كتب: د. عاطف الحجايا - مستشار جلالة الملك المعظم لشؤون العشائر
بكبرياء الأردنيين وعزهم وفخرهم، نتكاتف اليوم لنحيي مناسبة وطنية خطّها جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم حفظه الله ورعاه لإخوانه من رفاق السلاح في ميادين الشرف والبطولة، أصحاب الجباه السمر والهامات العالية، بناة رفعة الوطن، أهل التضحية الذين واجهوا الصعاب وكان لهم لقاءات مع الموت، أرادوا الشهادة التي نالها رفاق لهم ليحيا الوطن ويبقى شامخاً عزيزاً، وهم الذين رسموا صفحات مشّرفة عابقة بالنصر، وخطّوا ذاكرة الوطن بقلم البسالة، فهم الرجال الاوفياء من المتقاعدين العسكريين والمحاربين القدامى، وما زال لسان حالهم ينطق شوقاً لاعتمار الخوذة ولبس الفوتيك وحمل السلاح، فلا تقاعد للشجاعة والإخلاص، ولا استراحة على درب الشهادة.
وهنا لا بد أن أستذكر كلمات الراحل العظيم المغفور له الحسين بن طلال طيب الله ثراه عندما وصف ابطال الجيش الأردني المصطفوي عشية يوم المعركة عندما قال «لقد باتت البطولة، وأصبحت الرجولة صناعة قواتنا المسلحة، وشيمتها الأبدية، وإننا نعتز بكوكبة الشهداء الأردنيين الذين تطرزت كل الروابي بدمائهم الزكية الطاهرة، وقد جاورت أرض المعراج والصعود، وفاح العبق الأردني في باب الواد، وتخضبت هضاب الخليل ونابلس وجنين وطولكرم وقلقيلية بالنجيع الطاهر.
فكما كان اعتزاز الحسين الباني طيب الله ثراه بالجنود البواسل من منتسبي القوات المسلحة الأردنية والأجهزة الأمنية، فقد كان كذلك اعتزاز وفخر الملك المعزز عبدالله الثاني ابن الحسين حفظه الله ورعاه بهم، فهم رفاقه في ميادين ووحدات وتشكيلات القوات المسلحة، فكان وفاؤه لهم كبيراً، فكرمهم بتخصيص يومٍ الخامس عشر من شهر شباط من كل عام يوماً وطنياً للاحتفاء برفاق السلاح من المتقاعدين العسكريين والمحاربين القدامى، يوماً يحملُ في طياته معاني ودلالاتٍ عميقة لهذا التاريخ، وتقديراً لعطائهم وتضحياتهم الجليلة عندما سطّروا أروع البطولات في الذود عن ثرى الأردن الطهور وفلسطين، وفي هذا اليوم نتنسم عبق الشهادة ونحن نستذكر معركة الصمود التي فيها قبس ونسائم من معركة الكرامة.
وان المكرمة الملكية السامية لرفاقه في السلاح من المتقاعدين العسكريين والمحاربين القدامى بتخصيص يوم وطني لهم، تأتي استكمالاً لسلسلة المكارم الملكية السامية التي شملت كافة منتسبي القوات المسلحة والأجهزة الأمنية من متقاعدين وعاملين، نظراً للمكانة الخاصة لهم في وجدان الاردنيين، ولإيمان جلالة الملك المعظم المطلق بالكفاءة والمهارة التي يتمتع بها منتسبو القوات المسلحة والأجهزة الأمنية من عاملين ومتقاعدين، وتجسيداً لدورهم الريادي في بناء صروح الوطن والدفاع عن مكتسباته وصونها، فهم الذين كانوا ومنذ تأسيس مملكتنا الزاهية أحد الثوابت الرئيسية لأمن واستقرار الوطن وازدهاره.
لقد جاء التكريم الملكي لكوكبة المتقاعدين العسكريين والمحاربين القدامى، تأكيداً لدورهم الكبير في حفظ كرامة الوطن وعزته وشموخه، فهم الذين ساندوا ورافقوا الملوك الهاشميين في بناء الدولة الأردنية، وهم الذين كانوا وسيبقون الرديف الأمثل للقوات المسلحة والأجهزة الأمنية، وهم الذين رسموا صوراً مشرقةً في التميز والاحترافية والبطولة، وهم الذين حملوا أرواحهم على أكفهم عندما كانوا يذودون عن حمى الوطن في معارك الوغى عبر مائة عام من عمر الدولة الأردنية، وساروا بخُطىً ثابتةٍ نحو المئوية الثانية يساندون المؤسسات الوطنية ويعززونها برفدها بالكفاءات المدربة التي تم تأهيلها في أرقى المعاهد الأكاديمية والعسكرية المحلية والعالمية.
وان الاهتمام الملكي الهاشمي برفاق السلاح من العسكريين العاملين والمتقاعدين ليس بجديد، بل تأكيد على أنهم كانوا على الدوام ضمن سلم الأولويات الثابتة لدى جلالة الملك المعظم، وبأنهم يحظون بالمكانة الاستثنائية لدى الأردنيين الذين ينظرون للجيش بإكبار، ويشعرون بسعادة كبيرة في كل مرة تشملهم فيها المكارم الملكية التي تضمن لهم الحياة الكريمة التي تليق بهم تقديراً وعرفاناً لتضحياتهم.
وأن اختيار جلالة الملك عبدالله الثاني يوم الوفاء للمتقاعدين العسكريين والمحاربين القدامى مناسبة للإعلان عن مكرمة ملكية جديدة تضاف الى سلسلة المكارم والتي تمثلت ببرنامج «رفاق السلاح»، والذي عمل على إنجازه وبكل تفاصيله سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله المعظم حفظه الله ورعاه، والتي اشتملت على محاور أساسية تتعلق بالإسكان العسكري وصندوق الائتمان العسكري والتوجيه لتوفير مسارب خاصة في الدوائر الحكومية والمطارات تسرع في حصولهم على الخدمات، وتأهيل وتدريب الافراد العاملين وتزويدهم بالمهارات والمعارف التي تمكنهم بعد التقاعد من الانخراط والعمل في مختلف القطاعات.
فالاهتمام الملكي السامي وتوجيهه للاهتمام بالجانب التأهيلي للمتقاعدين العسكريين قد مكن افراد القوات المسلحة من أداء ادوار تتجاوز دورهم العسكري، لا بل امتد عطاء منتسبيها من عاملين ومتقاعدين كرديف لمؤسسات الدولة في القطاعات الطبية والتعليمية والاقتصادية وبات يشكل كل واحد منهم مِعول بناء في مسيرة التنمية الوطنية، ولعل قصص النجاح والتميز التي نشاهدها كل يوم لمتقاعدين عسكريين في جميع القطاعات وخاصة في المجال الطبي باتت تشكل بمجموعها شواهدَ ساطعةٍ على أهمية التأهيل والتدريب الذي حظوا به خلال مسيرة خدمتهم في مؤسسات وصنوف وتشكيلات القوات المسلحة والاجهزة الأمنية وخصوصاً الخدمات الطبية الملكية.
وقبل أن اختم هذه الخاطرة لزملائي رفاق السلاح متقاعدين وعاملين في ميادين الشرف والعطاء والتضحية والبطولة في يومهم الوطني، فلا يفوتني الإشارة الى الحرص الشخصي لجلالة الملك عبدالله الثاني المعظم على الالتقاء المستمر مع رفاقه في السلاح من المتقاعدين العسكريين والمحاربين القدامى فأصبح نهجاً هاشمياً وسنة حميدة دأب عليها جلالته، وتأكيده على رغبته الدائمة للبقاء قريباً منهم لحبه لهم والاستماع إليهم والاستفادة من خبراتهم وتجاربهم.
كما يحرص جلالة الملك على زيارة رفاقه واخوانه في وحداتهم العسكرية الميدانية ومدّهم بالعزيمة والقوة، يستذكر معهم اللحظات التي لا تنسى ابان الخدمة العسكرية، إضافة للحضور والمشاركة في بعض مراحل التدريب، وبتواضع هاشمي يجالسهم ويشاركهم وجبات الطعام، الامر الذي يترك اثراً بالغاً وكبيراً لدى رفاقه في كل مرة يزورهم خلالها.
كما وأن زيارات التواصل التي يقوم بها جلالة الملك المعظم للمتقاعدين العسكريين من رفاق الدرب والسلاح في بيوتهم والالتقاء مع أبنائهم، تأتي على وفائه لهم ورغبته الأكيدة بتفقد احوالهم والاطمئنان عليهم، وتوجيه المكارم الملكية لتشملهم في مجالات التعليم والرعاية الصحية والمساكن وغيرها.
ولا يفوتني الإشارة الى المكارم الملكية السامية التي خص بها جلالة الملك المعظم ذوي شهداء الجيش العربي والأجهزة الأمنية وشمول اسرهم وعائلاتهم بهذه المكارم، والتوجيه المباشر لشمولهم بصندوق الإسكان العسكري، وحرصه على الالتقاء بهم في كل مناسبة وخصوصاً يوم الجيش وذكرى معارك البطولة والتضحية، والتوجيه المستمر الى الوقوف على احتياجاتهم وتلبيتها مهما كانت، ومنح ابنائهم بعثات سنوية لأداء مناسك الحج، ومنح دراسية في المدارس والجامعات وتقديم الرعاية والخدمات الصحية لأبناء الشهداء واسرهم.
وبالنسبة لنا كمتقاعدين عسكريين من القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، فإن هذا التكريم الملكي يعتبر وسام عز وفخر نزيّن به جباهنا وصدورنا ما حيينا، ويعطينا الحافز والدافع لبذل المزيد من التضحية ليبقى الوطن صامداً قوياً في وجه كل من يحاول المساس بأمنه واستقراره، ونزجي اجمل التحايا إلى جيشنا العربي المصطفوي واجهزتنا الأمنية الذين حملوا اسم ورسالة الثورة العربية الكبرى وصاغوا منها دستورا للشرف وعنوانا للصبر والشهادة، والذين ما تخلوا يوما عن أداء واجبهم وتقديم ارواح أبنائهم ودمائهم للدفاع عن الحرية ودحر الطغيان ببسالة أبنائه الذين بقوا على العهد أوفياء مخلصين.