د.زهير طاهات
وانا اتصفح بعتاب معالي الشاعر الكبير حيدر محمود اكتشفت لاول مرة في حياتي بان هناك فصائل للدم، يتم على ضوئها اختيار الكفاءات الوطنية في القيادات العليا في الدولة . واصابني الذهول والحيرة والصدمة ، أن يصبح الوطن مزرعة لما ينعتون انفسهم بالنخب السياسية أو الاجتماعية. واليوم شاعرنا العظيم يرشدنا الى ان هناك انواعا عديدة من فصائل الدم للاردنيين . واصبت بصدمة نفسية أكبر، وانا ابحث بين فصائل الدم فلم اجد فصيلة بين المتصارعين على المناصب تخص أبناء الحراثين والفلاحين والعسكر.
ولم اعرف ما هي فصيلة دم من يحرث الارض باظفاره، ويغرس الارض بالحياة ، ويحرس القمح والبيدر من حر الشمس ، ولمن يرابط على حدود الوطن يضع روحه بين يديه ، ولم استطع تحديد فصيلة دم الشهيد الذي وهب روحه وحياته فدى للوطن . ووجدت ان كل هؤلاء من المرابطين والنبلاء ليسوا مشاريع شهادة في اجندات النخبة .
ولا ازال اقول في نفسي ، هل هناك من يعتبر نفسه مشروعا للشهادة فقط ممن يقولون ما لا يفعلون ، ومن هم تخرج كلماتهم من افواههم ، وليس مصدرها القلب ، وممن ينظمون الشعر الجميل المغنى ، وهل يتساووا هؤلاء مع من يعجنون الارض بعرق جبينهم ، ويضحون بارواحهم من اجل ان يحيا الوطن .
وقد اعجبني كثيرا السجال بين الحكومة ومعالي الشاعر الكبير حيدر محمود وهو يعاتبها كيف طردت صاحب العطوفة عمار فلذة كبده بحسب وصفه ، وكأن آباءنا ليس لهم اكباد وليس لهم فلذات ، لان فصيلة دمهم مختلفة تماما ، عن فصيلة دم اصحاب المعالي والذوات.
معاليه كان سفيرا في الخارجية تمكن من تعيين فلذة كبده قنصلا في الخارجية لكي يصبح سفيرا ، لكن الحلم لم يتحقق فقد تم فصله حسب ما جاء على لسان الحكومة ، ولأن فصيلة دمه ليست كدم ابناء الفلاحين الذين يزرعون ويحصدون ويقدمون للوطن حياتهم وارواحهم ، من الذين يجب عليهم الانتظار عشرات السنين حتى يدخل العسكرية ليدافع عن الوطن او ليكون حراثا في قلب الوطن فقد تم تعيينه في رئاسة الوزراء بالفئة العيا .
لقد ضحكت الما وحزنا في آن واحد ، وأنا اقرأ رسالته للحكومة بقوله " فلذات اكبادكم ليست اعز من فلذات اكبادنا إلا إن كان لون الدم الذي يجري في شرايينها من فصيلة اخرى " صدقت يا صاحب المعالي انا ابن حراث وكنت موظفا في وزارة الثقافة بعد ان قدمت للوطن سنتين من عمري اخدم من اقصى الشمال لاقصى الجنوب وانا رافع رأسي بالتاج فوق جبيني واحمي حدوده في الاغوار على اطول حدود تماس مع عدو غادر ، وما قدمته لا يساوي شيئا مقابل عطاء ابناء الجيش المصطفوي الذين افنوا حياتهم في خدمة الوطن لتصطف ارواحهم من نجومه فتحلق بكبرياء وفخار.
وأتذكر جيدا انجازات معاليك عندما قمت بالغاء مديريات الثقافة التي هي المنابع الحقيقية للهوية الاردنية ، ووصفتها بالدكاكين الثقافية ، كما لا ازال اذكر الضجيج الذي ثار حول تعيين فلذة كبدك في الخارجية، قبل ان يتسلم كشوف علاماته بينما ابناء الفلاحين من فصيلة دم اخرى لا يحق لهم ذلك. رغم عبقريتهم وتميزهم العلمي في العطاء والوفاء والولاء ، نعم حسب اجنداتكم حرام عليهم دخول الخارجية او تقلد المسؤولية ، لان دمهم يغلي حبا للوطن ، ولان قلوبهم صادقة بالولاء والانتماء للقيادة الهاشمية ، ولان دمهم القاني عندما يسيل من شرايينهم يعطر الارض والكون كله لانه غير قابل للفساد، ولانه غير ملوث ، ولآنه يتدفق بسخاء عندما يصبح الوطن في خطر ، بينما ابناء النخبة حقائبهم للسفر خارج الوطن جاهزه وتحويلاتهم المالية في البنوك الاجنبية.
نعم اتذكر قصيدة الصعاليك في هجاء حكومة زيد الرفاعي التي مطلعها "عفا الصفا وانتفى يا مصطفى .. وعلت ظهور خير المطايا شر فرسان" وبعدها بزمن اصبحت سفيرا في تونس وكنت من خيرة المطايا . وكانت لمعاليك انجازات عظيمة في خدمة الوطن ، يعرفها اهل تونس وكل الجالية الاردنية هناك ، ورغم ذلك ، لا اعرف لماذا قام دولة رئيس الوزراء في ذلك الوقت، بانهاء عملك كسفير، واوعز باعادتك فورا للاردن بشكل عاجل ، وتحويلك للقضاء ، ظلموك حينها يا سيدي ، وعندما شكل على ابو الراغب حكومته اصبحت ايها الشاعر الكبير وزيرا للثقافة انصفوك يا سيدي.
لكن لا ازال كغيري من الاردنيين اتساءل ، لماذا اقدم رئيس الحكومة هاني الملقي على اقالة صاحب العطوفة عمار حيدر محمود وسحب سيارته منه ؟، هل لانه لم يلتحق بعمله سنوات عديدة ؟ وهل هذا مبرر لسحب السيارة من عطوفته ؟ حتى لو كان خارج البلاد من سنوات ، هل هذا مبرر؟، أليس ظلما ان تقوم الحكومة بتحويل ملفه الى مكافحة الفساد ؟ هل أن فصيلة دمه تغيرت، ليحول الى دائرة الفساد ؟ ولماذا تم تعيين ابن رئيس الوزراء في الملكية ؟ وابن شاعر الدولة الاردنية الذي كان ومايزال مشروع شهيد يطرد. كما يطرد ابناء الفلاحين والعسكر والكادحين ويحرمون من كل المناصب، فابناء الفلاحين والحراثين والعسكر كتبوا اجندات الوطن بدمائهم ، فهل سيبدأ بالكتابة عطوفته.
نعم أن ابناء الفلاحين والعسكر يا سيدي يطردون من قبل النخبة، نتيجة ولائهم وانتمائهم الشديد للوطن ولقيادته قولا وفعلا.
والسؤال المعلق لماذا الحكومات السابقة صامتة على هذه الافعال، ولم تقم بطرد عطوفته لانه لم يلتحق بعمله منذ سنوات حسب ما جاء برد الحكومة ؟ ولماذا ابن الفلاح والحراث يتم طرده بعد اسبوع او ساعات من انقطاعه عن العمل بسبب ظرف قاهر أو حتى يظلم ظلما حقيقيا.
نعم ابناء الفلاحين والعسكر والكادحين لا ينافسون ابناء النخبة على المحاصصة ، في السطو على خيرات الوطن ، ولن يدخلوا صراع المصالح الذاتية الدائرة بين ابناء النخبة ، لأن قلبهم على الوطن ، ولانهم انشغلوا في مشاريعهم العظيمة في الدفاع عن الوطن ، وكلهم مشاريع شهادة حقيقية، هم من قدموا ويواصلون تقديم المهج والارواح ، وأكبر همهم ومطمعهم أن يلتحقوا بكواكب الشهداء الاشراف. يكفيهم شرف الشهادة الصادقة لدفاعهم عن الوطن ، كلهم مرابطون على طول حدود الوطن ، منغرسين في قلبه يزرعون ويبنون ويحرثون ويفلحون ارضه .
نعم انهم يحمون هواءه وسماءه وحدوده من كل حاسد ، ويكفيهم فخرا انهم الشهداء الحقيقيون بالفعل لا بالقول وبانهم اشراف الامة واسيادها. كما أن فصيلة دمهم مختلفة تماما عن فصائل غيرهم لانها في حراك مع الولاء والانتماء للوطن ، لا ولن تفسد ما دام القلب ينبض بحب الوطن واهله .
وبقدمون بسخاء ارواحهم رخيصة فدى للوطن وقيادته الهاشمية المظفرة ، واعتقد بان اللعب على اوتار العاطفة كما كان في الماضي لم يعد يجدي نفعا خاصة وان جلالة الملك حفظه الله ورعاه اطلق الورقة النقاشية السادسة والتي يؤكد فيها " إن التواني في تطبيق القانون بعدالة وشفافية وكفاءة يؤدي إلى ضياع الحقوق ويضعف الثقة بأجهزة الدولة ومؤسساتها. كما أن تساهل بعض المسؤولين في تطبيق القانون بدقة ونزاهة وشفافية وعدالة ومساواة يشجع البعض على الاستمرار بانتهاك القانون ويترك مجالا للتساهل الذي قد يقود لفساد أكبر، بل إلى إضعاف أهم ركائز الدولة، ألا وهي قيم المواطنة".
كما نتوسل الى المسؤولين في الدولة ان يوقفوا صراع المكاسب الشخصية ، وأن يقفوا عند حدود القانون والنظام ، ونتمنى على هؤلاء المسؤولين ، وخاصة اصحاب المعالي والعطوفة والسعادة ان يكفوا عن العزف على اوتار العاطفة أو اللعب في مشاعرنا ، فلم نعد نسمع لكم كما كنا في السابق .كما انه ليس عدلا ان يتم حرمان كفاءة وطنية من ابناء الوطن مثل ابن الملقي وتجريده من أي وظيفة . أليس هو كباقي الاردنيين له من الحقوق وعليه من الواجبات ؟ عليكم يا اصحاب الدولة والمعالي ان تتمعنوا جيدا ما جاء بالورقة النقاشية لجلالة الملك حفظه الله ورعاه والتي جاء فيها " فلا يمكن لنا أن نقبل أو نغض الطرف عن هذه الممارسات التي تقوِّض أسس العمل العام في خدمة مواطنينا، ولا يمكن أن نجعل من هذه الممارسات وسيلة نحبط بها الشباب المتميز والكفؤ، أو نزرع فيه قناعة بأن مستقبله، منذ إنهائه لدراسته الثانوية وخلال دراسته الجامعية وحتى انخراطه بسوق العمل، مرتبط بقدرته على توظيف الواسطة والمحسوبية لتحقيق طموحه. فأي جيل يمكن أن يحمي سيادة القانون أو أن يدير مؤسساتنا وقد ترسخت الولاءات الفرعية فيه على حساب وطنه؟
وإننا نصطف خلف جلالة الملك عبدالله الثاني ، بان تلتزم كل الحكومات والمسؤولين بماء جاء بالاوراق النقاشية من اساليب ومبادىء للدولة الحديثة، وليعلم جميع المسؤولين في الدولة الاردنية وابناء الوطن بان جلالة الملك المفدى دائما مع ابناء الحراثين والعسكر والكادحن يناصرهم ويقف الى جانبهم . وجلالته لا يوجد عنده تصنيف لدم الشعب الاردني ، وكل دماء الاردنيين الشرفاء نقية . ويشدد جلالته في ورقته النقاشية السادسة والمتعلقة بالتعيينات في المواقع الحكومية خاصة المناصب العليا التي يريد بعضهم ان يتقاسموها بين فلذات كبدهم ليصبح ابن السفير سفيرا وابن الوزير وزيرا واذا لم يحصل علي شيء فاننا نجد الصراع شديدا بينهم كما هو دائر بين معالي الشاعر الكبير والحكومة في قضية عمار.
وعند تصفح افكار جلالته في الورقة النقاشية السادسة نجد فيها قوله :"كما يعتبر موضوع التعيينات في المواقع الحكومية وبخاصة المناصب العليا من أكثر المواضيع التي يتم التطرق إليها عند الحديث عن الواسطة والمحسوبية، وقد شهدنا في السنوات الأخيرة بعض الممارسات بهذا الخصوص، والتي أرى فيها تجاوزا على مؤسساتنا وإثقالا لها وللمواطن بموظفين غير أكفياء وتجريدا وحرمانا لها من الكفاءات والقيادات التي تساهم بالارتقاء بها والنهوض بعملها في خدمة الوطن والمواطن. وهنا، لا بد من الالتزام بمبدأ الكفاءة والجدارة كمعيار أساس ووحيد للتعيينات".
حمى الله الاردن وشعبه في ظل القيادة الهاشمية المظفرة قيادة الملك عبدالله الثاني المفدى.