هل يجوز ان تمر مرور الكرام، الأحداث التي وقعت في العاصمة الهولندية أمستردام، عقب مباراة كرة القدم التي خسر فيها الفريق الاسرائيلي، لينطلق انصاره يعيثون في احياء المدينة فسادا ويهتفون ضد العرب، ويمزقون أعلام فلسطين المرفوعة على بعص شرفات منازل مؤيدين لحق شعب فلسطين بقيام دولته المستقلة وعاصمتها القدس على ارضه المحررة.
كل ذلك دون ان نسأل ان كان ذلك كله وقع صدفة، ام انه امر دبر بليل، او في أسوأ الأحوال جرى توظيفه بسرعة لخدمة إسرائيل؟
ان التدقيق في الأفلام المصورة للواقعة، يؤكد ان حركة وشعارات وهتافات الجمهور الاسرائيلي ضد العرب والدعوة لموتهم، ثم اختيار أحياء بعينها في العاصمة الهولندية التي تكثر فيها المسيرات المنددة بالعدوان الاسرائيلي على قطاع غزة لفعل ذلك كله، لم يكن امرا عفويا. لكنه كان مقصوداً، من خلال التحرك الاسرائيلي الفوري لتوظيف الحدث والتهويل منه، فقد اعلن ديوان رئيس الوزراء الاسرائيلي عن (مطالبة الجهات المعنية في هولندا بالتحرك سريعا لضمان سلامة الاسرائيليين)، اما وزير خارجية الكيان جدعون ساعر فقد كتب قائلا: (نتعامل مع الجهات المعنية بهولندا بشان الاعتداءات على الاسرائيليين في أمستردام)، وتم إطلاق نداء مما سمي بالعائلات جاء فيه (نرجوكم ساعدونا)، كما اعلن عن ارسال طائرتين اسرائيليتين لاعادة الجمهور الاسرائيلي من أمستردام، لتوظيف ذلك كله في تحويل المجرم الى ضحية، كما هي الممارسة الصهيونية المتكررة.
سرعة التحرك الاسرائيلي سعت الى تحقيق جملة من الاهداف اولها، تخويف الأوروبيين من البعبع العربي والإسلامي، وهو ما بدا واضحاً من الانحياز الفوري من اليمين الهولندي للرواية الإسرائيلية، فسريعا تحرك هذا اليمين المناصر لإسرائيل والمناوئ للعرب والمسلمين لتوظيف ما حدث لشحن ماكينة الكراهية للعرب والمسلمين، فكتب زعيم الائتلاف في هولندا واصفا ما جرى بـ"المذبحة» و"غزة أوروبا».
واضاف في حسابه على منصة «إكس": «مذبحة في الشوارع والمسلمون الذين يحملون الأعلام الفلسطينية يطاردون اليهود.. لقد أصبحنا غزة أوروبا».
واكمل: «يبدو الأمر وكأنه مطاردة لليهود في شوارع أمستردام. يجب اعتقال وترحيل هذه الحثالة متعددة الثقافات التي هاجمت أنصار «مكابي تل أبيب» في شوارعنا.. أشعر بالعار من حدوث هذا في هولندا.. إنه أمر غير مقبول على الإطلاق».
وحمل زعيم اليمين الهولندي سلطات بلاده المسؤولية عندما كتب أن «السلطات ستتحمل المسؤولية عن فشلها في حماية المواطنين الإسرائيليين». متعهدا بعدم تكرار هذا الأمر مرة أخرى. وهو تعهد يضاف الى ما يعرف عن هذا المتطرف من تعهدات في كل مناسبة بمنع هجرة المسلمين وإغلاق المساجد في هولندا». حيث أعلن الائتلاف الحكومي اليميني في ايار الماضي انه تم الاتفاق على تطبيق أكثر سياسات اللجوء تشددا على الإطلاق مع إمكان التخلي عن القواعد الأوروبية، في هذا المجال.
كما تعهد الائتلاف الحكومي الهولندي بالنظر في مسألة «نقل السفارة الهولندية في إسرائيل إلى القدس». وهذا موقف هولندي يستدعي موقفا عربيا مضادا، قطعا للطريق على اي تحرك من اي دولة ضد قضايانا العربية. كما يستدعي تحركا من الدول العربية والإسلامية لحماية الوجود العربي والإسلامي في الغرب، وتأطيره وتوظيفه لخدمة قضايانا، لمواجهة اللوبيات الصهيونية هناك.
ومثلما ان من الاهداف الإسرائيلية توظيف ما جرى في أمستردام، لوقف الهجرة العربية والإسلامية إلى الغرب، فانه وظف لتشجيع يهود اوروبا للهجرة الى إسرائيل، من ذلك النداء الذي وجهه وزير (الدفاع) الاسرائيلي الاسبق ليبرمان الى يهود اوروبا، يحثهم فيه بالهجرة الى إسرائيل. وهي دعوة تستهدف ايضا وقف الهجرة المعاكسة من اسرائيل، بتصوير الغرب كمناطق غير آمنة بالنسبة لليهود.
على ان الهدف الاهم من التوظيف الاسرائيلي لأحداث أمستردام، هو محاولة استعادة صورة اسرائيل التي مزقتها الإبادة الجماعية التي تنفذها بحق ابناء قطاع غزة، وحجم التحول في الرأي العام الدولي ضد إسرائيل، فهل نواجه هذه المحاولة الإسرائيلية، لاستعادة الصورة، ام نصمت، كما صمتنا عن ما يجري في فلسطين؟