً للمادة الثانية من الميثاق معنيون بتطبيق المبادىء التالية :
1- مبدأ المساواة في السيادة بين جميع أعضاء الأمم المتحدة.
تدّعي الدول المقاطعة، بأن قطر تتدخل في الشؤون الداخلية في دولها، وتمول مؤسسات وأفراداً للعمل ضد هذه الدول، كما أنها أيْ قطر، تقوم بتقويض الأمن القومي في هذه الدول، وهذه التهمة بالذات او ما يقع في باب تهديد السلم والأمن الدولي، الأصل أن تقوم هذه الدول، بابلاغ مجلس الأمن الدولي، عن أيّة حالة تشكل تهديداً لهذا السلم والأمن الدولي، والمجلس هو الجهة الوحيدة المخولة بموجب الميثاق، أن يقوم بفحص هذه الحالة، والتأكد من أنها بالفعل، تشكل تهديدأً للسلم والأمن الدوليين.
هل الاجراءات المتخذة من قبل الدول المُحاصِرة تعتبر ضَرباً من ضروب استخدام القوة في العلاقات الدولية ؟
بالعودة الى نص الفقرة الرابعة من المادة الثانية من ميثاق الامم المتحدة، والذي جاء فيه " يمتنع أعضاء الهيئة جميعاً في علاقاتهم الدولية، عن التهديد باستعمال القوة او استخدامها ضد سلامة الاراضي او الاستقلال السياسي، لأية دولة أو على أيِّ وجه آخر لا يتفق مع مقاصد الأمم المتحدة " .
واستناداً لما سبق، فان كافة الاجراءات التي اتخذتها دول المقاطعة بحق دولة قطر تحمل طابع القسر السياسي والاقتصادي، وتعد خروجاً واضحاًعلى هذه المبادىء والوثائق الدولية، لا بل تعتبر انتهاكاً صريحاً لقواعد القانون الدولي .ومن هنا فان كل هذه الاجراءات المتخذة حيال دولة قطر هي من قبيل التعدي على قاعدة مستقرة في القانون الدولي العام المعاصر والمتمثلة بتحريم استخدام القوة في العلاقات الدولية، وهي وكما أسلفت قاعدة آمرة من قواعد القانون الدولي، التي لا يجوز الاتفاق على مخالفتها وإنّ أيَّ اتفاق من هذا القبيل، يُعد باطلاً بطلاناً مطلقاً وتبطل معه كل الآثار المترتبة عليه .