انتخابات نواب الأردن 2024 أخبار الأردن اقتصاديات جامعات دوليات وفيات برلمانيات رياضة وظائف للأردنيين أحزاب مقالات مقالات مختارة مناسبات شهادة جاهات واعراس الموقف مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة

إلى أي حد تؤثر وسائل الإعلام في الناس؟

مدار الساعة,مقالات مختارة
مدار الساعة ـ نشر في 2017/08/29 الساعة 00:27
حجم الخط

في ظل الجدل الدائر حول بعض وسائل الإعلام كجزء من أزمة عربية ناشبة، وسنتجنب ذكر الأمثلة، ينهض سؤال مهم، سبق وطرحناه هنا، وطُرح مرارا وتكرارا، يتعلق بقدرة وسائل الإعلام على التأثير في الرأي العام، ومن هي الأكثر تأثيرا من بين وسائل الإعلام المتوفرة؟
قبل زمن الفضائيات، ومن أجل فهمٍ أشمل للقضية، كانت أكثر وسائل الإعلام حكرا على الأنظمة، باستثناء وسائل إعلام دولية تنطق بالعربية، وهذه لها طريقتها في التغطية الإخبارية، تضمن بقاء مراسليها في العواصم، أي أنها تغطية منضبطة لا تصطدم بالأجهزة الرسمية، وإن تفوقت من حيث القدرة المهنية على المحلية أو بعضها.
هنا يمكن القول ببساطة إنه لو كانت وسائل الإعلام بتلك القدرة الرهيبة على التأثير كما يصوّرها كثيرون، لكانت الأنظمة مقدّسة في وعي الجماهير، وهو ما لم يكن صحيحا؛ على تفاوت في نظرة كل شعب لنظامه السياسي، والقائمين عليه، وهي النظرة التي لم تكن نتاج أدائه الإعلامي، بقدر ما هي نتاج أدائه السياسي والاجتماعي والاقتصادي الداخلي؛ وسياساته الخارجية بطبيعة الحال.
هل يعني ذلك أن وسائل الإعلام غير مؤثرة؟ كلا بالطبع، فهي مؤثرة بكل تأكيد، لكنه تأثير لا يصل المستوى الذي يتحدث عنه كثيرون، والسبب أن مخزون الوعي القيمي في جماهير هذه الأمة ليس في مهب الريح، بل هو راسخ بنماذج كثيرة على مدار القرون للعدل والصدق والنزاهة، ولا يمكن لأي وسيلة إعلام أن تحوّل راقصة إلى نموذج في وعي الناس، حتى لو أحبوا مشاهدتها، بينما يمكن أن يحدث شيء من ذلك في الغرب مع حملة إعلامية كبيرة.
في وعي جماهيرنا، تغدو وسيلة الإعلام أكثر تأثيرا كلما اقتربت من وعي الناس وضميرهم، لكن الانتشار شيء آخر، إذ عليها أن تضيف إلى الاقتراب من ضميرهم مستوىً عاليا من القدرات المهنية، وفي هذا السياق، ستجد وسائل إعلام مكروهة، لكنها مشاهدة، وذلك بسبب قدراتها المهنية، أو قدرتها على صناعة الترفيه الذي يحبه الناس. والخلاصة أننا إزاء معادلة ذات شقين؛ الأول هو الانتشار، فيما الثاني يتعلق بالتأثير، وهنا قد تحصد وسيلة إعلامية انتشارا كبيرا، وذلك بسبب قدراتها المهنية من جهة، أو قربها من الأوساط الرسمية، ومشاهدة الناس لها لمعرفة رأي تلك الأوساط، ومع ذلك، تبقى محدودة التأثير في وعي الناس، لكن وسيلة إعلام أخرى تكون مهنية ومشاهدة ومحبوبة في آن، وهذه تكون أكثر تأثيرا، من دون أن تكون قادرة على صناعة التغيير وحدها، كما يتوهم كثيرون.
من هنا، كانت الكثير من الأوساط الرسمية العربية تعيش وهمَ تأثير وسائل الإعلام على الرأي العام، لكن الوقائع لا زالت تؤكد غير ذلك، إذ إن حجم تأثيرها لا يزال أقل بكثير من الاعتقاد السائد، ومن يتأثرون بأكاذيبها لا يمثلون سوى نسبة قليلة، بينما تملك الغالبية حصانة ضد ذلك للأسباب التي سبق ذكرها.
كل ذلك، ونحن نتحدث عن زمن آخر غير زمننا الذي تنقل فيه مواقع التواصل الأخبار لحظة بلحظة، وبوسع الإنسان أن يتابع أية وسيلة إعلام في الإعلام من خلال “هاتفه”، والنتيجة أنه لم يعد بوسع أي نظام حجب الحقائق عن الناس، مهما فعل، ومهما أنتج من وسائل إعلام، أو أسكت من أخرى، ومن أراد أن يكسب الناس، فليس أمامه سوى الانسجام مع ضميرهم، وتلبية مطالبهم المشروعة التي يعرفها الجميع حق المعرفة.

مدار الساعة ـ نشر في 2017/08/29 الساعة 00:27