الضحايا يرفعن أصواتهن أمام مجلس النواب للمطالبة بإلغاء المادة 308 / عقوبات
قصص حقيقية للنساء والفتيات ضحايا جرائم الإغتصاب وتطبيقات المادة 308 / عقوبات
تضامن : لماذا يجب إلغاء المادة 308 من قانون العقوبات الأردني؟
مدار الساعة - بداية وبكلمات مختصرة تجيب جمعية معهد تضامن النساء الأردني "تضامن" عن الأسباب التي تدعو الى إلغاء المادة 308 من قانون العقوبات الأردني إلغاءاً تاماً. فيجب إلغاء المادة 308 لأن المجرم لا بد وأن يعاقب لوضع حد للجريمة وتحقيقاً للردع الخاص والعام. ولأن الضحية تعاني لفترة أطول وبصورة أقسى إذا تزوجها الجاني. ولأنه لا يعتد بإرادة القاصر وليس لها أهلية التصرف فيما هو أقل أهمية من الزواج، فكيف يعتد بإرادتها في أمر خطير كالعلاقة الزوجية حتى ولو كان برضاها؟
وتضيف "تضامن" ولأن معظم الزيجات حققت للجاني هدف الإفلات من العقاب ولكنها لم تحقق للضحية أي إستقرار، إذ ينتهي الزواج بعد فترة وجيزة وغالباً بطلب من الضحية لعدم إحتمالها علاقة زوجية مع الجاني حتى لو لم يسئ معاملتها. ولأن أركان عقد الزواج الصحيح لا تتحقق في مثل هذا الزواج. ولأن معالجة مشكلات النسب والحمل يمكن حلها بعيداً عن إهدار الحق العام وتمكين الجاني من الإفلات من العقاب. ولأنه لا يعتبر طفلاً شرعياً بموجب القانون، الطفل المتولد من غير الفراش الشرعي أصلاً. ولأن في بقاء هذه المادة يمثل فرصة لإفلات حتى مغتصبي الطفلات دون 15 عاماً من العقاب الذي يصل الى الإعدام. ولأن إجتثاث الجرائم الجنسية المتزايدة من المجتمع وحماية الفتيات والنساء يتطلب تطبيقاً حازماً.
وقد طالبت الحركة النسائية في الأردن منذ سنوات عديدة بتعديل و/أو إلغاء نص المادة 308 من قانون العقوبات الأردني ، وشاركت جمعية معهد تضامن النساء الأردني "تضامن" في تنفيذ حملات بهذا الخصوص خلال العقدين الماضيين لإلغاء المادة 308 ولا زالت على إعتبار أنها تشكل إنتهاكاً لحقوق ضحايا الجرائم الجنسية كما تمثل وسيلة تمكن الجاني من الإفلات من العقاب إضافة الى أنها تخل بأسس الزواج الصحيح الهادف الى تأسيس أسرة بإختيار حر ورضى تام، زواج قائم على المودة والرحمة وليس على الجريمة.
وفي ظل الغياب الكامل لأصوات ضحايا الجرائم الجنسية واللواتي طبقت عليهن أحكام المادة 308، ولعدم وجود معلومات وأرقام دقيقة لإتجاهات الأردنيين والأردنيات والمختصين والمختصات حول المادة 308 ، فقد قامت "تضامن" بإجراء دراسة بحثية – وهي الأولى من نوعها في الأردن - حول "الجرائم الجنسية ضد النساء- المادة 308 من قانون العقوبات الأردني نموذجاً" للوقوف على التأثيرات القانونية والإجتماعية والنفسية والصحية، الإيجابية منها والسلبية على النساء والفتيات من جهة وعلى الأسرة والمجتمع من جهة اخرى.
وتشير "تضامن" الى أنه وبناءاً على نتائج الدراسة البحثية التي قامت بتنفيذها، تم تشكيل التحالف المدني الأردني لإلغاء المادة 308، والذي يضم أكثر من 116 هيئة ومنظمة وجمعية من مختلف محافظات المملكة بالإضافة الى مئات الأشخاص الناشطين والناشطات، وإن عدد أعضاء التحالف في تزايد مستمر.
وبسؤال عينة الدراسة (وهي عينة ممثلة لجميع المحافظات ولمختلف الأجيال والتخصصات من الجنسين) عن تأييدهم لحملة بشأن المادة 308 من قانون العقوبات الأردني ، فقد أيد ذلك 70.8% وعارضه 13.5%، فيما أجاب 15.7% منهم بأنهم لا يعرفون. ونتيجة ذلك فإن ثلاثة من كل أربعة أشخاص تقريباً يؤيدون حملة تتعلق بالمادة 308 مما يشير الى أن غالبية المجتمع الأردني مع إلغائها.
المغرب ومصر ألغتا نصوص مشابهة للمادة 308 والتي تعود جذورها للقانون الفرنسي
كما بحثت الدراسة في أصل المادة 308 وجذورها الممتدة لأكثر من 150 عاماً في قوانين عدد من الدول الأوروبية ودول أمريكا اللاتينية ومعظم الدول العربية.
وتضيف "تضامن" بأن تطبيق قانون الجزاء العثماني لعام 1858 الذي إستمد أحكامه من قانون العقوبات الفرنسي لعام 1810 إستمر في الأردن أثناء الحكم العثماني وفي عهد الإحتلال والإنتداب البريطاني وبعد أن أصبح شرق الأردن إمارة.
وتشير "تضامن" الى أن الكثير من النصوص القانونية في قانون العقوبات الأردني أصبحت بحاجة الى تعديل مراعاة للمستجدات حيث أن الزمن قد تخطاها، ولا تعد تتناسب مع الظروف الحالية ولا مع إلتزامات الأردن الدستورية أو المرتبطة بمواثيق حقوق الإنسان التي صادقت عليها المملكة، ومنها المادة 308.
وتشير الدراسة الى الإنجازات التي حققتها معظم الدول الأجنبية وعدد قليل من الدول العربية كمصر والمغرب في إلغاء النصوص المشابهة من تشريعاتها الجزائية منها والمدنية، والتي التي تعمل الآن على إلغائها مثل لبنان وتونس والعراق.
وفي أحدث إلغاء لنص مشابه ، وافق مجلس النواب المغربي بتاريخ 22/1/2014 على إلغاء المادة 475 من قانون العقوبات المغربي والتي كانت تعفي المغتصب من الملاحقة القانونية في حال تم الزواج بالمغتصبة ، إلا أن الإستجابة الحكومية لمطالب الحركة النسائية لم تكن وليدة المطالبات المتكررة على مر السنين فحسب ، وإنما أيضاً نتيجة مباشرة لحادثة إنتحار الفتاة "أمينة فيلالي" وعمرها (16) عاماً والتي تعرضت للإغتصاب وأجبرت على الزواج من مغتصبها بموجب قرار قضائي. حيث أقدمت أمينة وقبل سنة واحدة وتحديداً في شهر آذار / مارس من عام (2012) على تناول سم للفئران لتضع حداً لحياتها التي رسمها لها المجتمع والقانون على حد سواء.
ويذكر أن جمهورية مصر العربية كانت من أوائل الدول العربية التي ألغت مادة مشابهه من قانون العقوبات المصري رقم 85 لعام 1937حيث ألغت في عام 1999 المادة 291 منه.
ضحايا الإغتصاب يتحدثن عن تجاربهن...
ضحية الجريمة الجنسية تمر بمرحلتين مرحلة حادة وأخرى مزمنة قد تمتد طوال العمر
تزويج الضحية من المغتصب لا يمكنه معالجة الآثار النفسية والجسدية والإجتماعية للجريمة
وتضيف "تضامن" بأن عدد من ضحايا الجرائم الجنسية التي تمت مقابلتهن وشملتهن الدراسة حاولن الإجهاض نتيجة الحمل الناتج عن الإغتصاب، حيث قالت المجني عليها لبنى (إسم مستعار) وعمرها 30 عاماً :"عدت للمنزل وأخبرت والدتي وطبعا حاولت الإجهاض بكل الطرق فذهبت لطبيبة تدعى (***)، وطلبت منها دواء لاسقاط الحمل ووصفت لي دواء وقالت لي ( إذا الحمل قوي ما بنزل واذا مش قوي بنزل) لكن للأسف ما نفع الدواء، وبعد ذلك ذهبت لطبيب يدعى (***) وأعطاني إبرتين ودواء وقال لي أيضا "بعد اسبوع يمكن ينزل ويمكن لأ حسب الحمل لكن هذه محاولة إنشالله بتزبط "، وطبعاً ما إستفدت ومره ثانيه أخذت إبرتين لكن بدون فائدة ، وأصبحت أتنقل من طبيب لطبيب ومن عيادة لعيادة الى أن أصبحت حامل بالشهر السادس فعدت للدكتور مرة أخرى وكانت المصيبة أنه أخبرني أن "كوكتيل الادوية" وكثرة محاولات الإجهاض قد شوهت الجنين، فأصبحت مصيبتي متعددة الأوجه...".
وأكدت الدراسة على أن ضحية الجريمة الجنسية تمر بمرحلتين مرحلة حادة وأخرى مزمنة قد تمتد طوال العمر، والمرحلة الحادة تستمر من ساعات لعدة أيام بعد الإعتداء الجنسي، وتعاني الضحية خلالها من إضطراب في التصرفات والسلوكيات المعتادة، وتهيج وإنفعال وغضب، ولوم النفس وشعور بالذل والتحقير والمهانة، ويمكن للضحية كتم أحاسيسها وإنفعالاتها، وإختزان معاناتها النفسية شديدة الإيلام في اللاشعور مما يسبب في كثير من الأمراض والمشاكل النفسية الخطيرة والمزمنة.
وتقول المجني عليها سهير (إسم مستعار) وعمرها 40 عاماً وهي ضحية جريمة إغتصاب :" بعد فترة من الوقت مرضت بشدة وتغيبت عن العمل، وذات يوم ... أغمي علي وتم أسعافي ونقلت الى المستشفى للعلاج وخرجت، لكنني بقيت أعاني من مشاكل نفسية تركت آثاراً صحية وجسدية علي، لذلك أعتقدت أسرتي أنني " مسحورة / جن راكبني " وأصبحت شغل أمي الشاغل من فتاح لشيخ لدجال لمشعوذ طوال الوقت ولم يتغير علي شيئ لأنني كنت أعرف سبب مشكلتي. وأستمرت هذه الحال لأكثر من أربعة أشهر ودون فائدة تذكر. أما عائلتي فإتهموني بالجنون وتم فحصي بمستشفى الأمراض العقلية / الفحيص وهناك عندما رأيت النزلاء " شفت المرضى وإنجنيت" وبقيت هناك لأكثر من شهرين في هذه المستشفى لفحص قواي العقلية، وفي المستشفى شاهدت أشياء لم أشاهدها من قبل ... حيث أن هذه التجربة بالنسبة لي كانت أشد قسوة وألماً من الإغتصاب لأنني عشت مع مجانين ... ولاحقا كان هناك تقرير يشخص حالتي بأنني أعاني من أضطراب مزاج وتم صرف العلاج لي على أن يكون لمدة طويلة حتى تستقر حالتي النفسية، وبعد ذلك تم الطلب من أخواني إستلامي من المركز الوطني للصحة النفسية لكنهم رفضوا إستلامي رغم الوعود الكثيرة منهم".
فيما قالت المجني عليها خوله (إسم مستعار) وعمرها 19 عاماً وهي ايضاً ضحية لجريمة إغتصاب :" وأنا لما روحت من الحادثة، على طول أول ما دخلت البيت قلت لأمي خديني على الشرطة وبعديها أنا مش متذكرة إشي وهي الدكتورة حولتني على طبيب نفسي، كنت تعبانه كتير نفسياً وجسدياً وأنا في نفس المستشفى كنت بدي أقتل حالي أكثر من مرة وصاروا يعطوني مهدئات وأدوية نفسية، تسع أشهر أنا أخذت الدواء مع أنه أمي ما كانت راضية أخذ الادوية".
وتشدد "تضامن" على أن إسترجاع ضحايا الجرائم الجنسية للحادثة التي تعرضن لها تسبب لهن إضطرابات قد تكون على شكل كوابيس وأحلام مزعجة، والحزن والألم والتوتر، والإعتقاد بإمكانية حدوث تكرار للحادثة، وشعور بالألم الشديد عند مشاهدة ما يذكرها بالحادث من حيث الأماكن والأشخاص، ولتجنب ذلك فقد تعمد الضحية الى الإبتعاد عن كل ما يذكرها بالحادث، وقد تلجأ الى الكحول والمخدرات، أو العزلة والإنطواء، وقد تعاني من برود عاطفي، وصعوبات بالنوم ونوبات غضب وسلوك عدواني، وتشنج وصعوبات في الإسترخاء، وصعوبات في التركيز، والمبالغة في ردة الفعل عند أي تنبيه أو ملامسة من قبل الآخرين. وخاصة عند مشاهدة الجاني فكيف إذا تزوجها؟
أما إضطرابات ما بعد الصدمة فقد تشمل كل أو بعض الأمور التالية: النوبات العنيفة، والسلوك الإجرامي، والإكتئاب، والميول الإنتحارية، والعنف الشديد، والإسراف الكحولي، والشعور بالغربة، وإنخفاض الإنتاجية، ونوبات البكاء ورثاء الذات، والموت المؤقت للعاطفة.
ثلاثة من كل خمسة أردنيين يعتقدون بأن الجاني يتزوج الضحية وفق المادة 308 للإفلات من العقاب
وفيما يتعلق بالمادة 308 من قانون العقوبات الأردني والتي تشمل عدد من الجرائم الجنسية كالإغتصاب وهتك العرض وفض البكارة بوعد الزواج والخطف، فتشير "تضامن" لإجابات الأردنيين على سؤال وردت نتائجه بالدراسة عن الاسباب التي تدفع بالجاني عرض الزواج من الضحية، أفاد 62.5% منهم بأن السبب هو لحصول الجاني على إعفاء من الملاحقة القضائية أو المحاكمة أو تنفيذ العقوبة، وكانت النسبة الاعلى بين الأردنيين في الفئة العمرية 26-35 بنسبة بلغت 72%. وأما السبب الثاني فكان لتلافي الوصمة الاجتماعية عليه بنسبة بلغت 15%.
وتؤكد "تضامن" على أننا في الأردن حققنا إنجازات كبيرة للنساء في مجالات كثيرة كالتعليم والرعاية الصحية وغيرها إلا أننا في جانب العدالة الجنائية وضمانات الحق في الوصول إلى العدالة لضحايا الجرائم الجنسية ما زلنا نراوح مكاننا أسرى تقاليد إجتماعية لم تعد تلائم العصر ولا تليق بوطننا ولا تلائم مجتمعنا في هذا الزمن.
فعندما يتعلق الأمر بنظام العدالة الجنائية وخاصة ما يتعلق بالجرائم الجنسية الواقعة على النساء والفتيات والأطفال على الأغلب، فإننا نعتبر بقاء المادة 308 أمر مؤسف لأنه يحمل دلالات واقعية ورمزية خطيرة وسلبية تشير – في حال الإبقاء على المادة - إلى موافقتنا كمجتمع على معاقبة الضحايا فقط لأنهن إناث وتمكين الجناة من الإفلات من العقاب فقط لأنهم ذكور ؟؟؟!!!
تطبيق المادة 308 ينطوي في حقيقته على إعتداء على الحق العام
وتضيف "تضامن" أن تطبيق المادة على النحو الوارد في القانون ينطوي في حقيقته على إعتداء على الحق العام فالجريمة الجنسية هي جريمة ضد الأشخاص نعم ، ولكنها أيضاً جريمة بحق المجتمع ، لأن أي تهاون معها يجعلها قابلة للتكرار من الشخص ذاته أو من غيره، مطمئناً الى أنه قادر على الإفلات من العقاب وهو وضع لا يحقق هدف التشريع الجنائي في الردع الملائم العام والخاص، وبالتالي لن تتحقق العدالة والمصلحة المتمثلة في الوقاية من الجرائم والحد من وقوعها، كما لن يتحقق هدف حماية وإنصاف الضحايا وتأهيلهن.
وتشير "تضامن" الى أن المادة 308 تسمح بالتمييز بين الناس في حالة تعدد المعتدين، أو في حالة عجز الجاني المادي عن الوفاء بمتطلبات الزواج من الضحية، أو في حالة إختلاف الدين، وخاصة إذا لم يكن الجاني مسلماً، أو إذا كانت الضحية متزوجة، كما أنها تعطي الإنطباع بتوقيت عقد الزواج وتحديد إلزاميته بمدة معينة ولو ضمنياً من خلال إطلاقها لحق المعتدي بطلاق المعتدى عليها بعد مرور خمس سنوات أو ثلاث سنوات دون عقاب.
علاوة على إفتقاد عقد الزواج في هذه الحالات إلى أحد أهم أركانه وهو ركن الرضى وأهم غاياته وهو تكوين أسرة تسودها المودة والرحمة والإحترام والسعادة.. لأن ركن الرضى وإن تحقق شكلياً إلا أنه غير متحقق فعلياً فالغاية من مثل هذا الزواج هو إتقاء الفضيحة بالنسبة للضحية والإفلات من العقاب بالنسبة للجاني - وهذا ما أكدت عليه الدراسة التي نفذتها "تضامن" - وكلاهما غاياتان لا تتوافقان والغاية من الزواج وتكوين الأسرة ... فالمودة والرحمة والإختيار الحر كلها غائبة عن مثل هذا العقد مما يتناقض مع الشريعة الإسلامية والشرائع السماوية في هذا المجال ، إن التوقيت الزمني وغياب ركن الرضى يؤدي إلى هدم ركنين أساسيين من أركان صحة عقد الزواج وهو ما أشارت إليه الفتوى الصادرة بهذا الشأن عن دائرة الإفتاء في المملكة.
وأثارت الدراسة تساؤلات تتعلق بالغاية من وجود المادة 308 في ظل إستغلال إستخدامها من أغلب الجناة خاصة في جريمتي هتك العرض والإغتصاب، حيث أكدت العديد من ضحايا الإغتصاب التي تمت مقابلتهن على إنتهاء الزواج بالطلاق قبل مرور المدد القانونية المحددة ولم يتم إعتبارها كحالات طلاق غير مشروع نظراً لضعف المعرفة القانونية للضحايا مقارنة بالمعرفة القانونية للجناة.
وجدت الدراسة ضعفاً شديداً بل إنعداماً للتنسيق بين دائرة قاضي القضاة ووزارة العدل فيما يتعلق بإعادة ملاحقة الجناة في حال تم الطلاق بدون سبب مشروع قبل إنقضاء المدد المحددة بالمادة 308، مما يشكل إهداراً وتساهلاً بالحق العام، وخلالاً لصالح مرتكبي الجرائم الجنسية يمكنهم من الإفلات من العقوبة المقررة لذلك.
68% من الأردنيين يعتقدون بأن إعفاء الجاني من العقاب وفق المادة 308 يشجعه على إرتكاب الجرائم الجنسية
تقول عايده (إسم مستعار) وهي ضحية لجريمة إغتصاب وتم تزويجها من الجاني :" تزوجته لأنو أهله ضغطوا على أهلي ودفعولهم...لو ما تزوجته كان حكمته المحكمة مؤبد أو 15 سنة حبس...عاش معي ثلاثة أشهر ثم سافر...تركني حامل...معلقة...ولم يتصل بي ولا أعرف أين هو منذ ثلاث سنوات...طلبت الطلاق...حسيت إنه خدعني وخدع المحكمة وهرب...".
وتشير "تضامن" الى أن ما ورد على لسان المجني عليها عايده يعبر عن واقع حالات عديدة من ضحايا الجرائم الجنسية، بدءاً من التردد في تقديم شكاوى رسمية ضد الجناة، ومروراً بمعاناتهن المزدوجة جراء الجرائم الجنسية نفسها من جهة والخوف من الفضيحة والعار من جهة أخرى، وإنتهاءاً بالرضوخ لمطالب فرضها المجتمع وحماها القانون بتزويج الضحايا من مرتكبي الجرائم الجنسية.
إن هذه الثقافة المجتمعية المسيئة للنساء والفتيات والتي تدين الضحايا وتنحاز للجناة قد تغيرت حسب ما أشارت اليه دراسة "الجرائم الجنسية ضد النساء- المادة 308 من قانون العقوبات الأردني نموذجاً"، حيث تبين أن 68% من الأردنيين يعتقدون بأن إعفاء الجاني من العقاب وفق المادة 308 يشجعه على إرتكاب الجرائم الجنسية. حيث أن 53% من الأردنيين أجابوا بنعم و15% أجابوا بنعم الى حد ما، مقابل 28.9% أجابوا بلا و3.1% أجابوا بأنهم لا يعرفون.
2% فقط من الأردنيين يعتقدون بأن ضحية الجريمة الجنسية تتزوج من الجاني بإرادتها الحرة
ومن الملفت للنظر الى أن موافقة الضحية على الزواج من الجاني تكون في الغالب بقرار العائلة وبنسبة بلغت 38% بين الافراد، كما أفاد ثلث الأردنيين بأن موافقة الضحية على الزواج من الجاني تكون في الغالب بقرارها الإكراهي، في المقابل أفاد 22% من الأردنيين بأن موافقة الضحية على الزواج من الجاني تكون في الغالب بقرارها وقرار العائلة معاً.
في حين انخفضت نسبة الافراد الذين أجابوا بأن موافقة الضحية على الزواج من الجاني تكون في الغالب بقرارها لوحدها بحيث سجلت 6%، وواصلت النسبة إنخفاضها لتسجل 2% لإجابة أن موافقة الضحية على الزواج من الجاني تكون في الغالب بقرارها الحر.
72% من الأردنيين ضد وقف الملاحقة أو وقف تنفيذ العقوبة بحق الجاني حتى لو تزوج من الضحية وفق المادة 308
وأشارت الإجابات الى أن 71.9% من الأردنيين لا يؤيدون وقف الملاحقة القضائية أو وقف المحاكمة أو وقف تنفيذ العقوبة إذا تم زواج الجاني من الضحية.
وتقول ليلى (إسم مستعار) وهي ضحية لجريمة إغتصاب :"إعتدى علي ومسكوه...أنا أخذوني على المحافظ لأن حياتي مهددة...حبسوني ليحموني...وهو حبسوه ليحاكموه...أهله ومحاميه عرضوا أن يتزوجني...وقالوا لي لن أخرج من السجن إلا إذا تزوجته وإلا فإن أهلي سيقتلوني...إخترت الحرية...وما عرفت أنه الموت أهون من العيشة مع مجرم".
وترى "تضامن" بأن نص المادة 308 من قانون العقوبات الأردني يتضمن تساهلاً وإهداراً للحق العام، وهو حق المجتمع ممثلاً بالدولة بمعاقبة الجاني عن الجريمة التي يرتكبها ومنها الجريمة الجنسية. ومن حق المجتمع فرض العقوبة على الجاني حتى لو تم إسقاط الحق الشخصي للمجني عليها في الجريمة الجنسية، كون الجريمة قد أخلت بأمن وإستقرار المجتمع. والقانون يسقط الحق العام بإسقاط الحق الشخصي في الجرائم البسيطة والتي لا تشكل خطورة على المجتمع.
أما في الجنايات كجرائم القتل فلا يسقط الحق العام تبعاً لإسقاط الحق الشخصي، لذا فإن "تضامن" تجد بأن المادة 308 من قانون العقوبات تهدر حق المجتمع المتمثل بالحق العام من خلال وقف الملاحقة أو وقف تنفيذ العقوبة إذا تم تزويج الضحية من الجاني خاصة في الجنايات كجريمة الإغتصاب التي قد تصل فيها العقوبة الى الإعدام، وهذا ما عبر عنه الأردنيون حينما أشار غالبيتهم الى ضرورة معاقبة الجاني عن الجريمة التي إرتكبها حتى لو تزوج من الضحية وفق المادة 308.
يعتقد 87% من الأردنيين بأن الزوج الجاني سيعامل زوجته الضحية معاملة سيئة
وتشير النتائج الى أن 87% من الأردنيين يعتقدون بأن الزوج الجاني سيعامل زوجته الضحية معاملة سيئة، وكانت غالبيتهم من الفئة العمرية الشابة 26-35 عاماً وبنسبة بلغت 92%.
أميرة (إسم مستعار) وهي ضحية جريمة إغتصاب وقبلت بتزويجها من الجاني رغبة منها في تثبيت نسب طفلها، فتقول :"لما صارت الجريمة...وطلعت حامل...كان هم أهلي يستروا الفضحية بسرعة...جوزوني إياه...لكن زواجنا ما إستمر أكثر من ستة أشهر...شفت الذل ونجوم الظهر وتحملت عشان أثبت نسب إبني بس هو أجبرني على طلب الطلاق وما سجل إبني...هو هلا حر وأنا خسرت كل شي...".
لقد بينت الدراسة بأن كثير من ضحايا الجرائم الجنسية يكرهن على الزواج من الجناة لغايات إثبات نسب أطفالهن، ولكن للأسف فإنهن لا زلن يعانين من عدم إثبات النسب بسبب طلاق الجناة لهن وإفلاتهم من العقاب، ومماطلتهن مما يزيد من معاناتهن التي قد تدوم مدى الحياة.
71% من الأردنيين يعتقدون بأن الدين لا يبيح وقف الملاحقة أو وقف تنفيذ العقوبة إذا تزوج الجاني من الضحية
وتشير النتائج الى أن 71.3% من الأردنيين يعتقدون بأن الشرائع السماوية لا تبيح وقف الملاحقة أو وقف تنفيذ العقوبة حتى ولو تزوج الجاني من الضحية، ومن الملفت للإنتباه أن نسب الأفراد في كافة الفئات العمرية، الأميين والمتعلمين بكافة مستوياتهم التعليمية، وباختلاف علاقتهم مع مؤسسات المجتمع المدني، تقاربت ولم تظهر أي إختلافات جوهرية. بمقابل 21.4% منهم أجابوا بأنهم لا يعرفون، و 7.3% أجابوا بلا.
وتقول ريم (إسم مستعار) وهي ضحية لجريمة إغتصاب :"المعتدي كان من بلد عربي آخر...عرض علي الزواج ليوقف المحاكمة وأنا إضطررت للموافقة خوفاً من القضيحة...حملت منه نتيجة الإعتداء...ولكنه ترك طقلي بدون أوراق وغادر...ولم يعد ولا أعرف عنه أي شيء".
وقصة ريم تؤكد من جديد بأن هدف الجاني من الزواج هو الإفلات من العقاب الذي حلله القانون وحرمته الشرائع السماوية، ويجسد معاناة الضحايا المستمرة.
مهما تعددت أنماط المجرمين وتنوعت أسباب الجريمة الجنسية...إلا أن الضحايا هن نفسهن النساء والفتيات
وتضيف "تضامن" بأنه وعلى الرغم من أهمية معرفة إتجاهات الأردنيين والأردنيات عن الأسباب التي تدفع بالجاني الى إرتكاب الجريمة الجنسية والتي من شأن دراستها الحد من معدلات الجريمة، إلا أن الجريمة الجنسية عند إرتكابها هي جريمة بكل الأحوال وتتطلب حماية وإنصاف الضحايا وضمان عدم إفلات الجناة من العقاب.
وبحسب الدراسة يوجد هنالك خمسة أنماط من المجرمين على النحو التالي: "المجرم بالميلاد أو الغريزة" الذي يتميز بوجود ملامح عضوية خاصة وإرتدادية، وسمات نفسية وعقلية، ومزاجية تمثل ردة وراثية إلى صفات وسمات الإنسان الأول والمخلوقات البدائية. و"المجرم المجنون" وهو مصاب بنقص عقلي يفقده ملكة التمييز بين الخير والشر، وهو يشبه في تصرفاته المجرم بالفطرة، ولذلك ينبغي أن يوضع في مصحة عقلية حتى تتقي شره ويعالج من مرضه. و"المجرم بالعادة" الذي يولد هذا المجرم دون أن تتوافر لديه صفات المجرم بالميلاد وهو مصاب بضعف خلقي، ويعتاد على إرتكاب جرائمه بتأثير ظروف إجتماعية تغرس فيه النـزعة إلى إرتكاب الجريمة، ومن أهم هذه الظروف: اتصاله بالمسجونين، وإدمانه المخدرات والخمور، والبطالة. الأمر الذي يكسبه استعداداً إجرامياً. و"المجرم بالصدفة" ويتميز هذا المجرم بعدم وجود ميل أصيل إلى الإجرام، كما أنه لا يسعى وراء الجريمة، وإنما يخضع بصورة تلقائية وقوية لمجموعة من المؤثرات الخارجية الطارئة، فيعجز عن تقدير نتائج وعواقب فعله. و"المجرم بالعاطفة" الذي لا يرتكب جريمته بسبب تكوين وراثي خاص أو ضعف في قواه العقلية، وإنما يرجع سلوكه الإجرامي إلى أسباب أخرى عاطفية مثل: الحب، والغضب، والحقد، والغيرة، والحماس، والدفاع عن الشرف. ويتميز المجرم في هذه الحالة بشعور رهف وحساسية مفرطة لا يمكن مقاومتها، وبالتالي فيدفع إلى إرتكاب الجريمة تحت تأثير الثورة النفسية والإيمان المطلق بعقيدته.
المادة 308 تزيد من حالات الزواج القسري والمبكر وتؤدي الى الحرمان من التعليم
وأشارت سجلات محكمة الجنايات الكبرى الى أن إحدى الحالات التي طبقت عليها المادة 308 خلال عام 2013 كانت لضحية عمرها 15 عاماً، والجاني يكبرها بعشر سنوات، وقد تم تزويجها منه بعد أن حكمت المحكمة عليه بالإعدام شنقاً.
إن إجبار الضحية التي لم يتجاوز عمرها 15 عاماً على الزواج من الجاني جريمة لا يمكن قبوله من كافة النواحي فهو زواج قسري ومبكر، إضافة الى حرمان الضحية من التعليم، وهو الشعار الذي رفعته حملة "نجاة – حملة التحالف المدني الأردني لإلغاء المادة 308" برسالتها رقم 15 وهو "إغتصبني...وبالإكراه تزوجني...ومن التعليم حرمني".
المادة 308 تميّز بين الجناة وبين الضحايا وتثير تساؤلات عن مدى دستوريتها
وتعتقد "تضامن" بأن المادة 308 من قانون العقوبات تتعارض مع نصوص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 وعلى وجه الخصوص المادة الثالثة منه والتي جاء فيها :"لكل فرد الحق في الحياة والحرية وفي الأمان على شخصه". وعليه فإن من واجب الدول حماية الضحية وملاحقة الجاني في الجرائم الجنسية كون فعله يشكل إعتداءاً على حق الضحية في الأمان الشخصي وإنتهاك صارخ لحريتها ويعرض حياتها الى خطر شديد.
وتقول رباب (إسم مستعار) وهي ضحية لجريمة إغتصاب :"التبليغ عن الإغتصاب فوراً ومهما كانت النتيجة لأن السكوت أو الإنتظار ليس في صالح المعتدى عليها أبداً...وقد يؤدي الى ضياع الأدلة...بل على العكس قد يفسر ضدها كما حدث معي".
وتثير المادة 308 العديد من التساؤلات حول مدى دستوريتها حيث أن الأصل في التشريعات أن تطبق على جميع الأشخاص دون تمييز أو تفرقة، غير أن الواقع يشير الى عكس ذلك، حيث يقول القاضي علي أبو زيد، مدعي عام محكمة الجنايات الكبرى :" نعم قد يكون هناك أكثر من جاني وفي هذه الحالة المجنى عليها هي من تقرر بمن تريد الزواج ولا يفرض عليها وعلى الأغلب الذي يتقدم مبكراً ويحسم أمره بإتجاه الزواج يفلت من العقاب والأخرون يحاكمون، وربما في هذه الحال قد تلمس أن هناك من عوقب وهناك من أفلت من العقاب لأنه سبق بالزواج منها، وربما البعض إمتلك المال أو السلطة أو أسرع بالمبادرة أو إمتلك المعلومة قبل الاخرين، لكن هذا هو النص القانوني ونحن ملزمين بالتطبيق والعدالة بالنسبة للقاضي تكمن في تطبيق النص القانوني."
وتضيف "تضامن" بأن المادة 308 تسمح بالتمييز بين الأشخاص في حالة تعدد الجناة أو تعدد المجني عليهن، أو في حالة عجز الجاني المادي عن الوفاء بمتطلبات الزواج من الضحية ، أو في حالة إختلاف الدين، وخاصة إذا لم يكن الجاني مسلماً، أو إذا كانت الضحية متزوجة عند وقوع الإعتداء الجنسي.