مدار الساعة - نشر مركز «ستراتفور» للدراسات الإستراتيجية والأمنية تقريرًا يستشرف مآلات الإصلاحات التي يعتزم الرئيس التونسي، قيس سعيد، اتخاذها في عام 2022، وتأثيرها في التحول الديمقراطي في تونس وغيرها من دول المنطقة.
في بداية التقرير، يتوقع المركز الأمريكي أن تؤدي الإصلاحات المؤسسية في عام 2022 إلى زيادة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي في تونس، ويرجح أن تؤثر في الحكومات الأخرى في المنطقة في إبطاء تحولاتها الديمقراطية.
وفي 13 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أعلن الرئيس التونسي قيس سعيد أنه سيُجري استفتاءً دستوريًّا في يوليو (تموز) 2022، وأن الهيئة التشريعية في البلاد ستظل معلَّقة حتى إجراء انتخابات جديدة في ديسمبر المقبل، وبينما تضع هذه الإعلانات خريطة طريق للإصلاحات المؤسسية خلال العام الجديد، فإنها تولد أيضًا قدرًا كبيرًا من حالة عدم اليقين بشأن مستقبل البلاد السياسي والاقتصادي.
ويأتي إعلان سعيد الذي طال انتظاره في أعقاب قرارات السلطة التنفيذية المفاجِئة التي أصدرها الرئيس في 25 يوليو، والتي جَمَّدت عمل البرلمان وعزَّزت السلطة الرئاسية وأطلقت عددًا من المحاكمات المرتبطة بمكافحة الفساد التي تركِّز على السياسيين ورجال الأعمال، وكل ذلك باسم استقرار اقتصاد تونس وتحسين أداء الحكومة.
تأثير الإصلاحات
وأوضح التقرير أن بعض الإصلاحات الرئيسة سوف تشمل تغيير الطريقة التي يعمل بها البرلمان التونسي، الأمر الذي يخلق حالة من الضبابية فيما يتعلق بسلطة المجلس التشريعي في الأمد القريب، ولكنه قد يزيد من كفاءته في الأمد البعيد. وستجتمع المجالس القضائية والدستورية والمجتمع المدني في الأشهر المقبلة لمناقشة التعديلات الدستورية المحتملة قبل استفتاء يوليو.
ويكاد يكون من المؤكد أن تشتمل التعديلات على تغييرات في طريقة وضع البرلمان المنتخب شعبيًّا للسياسات ومناقشتها، وذلك بهدف تخفيف الإحباط المتزايد لدى التونسيين إزاء الاقتتال السياسي شبه الدائم والجمود التشريعي الذي أعاق المجلس التشريعي منذ تأسيسه في عام 2014.
وعلى الرغم من أن تلك التغييرات قد تؤدي في البداية إلى حالة من عدم اليقين لبعض الوقت، فإن مثل هذه التغييرات البنيوية قد تؤتي أكلها في الأمد البعيد إذا ما عززت البرلمان وحسَّنت، في المقابل، النظام السياسي الذي كافح من أجل الحكم بكفاءة في ظل دستور ما بعد الربيع العربي في تونس، ولكن هناك احتمالًا بأن تؤدي الإصلاحات أيضًا إلى إضعاف نفوذ البرلمان على سياسة الحكومة، الأمر الذي قد يكون له تأثير معاكس ويزيد من إثارة غضب التونسيين.
وأضاف التقرير أن برلمان تونس المنتخب شعبيًّا هو نِتاج مجموعة الإصلاحات التي مُرِّرت في أعقاب احتجاجات الربيع العربي في تونس عام 2011، ولكن المشاحنات بين الأحزاب أعاقت منذ ذلك الحين قدرة الهيئة التشريعية على اتخاذ القرارات وتنفيذ السياسات، وقد أدَّى هذا إلى إجماع متزايد في السنوات الأخيرة على أن الطريقة التي أُسِّس بها البرلمان معيبة بطبيعتها وتحتاج إلى إعادة هيكلة لضمان استجابة المشرِّعين لاحتياجات ناخبيهم.
وانخفضت معدلات القبول للبرلمان التونسي انخفاضًا كبيرًا في السنوات الأخيرة، وهو ما يفسر سبب شعبية الخطوة التي اتخذها سعيد بتعليق الهيئة التشريعية في البداية. وحتى حزب النهضة، الحزب الرئيس في البرلمان، اعترف هذا الصيف في أعقاب المراسيم التنفيذية التي أصدرها سعيد بأن هناك إمكانية لتحسين وظيفة الهيئة التشريعية.
ويمكن أن تؤدي الإصلاحات أيضًا إلى نظام سياسي تونسي أكثر استبدادًا إذا ما تضمَّنت زيادة واسعة النطاق في السلطات الرئاسية، وهو ما من شأنه أن يحفز رد فعل غاضب من الجمهور التونسي، ومع تولي سعيد قيادة الفترة الانتقالية المقبلة في تونس، فمن الممكن أن يوسِّع نطاق سلطته الرئاسية على مزيد من فروع الحكومة ومؤسسات الدولة. ويزداد هذا الاحتمال مع استمرار تعليق البرلمان التونسي ومن ثم عدم قدرته على العمل رسميًّا، وهذا من شأنه أن يؤثر تأثيرًا هائلًا في الاستقرار السياسي في تونس عن طريق الإخلال بتوازن القوى القائم بعناية بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في البلاد، ومن المرجح أن يقاوم المجتمع المدني النشط في تونس أي محاولات من جانب سعيد لتوسيع السلطة التنفيذية، وربما يحاول توسيع سلطة المؤسسات الأخرى لمواجهة مثل هذه التغييرات.
ويشير التقرير إلى أن النقَّاد المحليين والأجانب يشعرون بالقلق من أن مراسيم سعيد المفاجِئة في يوليو تشير إلى نيته في بناء نظام سياسي أكثر سلطوية، وإضعاف الرقابة التشريعية على السلطة التنفيذية، لافتًا إلى أن سعيد خبير في القانون الدستوري، ويعرف كيف يستخدم نص الدستور لمنح نفسه سلطة أكبر.
تعقيد المشكلات الاقتصادية
ويرجِّح التقرير أن يؤدي التحول السياسي في العام المقبل إلى تعقيد المشكلات الاقتصادية القائمة في تونس بدلًا من حلها، ولكي ينمو اقتصاد تونس على نحو مستدام، يتعين على الحكومة التونسية إدخال مزيج من الإصلاحات البنيوية على القطاع الخاص الذي يتَّسم أداؤه بالضعف. وسوف تكون تونس بحاجة أيضًا إلى تحسن المناخ الاقتصادي العالمي قبل أن تتمكن من استعادة الطلب على صادراتها، وعلى وجه التحديد السلع الزراعية والمعادن مثل البوتاس، فضلًا عن قطاعات أخرى مثل السياحة، وأخيرًا، سوف يكون لزامًا على مجتمع الأعمال في تونس أن يبدي تأييدًا صادقًا للمسار السياسي الذي اقترحه سعيد.
وليس من المرجَّح أن يتحقق أيٌّ من هذه المتطلبات الأساسية الثلاثة المسبقة للنمو الاقتصادي التونسي في عام 2022، وهو ما يعني أن سعيد لديه فترة زمنية محدودة يستطيع خلالها أن يقود البلاد إلى التحول السياسي مع الاحتفاظ بالدعم الشعبي، وهو ما يتوقف إلى حد كبير على مدى جودة أداء الاقتصاد التونسي.
وقال سعيد إن تدابيره والتغييرات السياسية التي اتخذها في 25 يوليو، تهدف جزئيًّا إلى التخفيف من حدة المشكلات الاقتصادية في تونس، ولكن فترة التجارب البنيوية وصياغة الدستور والانتقال السياسي التي بدأها من المرجح أن تزيد من إطالة أمد المشكلات الاقتصادية في تونس من خلال تأجيل الحلول لصالح تأسيس حكومة جديدة.
وتشير استطلاعات الرأي الشعبية إلى أن التونسيين قلقون بشأن الاقتصاد أكثر من الطبيعة الديمقراطية للنظام السياسي في تونس، وهو ما يعني أنهم سوف يقيسون على الأرجح نجاح رئاسة سعيد بتحسن الوضع الاقتصادي في بلادهم، وفي الحالة المحتملة التي لا تعالج فيها إصلاحات سعيد والمسار السياسي المشكلات الاقتصادية في تونس في العام الجديد، فإن ثقة الجمهور في الحكومة بالكامل سوف تنخفض، وهو ما يزيد من مخاطر الاحتجاجات ذات الدوافع السياسية والاقتصادية.
تأثيرات في حكومات عربية أخرى
وينوِّه التقرير إلى أن الحكومات العربية الأخرى التي تمر بتحولات من الأنظمة الاستبدادية ستراقب عن كثب جهود الإصلاح في تونس خلال العام المقبل؛ لتحديد نوع التغيير السياسي الواقعي في بلدانهم، وعلى مدى سنوات، دعمت وسائل الإعلام الأجنبية والمؤسسات الغربية تونس بوصفها المثال الأفضل للانتقال من الاستبداد إلى الديمقراطية.
وإذا ما أصبح النظام السياسي في تونس أكثر استبدادًا نتيجة للإصلاحات السياسية التي سيُجريها سعيد في عام 2022، فإن هذا سوف يحول أبرز حالة نجاح في الربيع العربي، فيما يتصل بالتحول الديمقراطي، إلى فشل، وفشلٌ من هذا القبيل سوف يُقنع الحكومات والشعوب العربية الأخرى بعدم جدوى الإصلاحات الديمقراطية التي تهدف إلى دمج أصوات أكثر شعبية وأصوات المجتمع المدني في الحكومة.
وفي الختام، يلفت التقرير إلى أن جماعات المجتمع المدني في الشرق الأوسط تضغط في كثير من الأحيان على الحكومات ذات مراكز القوى، مثل مصر والأردن ودول الخليج العربي، من أجل إدخال إصلاحات ودمج سياسات أكثر ديمقراطية، ولكن من المرجِّح أن تنظر هذه الحكومات إلى فترة التحول السياسي غير اليقيني في تونس بوصفها دليلًا على عقم هذه الإصلاحات، وستؤدي أي تطورات سلبية في الاقتصاد التونسي إلى تقويض القيمة المتصورة للإصلاحات الديمقراطية لدى هذه الحكومات، والتي تثمن بشدة الاستقرار الاقتصادي.
ساس بوست