مدار الساعة - كتب: صَالِح الرِّيمِي - أجمل رسالة اليوم وصلتني من أحد المتابعين يقول فيها: "صالح إن مقالاتك وخواطرك التي تبثها لي كل يوم، أجد فيها نبراس حياة وطريق هدى، فتذكرتك في سجودي بدعوة صالحة بظهر الغيب أن يصلح الله حالك ويرزقك من حيث لاتحتسب"..
يعتبر دعاء المرء لأخيه دون علمه من أجمل معاني الأخوة في الله، وأصدق مشاعر الحُب، والدعاء عمومًا من أعظم العبادات التي يتوجه بها العبد لربه جلّ وعلا..
ولهذا إذا دعوت لأخيك المسلم بشيء، فإن ذلك الدعاء أكثر استجابة لك؛ لأن دعاء الملائكة مستجاب، فعندما تقول لأحدهم "إني أدعو لك بظهر الغيب"، فهي ذاتها كأنك تقول له "أحبك"، ولكن بطريقة أعمق وأصدق وأرق، ومن يذكر من يحب في دعائه إلا وقد صدق حبه، وتخيلوا أن يثني أحدهم ركبتيه في خلوته، ويرفع يديه متضرعًا لله، ويرسل اسمك أنت بالتحديد إلى الله عزوجل مرتبطًا بأمنيات ودعوات صالحة لك، أليس هذا حُبًا؟
كان بين الصحابيان الجليلان كعب بن مالك وأبو أمامة أسعد بن زرارة صُحبة ووفاء، وكان كعب يتعاهد الدعاء له كلما خرج إلى صلاة الجمعة، وقد ذكر الإمام الذهبي في "سير أعلام النبلاء 1/ 242" عن ابن إسحاق بسنده إلى عبد الرحمن بن كعب بن مالك قال: "كنت قائِدَ أبي حين عَمِيَ، فإذا خرجتُ به إلى الجمعة، فسمع الأذان صلَّى على أبي أمامة، واستغفر له، فقلت: يا أبتِ! أرأيت استغفارك لأبي أمامة كلما سمعت أذان الجمعة ما هو؟.
قال: أي بُنَي! كان أول من جمع بنا بالمدينة في هزم النبيت، من حرة بني بياضة، يقال له: نقيع الخَضَمات. قلت: فكم كنتم يومئذٍ؟ قال: أربعون رجلًا، وكعب بن مالك كان يتذكر فضل صاحبه أبي أمامة أسعد بن زرارة حين صلى بهم أول صلاة جمعة في ذلك الحي من المدينة.
يقول شخص رأيت صاحبًا لي يصلي على سجادة حمراء فمازحته على لونها، فأشعلت إجابته شرارة الوفاء حين قال: هذه السجادة لها حكاية، فقد استأذنت ورثة أمي رحمها الله أن تكون من نصيبي؛ كي أترحم عليها في كل سجدة أسجدها..
ويحكي صاحبٌ آخر عن حال أحد الأدباء حين يكتب قصيدة فإنه يذيلها بعبارة: "غفر الله له ولوالديه"، لعل قارئًا يؤمن على دعوته فتوافق بابًا مفتوحًا..
وآخر من عادته أن يتحين إلحاق سلامه على من يعرف أو لا يعرف بالدعاء لوالديه كأن يقول: "الله يرحم والديك" وغرضه أن يجيبه الآخر بدعوات مماثلة لوالديه.
ترويقة:
أدعوا سرًا لمن تحبون فإن الحُب دعاء، فلا تدرون ما يمر به أحبابكم من ضيق أو هم، فلعل بدعاء أحدكم في ظهر الغيب تفرج كربه.
ومضة:
كان رسول الله صلى الله عليه يقول: (دَعْوةُ المرءِ المُسْلِمِ لأَخيهِ بِظَهْرِ الغَيْبِ مُسْتَجَابةٌ، عِنْد رأْسِهِ ملَكٌ مُوكَّلٌ كلَّمَا دَعَا لأَخِيهِ بخيرٍ قَال المَلَكُ المُوكَّلُ بِهِ: آمِينَ، ولَكَ بمِثْلٍ)، رواه مسلم.
