مدار الساعة - كتب.. د.علي قوقزة
وقع أيلول نسمة همهمت نسائم العمر، وانتفضت أوراق الحنين على أرضه. وتورمت الغيمة الايلولية، وأحالتها إلى التذكر والصمت، ومن غير سؤال، لتعلن بصراحة عن صوتها الأبح والشجن.
يعود أيلول مجدداً ، في أوله ، وفي أوسطه، وفي نهاياته، وفي كل تفاصيله الدقيقة، يعود محملاً بتفاصيله الجميلة والبائسة، يعود أيلول كل سنة، ولكن أعمارنا لن تعود، أيلول يا أيلول.
أيلول يا وجعي، على ممرات الجامعة في المرحلة المتوسطة، وفي ممرات الشوارع، أيلول يا صوت الأحلام والآمال.
صباح ومساء الخيرات يا وطن، صباح ومساء الذكريات يا أيلول، كم أشتاق أن التقيكم بعد طول الغياب، وبعد هذه السنوات العجاف، تذكرتك مع رجع أيلول، والصدفة الأولى بغيمة حزينة ، قمرها وحيد، أيام وليال شتى يا أيلول ، وليلها يطول، غريبة وغريب ، أنا وأيلول.
كم يعلم الله كم شعرت بالحنين عندما زرت تلك الشوارع عبر طول غياب. مع الأبواب والمكتبة الحسينية والجمنازيوم والمداخل والمقاهي وعلى الأرصفة ، وفي كل نقطة وعلامة من كلية الاداب في جامعة اليرموك. وكأن أحد يقول لي: لا نعد نسمح بدخول هذا المكان مرة أخرى. فكم وكم كان شهياً أيلول مع فنجان قهوة أو سيجارة أو نظرة عابرة سريعة ، رجع أيلول عاد، وكيف له أن يعود ..... ، ليتنا بلا أيلول، ولست أدري لماذا ما زال يربكني أيلول بخريفه.
جمال السنة كله بأيلول رغم وجعه، ورغم الألم ، فهو يعصف في الذاكرة نبض دافق عانق السطور، فأيلول قد مضى ورحل ، أيلول يناجيني شوق للماضي، وبقايا من الآلام سقطت ، ولكن يبدو أنه موسم التساقط حين تذبل الأوراق ولا يبقى إلا وجع يترجمه أيلول ، ويدس في عرين النفس ألم الذكريات الراحلة.
ثقب يتسع المدى، وموج الحكايا عانقت ما بين أرصفة الندى والغيوم، وملح عمر راح يعجنه السراب، وتعب يحاور المستحيل هنا وهناك، يا رب هذا حالنا فنحن بشر، فأنا وأيلول غريبان، أيلول يا أيلول، عانقني قليلاً، واهتدي نبضي الضعيف.