فجرا تسلل الموت الى الرفيق خالد ابو شميس، قارعا جرس الخطر لجيلنا، منتقيا خالد او فدانا خالد مؤقتا كما قال رشيد، نعلم ان الموت نهايتنا جميعا، لكنه يختار عن قصد وترصد عشاق الحياة ومتقنيها، يختار الذين ناموا على وعد الوطن بعين مفتوحة على قمح حوران وياسمين الشام، يختار دون عناية القيام بالوظيفة الاصعب والتي تحتاج الى تدقيق، لكنه يقوم بها عشوائيا، كان ينبغي بالموت ان ينتظر خالد قليلا، كي يرى على الاقل ما يثلج صدره صباح الموت في الاقصى بأيدي شباب قدِموا من ام الفحم او ام النور للدقة، فزرعوا ارض الاقصى بزهر اللوز في غير موسمه، نثروا الرصاص زهورا على المصلين قبل الغاء الصلاة، فكانت الصلاة مضاعفة الأجر، دينيا ووطنيا، فنالوا الحسنين ونلنا ما يسد الرمق قليلا من الحياة .
كان ينبغي ان يرى خالد عملية الاقصى وان يحظى بزيارة دمشق بعد غسلها درن الارهاب والمؤامرة الكونية وان يأكل المسقوف على شواطئ دجلة ثم يمضي، فنحن لا نطلب مهلة من الحياة كي نرى الاقصى محررا وربما نقتصر طلباتنا على وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال وعدم ادانة العمليات البطولية للمقاومة، وربما نتطاول في الرغبات قليلا، حدّ السماح لنا بالحياة وفق امانينا والتعبير عن دواخلنا دون قلق اجهزة التنصت الآدمية او الالكترونية، والسماح بالرغبة في الحلم بالتحرير وإقامة المجتمع التفاعلي وقليل من دولة مدنية يُلقي فيها الذاهب الى المسجد يوم الجمعة السلام على الجالس يحتسي القهوة على الشرفة بدل الازدراء، رغبات بسيطة كنا نحتاجها من الحياة، اختصرها ذات قصيدة شاعر مُلهم مختصرا رغباته بأن تغفر له أمه بُعده عنها وان يعود اللحن وطنيا وإن كان حزينا.
لم يولد خالد في المهد بطلاً، بل مجرد لاجئ في مخيم الجوفة، ولا أظن اسمه ظهر على صفحات الجرائد الا مرة واحدة، حين كانت الجرائد تنشر اسماء المقبولين في الجامعات وكان اسمه ضمن المقبولين في كلية الزراعة، لكنه ملأ الحياة شغبا وضجيجا، مارس الحب بيقين، ومشى نحو اردن وطني ديمقراطي مع رفاقه في الحزب الشيوعي الاردني دون كلل ونام اشهرا في الزنازين من اجل حلمه فغافل الزنزانة وحمل حلمه ومضى غير مدرك ان الاحزاب ستغتال الحلم ذاته، اقتبس ما يمكن اقتباسه من تجارب الحياة وقصائد الشعراء كي يمنح زويا الدهشة والفرح، زويا زوجته التي كانت تدرس الكيمياء في الجامعة ايضا وكانت مستعجلة دوما لقاء خالد، وأظنها ستعاتبه بمحبة على الرحيل السريع الذي يقارب الخيانة، وهو الذي عاش كل حياته دون خيانة ابدا، نعم، فالموت بهذه الطريقة السريعة موت يقارب الخيانة يا رفيق .
فجر الجمعة يخترق الموت شرنقة الصباح ليعلن خطف خالد، دون مقدمات، غافلني قبل يومين بلايك على المقالة وكتب “بوست” يعلن فيه (ان البقر تشابه علينا)، ونشر مقالة عن زيارة الموصل للمرة الاولى، واظنه غافل جهاد المحيسن بتعليق قبل موته بدقائق ثم صمت الى الابد، وكان الفجر بالنسبة له موسما لبدء زيارة المنفيين في معان ثمانينيات القرن الماضي او للاشراف على رفاق يبيتون في منزله او لاعداد مهمة ومنشور صباحي، قبل الانطلاق للعمل، وجد في الفضاء الالكتروني ما يجعله قريبا من الجميع، يختزل اللحظة في بوست لاذع ويضع المعلومة في كبسولة قابلة للهضم، ولم يستخدم يوما كبسولات الهضم السريع للمواقف الضحلة او ادوية الاسهال الفكري، ظل على صلابته وظلت زويا على علاقتها بالفرح ونشره .
غافلنا بموته نعم، لكن الفرح أبى ان يخذله، فكان موته في يوم المقاومة ويوم الاقصى وازيز الرصاص ووهج الشهداء، فكان له من اسمه نصيب، خالد، هل نرثيك، بالضرورة لا، فما زال لدينا مخزون منك وذكرى تسير على اقدام، ورد ونصار، ورغم الوجع ما زال لدى زويا ما تقوم به من مهام وفرح، فارقد بسلام عليك هديل الحمام.
الدستور