مدار الساعة - كتب الباشا مروان العمد
جلالة الملك ومخرجات اللجنة الملكية
عندما اقدم جلالة الملك على تشكيل اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية كان ذلك بقرار منه ، وبعد ان سدت في وجهه كل طرق التحديث التي طالب بها طوال عهده من جميع من تقع على عاتقهم مسؤولية ذلك . وجلالته وعندما قام بتشكيل اللجنة وجه رسالة الى رئيسها حدد فيها مجال عملها والوقت الذي يجب عليها ان تنهى عملها خلاله ، وجعل من نفسه ضامناً لمخرجاتها ووصولها الى مجلس النواب .
وقد حددت الرسالة الملكية الخطوط العريضة لعمل اللجنة بالنقاط التالية
1 - ان تكون مهمتها( وضع مشروع قانوني الانتخاب والاحزاب السياسية ، والنظر بالتعديلات الدستورية المرتبطة بالقانونين حكماً ) ، وآليات العمل النيابي . وتقديم التوصيات المتعلقة بتطوير التشريعات الناظمة للإدارة المحلية وتوسيع قاعدة المشاركة في صنع القرار وتهيئة البيئة التشريعية والسياسية الضامنة لدور الشباب والمرأة في الحياة العامة .
2 - الخروج بإطار تشريعي يؤسس (لحياة حزبية) فاعلة قادرة على اقناع الناخبين باطروحاتها للوصول الى ( برلمان قائم على الكتل والتيارات البرامجية ) وتأسيس لمرحلة متقدمة في اسلوب ممارسة السلطة التنفيذية لمسؤولياتها ( استناداً لقواعد واحكام الدستور الاردني ) .
3 - إيلاء الاهتمام ( بدور الشباب ) وتحفيزهم للمشاركة في ( الحياة الحزبية والبرلمانية )( وتمكين المراة الاردنية من المشاركة الفاعلة وتعزير قيم المواطنة ) .
4 - ان تكون (الاوراق النقاشية السبعة )التي طرحها للنقاش العام ، هي وثيقة استرشادية لعمل اللجنة في رسم خارطة المستقبل لبلدنا .
5 - وضع مشاريع قوانين توافقية والانتقال المتدرج نحو تحقيق الاهداف المستقبلية كاملة ، (والتمثيل العادل للمواطنين على امتداد الوطن )
وعندما وضعت هذه اللجنة مخرجاتها استقبلهم جلالته في ديوانه العامر في الثالث من شهر تشرين الاول من هذا العام . حيث شكرهم على عملهم الذي انجزوه وبارك لهم في جهودهم . واكد لهم ان مخرجات لجنتهم سوف (تسلم من التبديل والتغيير والعبث بها ) ، وكيف لا وهو ضامنها . وقال جلالته امام اعضاء اللجنة ان النموذج الديمقراطي الذي نسعى اليه يعبر عن ارادة سياسية ومصلحة وطنية . ( وان عملية التحديث والتطوير ستبقى مستمرة وتخضع للتقييم والمراجعة ) . وان المنظومة ستكون ركناً مهماً يسهم باحداث تطوير ملموس في (الاداء النيابي القائم على العمل الحزبي البرامجي ) . واكد على اهمية ان تعمل (الاحزاب والقوى السياسية على تطوير ادائها ) . وقال جلالة الملك ان نتائج عمل اللجنة (ستسير حسب المقتضى الدستوري ) . واكد جلالته على النموذج الديمقراطي الذي نسعى اليه جميعاً ويعبر عن ارادة سياسية ومصلحة وطنية بما يبرز ( الهوية الجامعة ) ومسيرة التنمية والتحديث التي تليق (بمستقبل الاردن والاردنيين ) ، وضمان مشاركة فاعلة ومنتجة في الحياة السياسية وتطوير أليات المساءلة .
ثم قام جلالة الملك المعظم بالانعام على رئيس اللجنة واعضائها وحتى المستقيلين منها باوسمة ملكية تقديرا وشكراً لهم على انجازهم لعملهم الذي قاموا به . ثم يأتي من يقول ان مخرجات اللجنة هي مؤامرة على الاردن وعلى شعب الاردن وعلى نظام الاردن وعلى جلالة ألملك المعظم وعرشه لصالح الدولة الفلسطينية البديلة .ويدّعون انهم يعارضون مخرجات اللجنة نتيجة حبهم لجلالة الملك والاسرة الهاشمية وحماية له من هذا المؤامرة التي تحاك له في ليل من قبل بعض المحيطين به .
هل يعتقد من يقولون بذلك ان جلالته بهذه السذاجة ، وهو الذي عرك العمل السياسي من اعلى مستوياته لاكثر من عشرين عاماً وعرف دهاليزها ، وعرف معظم السياسيين بالعالم وعمل نداً لهم ، وصمد امام كل المؤامرات التي حيكت على الاردن وعليه شخصياً ، وتصدى لصفقة القرن و لعنجهية ترامب وفريق ادارته الصهيوني واسقطها . واستطاع ان يكسب العالم الى جواره ضدها . والذي قال، ( لا للتوطين ، ولا للوطن البديل ولا لصفقة القرن ) . وان هذا هو موقفه (ولن يغيره ابداً مهما كانت الظروف ) ، ( وان شعبه يقف معه ويسانده في ذلك ) ، وان لا احد يستطيع الضغط على الاردن في هذا الموضوع . وانه لابديل عن (حل القضية الفلسطينية سوى حل الدولتين ) ، (واقامة الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967 وان تكون القدس الشرقية عاصمتها ) . وانه لا تهاون ولا تنازل عن الوصاية الهاشمية على الاماكن المقدسة في القدس . فهل يعقل بعد ذلك ان يشكل لجنة هدفها ان تنسف كل ما قاله واعلنه ، بل تنسف احتمال وجوده هو نفسه كما ردد البعض لتبرير معارضتهم لمخرجات لجنة التحديث ؟ . ثم يقوم بمباركة عملهم والثناء عليه ومنحهم وسام المؤوية الاولى للدولة الاردنية ؟ . وهل يعقل انه باستعماله تعبير ( الهوية الجامعة )والذي سبق وان استخدمه ( في اوراقه النقاشية ) وقبل ان يرد في مخرجات اللجنة ، يقصد به تعريض عرشه للخطر ؟ او (ان يكون هو شريكاً في المؤامرة التي تحاك ضده وضد الشعب الاردني وهويته ؟ ) و اليست (كل مخرجات اللجنة تتفق مع توجيهات جلالته لها بالجوهر ) وكانت بناء على طلبه وتوجيهاته ؟ .
كان الجميع يتحدث عن طريق لتعديل النهج الذي يتم به تشكيل الحكومات ، وكانت اكثر الحلول المطروحة هي تشكيل حكومات حزبية . وعندما وضعت اللجنة قانونا للاحزاب والانتخاب عملاً بتوجيهات جلالة الملك ، وجدنا البعض يعترض على ذلك، ويقول ان الاردن لا يحتاج احزاباً . وان العشائر هي البديل عنها . على الرغم من ان العشائر هي مكونات اجتماعية نعتز بها ونفتخر ، ولكنها ليست مكونات سياسية ، ولا تحمل كل عشيرة فكراً سياسياً تلتقي عليه جميعها ، ولا منهاج عمل خاص بها ، وانه يمكن لابناء العشائر تشكيل احزابهم الخاصة بهم ، و ان ينضموا الى احزاب اخرى ، ومن الممكن ان نجد اخوين في بيت واحد ، وكل واحد منهما ينتسب الى حزب مختلف عن الآخر . ولا يوجد ما يحول دون ان يشكل الحزبيين من العشائر اغلبية في مجلس النواب و أن يشكلوا هم الحكومة .
كما اعترضت الاحزاب الوسطية على قانون الانتخاب ، وذلك لادراكها انها لن تستطيع ايصال ممثل عنها لمجلس النواب من خلاله ، لقلة اعضائها ورفضها الاندماج بأخرى . حتى الاحزاب العقائدية لم ترضى عن قانون الاحزاب وقانون الانتخاب ولنفس الاسباب . في حين ان الحزب الوحيد على الساحة الآن والقادر على ايصال ممثلين عنه لمجلس النواب هو حزب جبهة العمل الاسلامي . لذلك فقد شارك هذا الحزب في اللجنة بفعالية وأيد معظم مخرجاتها . والذي وللاسف وبعد ان خرج بنصيب الاسد من مخرجات اللجنة ، عاد سيرته الاولى بالدعوة للنزول الى الشارع ، وذلك بدعوى المطالبة بالغاء قانون الدفاع ومطالب اخرى ، وبتحدي للدولة بحثاً عن الشعبوية في هذه الظروف التي لا زلنا فيها تحت تهديد وباء كورونا .
هذا ولعدم وجود احزاب قوية متعددة حالياً ، ولمنح الاحزاب فرصة لتكييف نفسها فقد تدرج القانون المقترح في نسبة القائمة الحزبية لتصل الى 65 % يعد عشر سنوات .
وقد طالب البعض بعدم تخصيص مقاعد حزبية في الانتخابات القادمة لعدم وجود احزاب قوية الآن ، ولآن الفترة المتبقية لهذه الانتخابات لن تسمح بتكوين مثل هذه الاحزاب . ولا اخفيكم ان هذا كان موقفي في البداية . ولكن اليس لنا عقوداً من السنين ونحن ننتظر تشكيل هذه الاحزاب القوية في حين ان ما يحصل هو تشكيل المزيد من الاحزاب الضعيفة ؟ ولذا لماذا لا نجرب الاسلوب الآخر، وان نضع احزابنا بين خيارين اما ان تكون او لا تكون ، لعل هذا يكون دافعاً قوياً لها لتوحيد نفسها باحزاب معدودة وقوية . وما ان تأتي انتخابات المجلس الثاني والعشرين، الا ويكون لدينا العديد من هذه الاحزاب القادرة على خوض الانتخابات وايصال بعض مرشحيها لعضوية مجلس النواب ، وربما الحصول على الاغلبية أيضاً .
اما ان نرفض كل شيئ فهذا لن يدع لنا مجالاً لنا الا ان نبقى كما نحن ، حكومات ضعيفة وعاجزة وغير برامجية . ومجالس نواب لا تمثل الا نسبة قليلة من المواطنين ، ولاتسعى الا لتحقيق مصالحها وتقديم خدمات فردية لقاعدتها الانتخابية ، وبنفس الوقت تكون طوع بنان الحكومات . وان لا نعود للحديث عن الاصلاح ولا نطالب به وان نطوي هذا الملف ، وان نرضى بما قسم لنا من غير ان نلقي مسؤوليته على غيرنا . (وان نثبت بذلك انه لايوجد في الاردن من يريد تحقيق الاصلاح كما ورد في سلسلة مقالات سابقة لي ) .
صحيح ان هناك الكثير من الملاحظات على مخرجات لجنة التحديث نأمل من مجلس النواب ان يعالج ثغراتها ، وصحيح ايضاً ان اي نص آخر سوف يكون عليه الكثير من الملاحظات ، ولكن لابد من نقطة ننطلق منها . وفي المستقبل ستكون هذه العملية خاضعة ( للتقييم والمراجعة )، كما قال جلالة الملك المعظم عند استلامه مخرجاتها . والتي جاءت بناءاً على طلبه وتوجيهاته ، وحظيت على موافقته ودعمه . ( ليس عبثاً انني استهللت مقالاتي حول مخرجات اللجنة بمقال عن الانتماء والولاء ) .
مروان العمد