بقلم د. مهند العزة
يقول الشاعر والروائي الخالد أوسكار ويلد: "قد لا أتفق معك، لكنني سوف أدافع حتى الموت لتقول رأيك"، وتقول الكاتبة الإنجليزية إفيلين هول المعروفة بـ (S G. Tallentyre) في روايتها "أصدقاء فولتير: "قد أستنكر ما تقول لكنني سوف أدافع حتى الموت من أجل حقك في أن تقوله،" ويقول العظيم جورج أورويل: "إذا كانت الحرية تعني أي شيء، فإنها تعني حقك في أن تقول ما لا يرغب الناس في سماعه".
أردت من خلال هذه الأقوال تذكير البعض ممن يؤمنون بحرية الرأي والتعبير أول النهار ويكفرون بها في آخره؛ بأمسهم القريب حينما كانوا يرفعون عقيرتهم عبر منصات التواصل الاجتماعي يصرخون منددين بممارسات بعض المسؤولين اتجاه مخالفيهم وينعون عليهم ضيق صدرهم وكأنهم يَصَّعَّدون في السماء حرجاً مما يسمعونه من نقد وتفنيد لقرار هنا وتصريح هناك، إذ قد لا يكون هؤلاء "السلوليّين" لديهم من الوقت الآن ليقرؤوا –إن كانوا يفعلون ذلك أصلاً- مثل هذه الأقوال، خصوصاً بعد أن نالوا المراد من التغرير بالعباد وتبوؤوا مقعدهم في عليّين عقب قيامهم بـ "U-Turn" في حركة التفافية بهلوانية اسمها العلمي "الزعبرة والتأجيج وصولاً إلى التسحيج"، أما اسمها التجاري التجميلي "براغماتية تكتيكية".
ديما علم فرّاج ناشطة إعلامية عرفت منذ سنوات بمواقفها الصريحة المؤيدة للدولة وليس بالضرورة للحكومة، الأمر الذي جعلها دائماً في حالة اشتباك مع الناشطين والناشطات المناوئين لسياسات الدولة والحكومة، وقد أختلف وغيري مع ديما في بعض القضايا، تماماً كما قد تختلف هي مع غيري ومعي دون تجريح أو تنمر أو شخصنة، على العكس من الغالبية الساحقة ممن يشتبكون معها في الرأي، حيث يعمدون إلى التهجم وليس الهجوم، والتنمر وليس الجدال المتحضّر، حيث وصل الأمر ببعضهم في غير مناسبة إلى مهاجمتها على أساس ديني بغيض.
في الآونة الأخيرة قامت فرّاج بالتعبير عن رأيها في قضية أثارت الرأي العام حول طريقة إشغال أحد الشواغر القيادية، حيث مارست حقها في النقد الذي هو فاتورة واجبة على كل من ارتضى تولي منصب في أي دولة سواءً كانت نامية أو متقدمة ديمقراطية أو تحاول أن تكون، إذ أن الوزير أو المسؤول أياً كان سوف يكون دائماً بحكم موقعه عرضةً للنقد وتفريغ السخط الشعبي، ولا خِيَرة له في أن يقبل المنصب ويرفض الانتقاد إذ هما صنوان، والقول بغير ذلك يجعل المنصب ترفاً وشرفاً مُدَّعى وليس خدمةً وتكليف، ولو تفرغ رؤساء الوزراء والوزراء عندنا وعند غيرنا لمقاضاة منتقديهم بل ومن قد يسبونهم لما خرجوا من المحاكم ولأمضوا في ردهاتها فترات ولايتهم.
على الرغم من أن قبول أي شخص بشغل وظيفة ما لا يعني بالضرورة تغييره لمواقفه وانتقاله من النقيض إلى النقيض، إلا أن من شاء أن يتبرع بإعلان براءته مما كان بالأمس موقف لا مساومة عليه وبات اليوم موقف سرفيس بالكاد يقف عليه؛ فهذا خياره واختياره، لكن ما لا ينبغي القيام به هو استخدام المسؤول موقعه لإرسال تهديدات مبطنة مفضوحة على نسق "الكلام إلك يا جارة"، والأنكى أن يتم ذلك من خلال منصة من المفروض أنها عريقة و"متزنة" إلى حد حالة اللا موقف على مدار عقود، ثم أن الأدهى والأمّر أن يكون ذلك كله بفعل من أنيط بهم تعزيز منظومة الكلمة والتعبير عن الرأي وتوسيع آفاقها، وما بالك إذا كان من يلوح الآن بسيف اللجوء إلى القضاء ضد منتقديه، هو نفسه الذي ما انفكّ حتى وقت قريب يملأ الفضاء بالاتهامات والانتقادات ضد خصوم الأمس الذين أصبحوا اليوم رؤسائه ومرؤوسيه.
ربما أكون آخر من يمكنه أن ينصح ويعظ، لكن ثمة حقيقة يدركها كل مهني محايد؛ فحواها أن انتصاف المسؤول مما قد يقع عليه من ظلم من الجمهور؛ سبيله إثبات قيامه بواجباته والإصغاء لمنتقديه بالقدر والرحابة ذاتهما اللتان يُطرِق فيهما لممتدحيه، أما الاستقواء باللجوء إلى القضاء، فهو دليل ضعف وقهقرة إلى الخلف.
درجت مقالات وبيانات عدد من المنافحين عن حقوق الإنسان وحرية التعبير حينما تتصدى لمناصرة فريسة تنمر أو تغول من شخصية أو جهة ما بسبب نقد أو خلاف في الرأي؛ أن تصدّر مرافعتها بعبارة: "ليس دفاعاً عن... ولكن..."، وربما كان لهؤلاء عذرهم في ذلك، فهم متوجّسون حائرون ما بين مطرقة القيام بواجبهم المهني والأخلاقي بالانتصار لضحايا حرية الرأي والتعبير وسندان الوقوع فريسة جديدة في شَرَك المتنمرين والمتغوّلين، أما من جهتي، فقد كتبت هذه السطور لأحمي حقي في التعبير والانتقاد بمناصرة حق من قد أختلف معهم من الزملاء والأصدقاء، لذلك، فهذه المقالة هي دفاع عن حق ديما علم فراج.