بقلم فلحة بريزات
نحن اليوم أمام حالة من عدم الاستقرار، وعلى كل الصعد، وهذا أحدث خرقاً بنيوياً في شكل ومضمون العلاقة بين المواطنين أنفسهم، وبينهم وبين مؤسساتهم على اختلافها، ومهما كان مقامها، في انعكاس طبيعي لسلسلة متصلة من الإخفاقات، حادت المعالجات فيها عن جادّة الصواب، فاذكت روح التمرد على كل المقدسات..
علينا أن لا نقفز عن أهمية الحوار وبأنه أداة هامة لتقريب وجهات النظر، وتعزيز نقاط الالتقاء والتخفيف من أثار الاختلاف على حياة العامة، لا سيما في القضايا ذات المساس المباشر بحياة البشر.
وفي حالتنا الأردنية، يجلس الحوار على طاولة الجميع، كلما هبت "سموم" الرياح، وليس أدل على ذلك من أن البيئة المحلية تسابق الريح في متغيراتها، وعلى كل مستوياتها، وهو ما يعني أن الخلل بالعنوان لا بتفاصيله.
من لا يرى بأن الساحة الداخلية متخمة بالأحداث المقلقة، ولا ينقص الحال المايل سوى استطلاعات رأي أوحوارات، او لجان تضع حجراً على بطن القلق الوطني لدى الأردنيين، أو تعدل ظهر ثقة أصبحت حالة من ضرب الخيال؛ جرّاء الراهن الذي يغيب عنه مفاهيم الادارة : عقل يفكر بعمق ويخطط بتأنٍ وينفذ بثقة,
فالأصل أن (الباروميتر) الحقيقي لأي دولة تريد قياس حالة عدم الرضا، وموت سعادة مواطنيها هو ببساطة تنامي النزعة الشعبية الى التفاعل مع كل حدث مهما علا شأنه أو صغر.
وفي المقابل علينا أيضا أن لا نسقط من حساباتنا، بأن الواقع الراهن، على العكس تماماً مما يروج له، ويراد له ان يكون مجرد "زوبعة في فنجان" وسرعان ما تغادر مربع الفعل الى السكون؛ لأن الأداء يتغير وفقاً لحالة المزاج السياسي في مستويات القرار.
منذ ما يسمى بحادثة (الفتنة)، وجدلية موضوع النائب أسامة العجارمة التي فقدت العقل الرصين في معالجتها حيث أغلق المزاد على إعادة هيبة مجلس النواب - المطلوب رأسها شعبياً- نشهد حركة نشطة في الطوابق العليا من مراكز القرار، تحاول رسم ملامح مرحلة قادمة، تخفف من حالات تأزيم، كثرت أسبابها وتعدد اللاعبين غير المؤهلين فيها.
أخطر ما في الأمر اليوم، أن القرائن تجعلنا غير منحازين لتكرار هذا النمط، ليس من باب التخوين، لكن من باب التسويف الذي سيطرعلى الحالة الأردنية منذ عدة عقود.
كل المعطيات السابقة تشكك بنجاعة هذا الحراك الذي يحاول استقطاب عقول الرافضين لكثير من مطبات السياسة العامة للأردن حيال ملفات حيوية داخليا وخارجيا.. ليس أخرها دور الأردن الذي لم يرق الى مستوى الإرادة الشعبية خلال العدوان الاسرائيلي على غزة واستخفاف الصديق قبل العدو، بحق الوصاية الهاشمية على القدس؛ فيحق علينا القول بأن الأردن لا يلعب سياسة ولا يخوض حرباً.
مقلق أن يرتدي منهج الحوار ثوب الوقت، في ظل بيئة محلية تنزع الى التصعيد عند كل شاردة وواردة وبيئة إقليمية ودولية تضيق علينا خياراتنا التي تخضع في معظمها لبيئة دولية متقلبة المزاج والمصالح.
وحتى نخرج من مربع الحوار بنتيجة لا تجعلنا نعود الى الخلف في ظرف لا نملك فيه ترف الوقت لخوض معارك الحوار حول ملفات كل متطلبات إنجازها حاضرة، يجب ان يكون هناك اجراء حقيقي على الأرض في غضون مد البصر حتى لا تكبر الفجوة وتسقط الأقنعة أكثر فاكثر، وتلقى نتائجه في بئر معطلة.
بقي أن نقول، لا نريد أن يكون كل ما يحدث يأتي في إطار استراتيجية كي الوجع، فليس من حق أي كان ان يجعلنا نتصالح مع فقدان قيمتنا الوطنية.