أخبار الأردن اقتصاديات مغاربيات خليجيات دوليات جامعات وفيات برلمانيات رياضة أحزاب وظائف للأردنيين مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس تبليغات قضائية جاهات واعراس الموقف شهادة مناسبات مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

عن جريمة قتل منظمة التحرير

مدار الساعة,مقالات
مدار الساعة ـ
حجم الخط

مدار الساعة - كتبت: لميس أندوني

قد يثير عنوان المقال سخرية من يعتقد أو يؤمن أن منظمة التحرير الفلسطينية توفيت منذ زمن، لكن السخرية قد تكون نتيجة فقدان الأمل بالمنظمة ومؤسساتها. وهذا، إلى درجة ما، مفهوم، لكن الحفاظ على المنظمة التي تحظى باعتراف عالمي واجب وضروري، حتى يتمكّن جيل جديد من تبوُّء القيادة وتكملة رحلة التحرير.
لا نرضى بوضع منظمة التحرير الحالي، ولكن أن يُصدر الرئيس محمود عبّاس مرسوما يُلحِق بموجبه المنظمة بمؤسسات "السلطة الفلسطينية"، فهو يلقي المنظمة تحت عجلات سلطةٍ كان يُفترض أن تكون مؤقتة. وأن يجعل السلطة مرجعية المنظمة، فهذا قرار خطير جدا، يرقى إلى القضاء عليها، ولما مثلته في مراحل مهمة في تاريخ حركة التحرّر الوطني الفلسطيني ومحاولة إنهاء لفكرة التحرّر الفلسطيني. ولا يملك أبو مازن، أو غيره، الحق (أو الصلاحية) لإلحاق منظمة التحرير بالسلطة، أو أن يثبّت السيطرة المطلقة للقيادة، بما لا يدع المجال لمصالحة وطنية أو لمشاركة فصائلية أو نقابية أو شعبية في المجلس الوطني الفلسطيني.
أصبحت حركة فتح حزب السلطة، في مشهدٍ سيريالي لشعبٍ ما يزال تحت الاحتلال الصهيوني
تعتقد الكاتبة أن القرار جاء ردة فعل على كل التحرّكات الفلسطينية، في الداخل والمنفى، لاستعادة مؤسسات منظمة التحرير، بما في ذلك انتخابات تنفض الجمود وتؤسّس لتمثيل فلسطيني واسع، وكأن القيادة المسؤولة عن القرار تقول للجميع إن هذه المؤسسات لم تعد موجودة، ولن تسمح بأي تغيير، بل وتريد أن تقطع الطريق على صعود خطاب تحرّري يحيي المؤسسات الفلسطينية. وهذا دليل ضعف وإفلاس، لأن القيادة سعت، وبكل قوة، إلى أن تحل السلطة الوطنية مكان منظمة التحرير في مواجهة حالة النهوض الفلسطيني، من مقاومة على الأرض وتحرّكات فلسطينيي الخارج، لاستعادة ما هو للشعب الفلسطيني. فخلافا لما هو شائع؛ لم يكن قرار تشكيل السلطة تماما امتثالا لاتفاق المبادئ بين المنظمة دولة الاحتلال (أوسلو) في 1993، وإنما هو فكرة طرحها وأصرّ عليها عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير فاروق القدومي (أبو اللطف)، المعارض لاتفاق أوسلو، ليجري فصل المؤسسة التي تدير الأمور تحت الاحتلال عن منظمة التحرير، بشرط أن تبقى الأخيرة المرجعية العليا للسلطة، غير أن ما حدث ويحدث هو العكس؛ إذ شهدنا تفريغا لمؤسسات المنظمة، والتخلي عن أهم قرارات مجالسها الوطنية، بل وتطويعها، والحرص على عدم التجديد فيها سوى بتعيينات أغلبها مدروسة لضمان الولاء.
لا عجب من أن السلطة الفلسطينية تصرّفت وتتصرّف كأي نظام يقدّس الولاء والمنافع، ليس فقط مع منظمة التحرير نفسها، بل مع حركة فتح التي أصبحت حزب السلطة، في مشهدٍ سيريالي لشعبٍ ما يزال تحت الاحتلال الصهيوني، ولا تستطيع أيٌّ من قيادات السلطة السفر من منطقةٍ إلى أخرى أو إلى خارج فلسطين، من دون إذن جيش الاحتلال الإسرائيلي. الأنكى أن القيادة التي ارتضت بتقزيم حركة فتح إلى حزب سلطة، عملت، تدريجيا، على إقصاء معظم جسم الحركة من دائرة القرار، وبات معظم أفراد الحركة يعانون من القمع والتهميش، فيما أخضعت الكوادر التي تعمل في السلطة أو تخدم في أجهزة الأمن وحوّلتهم إلى أدوات قمع، وأغلقت كل الطرق لوضع رؤية سوى مفاوضات "سلام" غير موجودة، وتبنّت فلسفة المهزوم بمجاراة الأقل سوءا في حكومات الاحتلال وفي الإدارات الأميركية، وكأن "الدولة الموهومة الموعودة" هي جائزة المهادنة ووقف المقاومة.
مجريات المعركة لا تقرّرها واشنطن، أو حتى قيادة السلطة، فالنهوض الفلسطيني مستمرّ، ولا صحة أن كل أوراق الحل في يد أميركا
نعرف كل ما تقدّم، والغريب في ذلك كله أن إسرائيل غير راضيةٍ عن القيادة المتنفذة، فالمطلوب منها، مثلا، منع أي خبر على التلفزيون الفلسطيني عن أي تهديم للبيوت أو اغتيالات للفلسطينيين، ونهب الأراضي والتمدّد لسرقة ما تبقى من فلسطين، هل هو وهم أو مصالح؟ قد يكون قد بدأ بالوهم، لكنه أضحى، وبكل بساطة، مصالح الفئات المتنفذة التي تخدعنا بانتصارات وهمية، وهي تزداد تبعية للمحتل وإملاءات الإدارة الأميركية.
اللافت، وهي ظاهرة في الأنظمة العربية، أن قرار إلغاء دور منظمة التحرير الفلسطينية لم يتخذ في عهد الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، الذي قاطعت السلطة مبعوثيه، وإنما في عهد الرئيس "الناعم" جوزيف بايدن، وهذا في حد ذاته مثير، لكن له تفسير، فالإدارة الأميركية الحالية تعاملت مع "حل الدولتين" كجزرة غير موجودة، فإسرائيل لن تسمح بإقامة أي دولة فلسطينية، واستعملت لغةً أكثر دبلوماسية، مع أن الشروط التي يطلبها مبعوث الإدارة (العربي الأصل)، هادي عمرو، لا تختلف عن أوامر مندوب سامٍ، وهي نفسها الشروط الإسرائيلية، وإن كان الفرق بين الإدارتين، السابقة والحالية، أن ترامب أراد فرض ما سمّيت "صفقة القرن"، بخبطة واحدة، فهو لم يؤمن بمجاملة "المهزومين" كما ينظر إلى العرب. بينما تؤمن الإدارة الحالية بالتدريجية، أي سياسة الخطوة خطوة التي أسّسها وزير الخارجية السابق، هنري كيسنجر، التي تقضي بدفع الطرف الأضعف إلى الاستسلام وقبول الشروط الأميركية، مقابل "تنازلاتٍ" تكون عادة على حساب حقوق الطرف الآخر. ومدرسة المفاوضات التي رسّخ تقاليدها كيسنجر لا تضمن لأميركا هزيمة الطرف الآخر، إلا إذا كان ذلك الطرف حريصا على إرضاء واشنطن، بل ويسعى إلى هذا.
شهدنا تفريغاً لمؤسسات المنظمة، والتخلي عن أهم قرارات مجالسها الوطنية، بل وتطويعها، والحرص على عدم التجديد فيها
صحيحٌ أن ميزان القوى يتحكّم بالمفاوضات ونتائجها إلى حد ما. لكن، هناك فرق بين من يقاوم على الأرض وعلى طاولة المفاوضات مع أميركا في الوقت ذاته، مثل الفيتكونغ في فيتنام، ومن يدخل المفاوضات وهو يتوهم أنه وصل إلى مصاف القيادات المحظية، كما كان الحال مع الرئيس المصري الراحل أنور السادات. وما يحدث الآن هو مفاوضات بين واشنطن وقيادات معينة في السلطة الفلسطينية، أن أميركا تريد أن تضمن هدوءا لا تستطيع السلطة أن تضمنه. والمطلوب أن تمنع، أو، على الأقل، لا تدعم انتفاضة فلسطينية، فيما تستمر إسرائيل برسم خريطة المشروع الصهيوني على الأرض وبالقوة الشرسة. ومع أن من الصعب التكهن، يبدو أن تطويع منظمة التحرير "الرسمي"، وفقا لقرار أبو مازن، هو تجاوب مع المتطلبات الأميركية.
صحيحٌ أن السلطة تخشى من اتساع التحرّكات الفلسطينية لاستعادة منظمة التحرير، وبالتالي نشوء قيادة جديدة، لكن هناك بعد آخر؛ فإلى وقت قريب، كان الجدل القائم في دوائر القرار الأميركي يدور حول إعادة فتح مكتب منظمة التحرير في واشنطن. ولكن هناك معارضة في أوساط الكونغرس وإسرائيل، وهناك قلق من موجة الغضب الفلسطيني واتساع حركة التضامن العالمية. لذا، إن جعل المنظمة مجرّد دائرة داخل السلطة تجردها أو تحاول تجريدها من أي معنى نضالي. وعليه، تفقد موافقة أميركا على إعادة فتح مكتب منظمة التحرير في واشنطن أي معنى، حتى لو برزت قيادة تحرّرية تحاول استعادة المنظمة فستكون مجرّد مكتب في السلطة.
يجب رفض ما يحدُث، وعدم الاكتفاء بالقول إن منظمة التحرير انتهت، الشعب الفلسطيني تحرّك، وواشنطن لا تتحرّك بشكل عشوائي، بل تنظر إلى التبعات الاستراتيجية لقرار أبو مازن. لذا، المطلوب دائما إنهاء أي نفَس تحرّري، وإغلاق أي نافذة ضد قوى التغيير التحرّرية. ومجريات المعركة لا تقرّرها واشنطن، أو حتى قيادة السلطة، فالنهوض الفلسطيني مستمرّ، ولا صحة أن كل أوراق الحل في يد أميركا، فذلك تفكير يجول فقط في عقول المهزومين وقلوبهم.
العربي الجديد
مدار الساعة ـ