مدار الساعة - قبل أكثر من ثلاثة شهور كان التحرك الأول لمختبر سياسة الصحة العامة في الأردن، الذي انبثق عن منتدى دعم قطاع العدالة التابع لمنظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض) ودرة المنال للتنمية والتدريب، وتمثل هذا التحرك بجلسة تشاورية حول المساءلة الطبية وأطر الحماية القانونية، ثم بدأت اجتماعات أعضاء المختبر وهم خبراء في مجالي العدالة والصحة، واضعين نصب أعينهم هدفاً واحداً: تأطير وتعزيز حواراتهم والبناء عليها من خلال توفير مجموعة من الأدوات والنُهج التحليلية بهدف المزاوجة بين الحق في الصحة والعدالة للارتقاء بالقطاع الصحي الأردني الذي تراجع بفعل جائحة كورونا، مما أدى إلى زيادة قضايا المساءلة الطبية وتنامي فجوات الخدمات الصحية .
حيث شهد يوم الأربعاء 19 كانون الثاني/ يناير الاجتماع الدوري الرابع لمختبر سياسات الصحة العامة في الأردن، وقدمت له المديرة التنفيذية لمنظمة النهضة العربية (أرض) سمر محارب، وشارك فيه كل من الدكتورة رنا جواد من جامعة باث، والدكتور شهير زكي من جامعة القاهرة، والبروفيسور راشيل فوستر من جامعة ويسترن أونتاريو بحضور ممثلين عن قطاعي الصحة والعدالة ونشطاء اجتماعيين واعلاميين وممثلي المجتمع المدني المحلي والدولي.
"من أساسيات النظرة الشمولية اعتبار الحق في الصحة أولوية قصوى" وفقاً لمديرة الاجتماع الدكتورة سوسن المجالي التي أكدت أن هذا الحق لم يرد في الدستور الأردني، وهذا ما يجعل الواقع الصحي رهن قرارات موسمية مرتبطة بالسياسات والموارد المالية، مشيرة إلى سعي مختبر سياسات الصحة العامة لتكون الخدمات الصحية من الحقوق الأصيلة لكل من يعيش على أرض الأردن.
"كان لارتفاع قضايا المساءلة الطبية الدور الأكبر في تحرك منتدى دعم قطاع العدالة وإنشاء مختبر السياسات“ كما بينت سمر محارب، التي أكدت أن ما حل بالقطاع الصحي بسبب جائحة كورونا تطلب تظافر الجهود من منظمات المجتمع المدني لدعم القطاع الصحي، مشددة على أهمية الاستدامة والتشاركية وجهود المناصرة لتحقيق الأثر المطلوب.
وأكدت محارب أن المرحلة القادمة ينبغي أن تسعى لتطوير ما تم العمل عليه سابقاً والانتقال من الحوارات لصناعة السياسات المبنية على الأدلة، والاستفادة من خبرات الشركاء الإقليميين والدوليين في هذا الصدد.
العمل بشفافية، والصبر وطول النفس، والطموح الكبير رغم قلة الإمكانيات، واستغلال الأدوات والمؤشرات الموجودة بأفضل ما يمكن، والعمل على تطوير نقاط القوة، كل ذلك أساس نجاح مختبرات السياسات الصحية بحسب الدكتورة رنا جواد، التي أكدت أن مختبر السياسات يقوم على التجريب الدائم، سواء في طرح الحلول أو مقترحات إصلاح القوانين ومدى فعالية التدخلات ومناسبتها للتغيير المنشود الذي يتمثل بالمساهمة في إحقاق الحماية الاجتماعية في الأردن بما فيها الحق في الصحة.
إقليميا وفي استعراضه لفكرة تطبيق مختبر السياسات الصحية في مصر من خلال التعاون بين جامعتي القاهرة وباث والأهداف التي حققها والتحديات التي واجهته، قال الدكتور شهير زكي إن مختبر السياسات منحهم مساحة للحديث في سياسات الحماية الاجتماعية مع الجهات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني وجهاً لوجه، أي أنه جمع كل الأطراف المعنية بسياسات الحماية الاجتماعية على طاولة واحدة ولم يكن هذا الأمر متاحاً من قبل، كما أن المختبر ساهم في حصر النقاط التي ينبغي العمل عليها، والإجابة على أسئلة محددة كانت الجهات الحكومية ذاتها بحاجة لمعرفة إجاباتها، أما التحديات فتمثلت بفكرة الاستدامة من حيث الوقت والمشاريع، وبقاء الشركاء ذاتهم على مدى فترة عمل المختبر، وإلى أي مدى سيخرج المختبر بورقة سياسات واضحة للرد على الأسئلة المطروحة من أصحاب القرار .
دولياً وعن تجربة مختبر السياسات الصحية في المملكة المتحدة، قالت البروفيسورة فورستر إن التشاركية كانت التحدي الأهم من خلال جمع نطاق واسع من المعنيين وعدم استثناء أي طرف. وبينت المواضيع التي تم العمل عليها والآلية الأنجع لذلك مبينة ضرورة التشاركية والالتزام لتحقيق الإصلاح المطروح.
وقدمت الدكتورة ماريا لوغرانو من منظمة النهضة (أرض) عرضاً لأهم الآليات والمشاكل القانونية المتعلقة بالقطاع الصحي التي تعاملت معها المنظمة خلال العام الماضي، وعلى رأسها مشكلة حجز الوثائق الشخصية للمرضى من قبل المستشفيات لغايات استيفاء المستحقات المالية، حيث تعاملت أرض من خلال فروعها المنتشرة في المملكة مع 611 حالة واجهت مشكلات مع القطاع الصحي.
وأجمع المشاركون على أهمية عرض الأدلة البحثية التي ستصدر عن المختبر بطريقة يسهل الوصول إليها من قبل الخبراء وصناع القرار والمرضى، والتأكد من أن جميع المعنيين قد حصلوا على الفرصة لإيصال أصواتهم، إضافة إلى معرفة الطريقة التي تتخذ بها القرارات الصحية في الأردن وهل تُطبق أم تبقى مجرد قرارات، فضلاً عن التعرف على أهم العقبات التي تواجه القطاع الصحي لتكون النقطة التي يتم الانطلاق منها.
كما شددوا على أن السياسات الصحية ليست حكراً على القطاع الصحي فقط، بل مسؤولية مشتركة بين القطاعات المتعددة فأي سياسة تطرح يجب أن تشمل كافة الجهات المعنية لضمان التشاركية في تطبيقها وتعزيز فرص نجاحها.
وأكد المشاركون على ضرورة تحديد الجهات المعنية بأي سياسة مطروحة وتعزيز الحوار المستمر والتشبيك مع جميع الجهات الرسمية والخاصة والمجتمع المدني المعنيين بالقطاع الصحي للخروج بتوافقات، وتعميم سير العمل وقصص النجاح ومؤشرات الإنجاز لصانع القرار والإعلام على حد سواء.
لا ينقص المنطقة العربية الإستراتيجيات الجيدة، وإنما ينقصها التنسيق والتشاركية وتحديد الأولويات عبر سياسات وآليات عمل موحدة، كان ذلك بإجماع المشاركين في الاجتماع، ومما يزيد الآمال بمختبر السياسات الصحية هو الالتزام البادي للجهات المعنية، وكذلك الرغبة بالمشاركة والتطوير والتغيير.