انتخابات نواب الأردن 2024 أخبار الأردن اقتصاديات جامعات دوليات وفيات برلمانيات رياضة وظائف للأردنيين أحزاب مقالات مقالات مختارة مناسبات شهادة جاهات واعراس الموقف مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة

رمضان...شهر تطبيق المعرفة

مدار الساعة,مقالات مختارة
مدار الساعة ـ نشر في 2017/05/31 الساعة 02:41
حجم الخط

ها قد أكمل الزمن دورته فأضلنا رمضان من جديد. بكل ما يعنيه رمضان في تاريخنا، وما يحمله من معانٍ متجددة، تغيب عن أولئك الذين يعتقدون أن رمضان مجرد امتناع عن الطعام والشراب، رغم أن رمضان في معناه الحقيقي ليس مجرد امتناع عن الطعام والشراب، فهذا الامتناع عن الطعام والشراب هو أبسط أنواع الصوم، وأقلها شأناً، وهذه حقيقة لا يفقهها إلا من تعامل مع رمضان على أنه مدرسة يجب أن يتعلم فيها دروساً كثيرة تتجدد في كل عام، وأن يراجع فيها مخزونه من المعرفة، وقبل ذلك عليه أن يجدد فيها علاقته بدينه ومدى فهمه لهذا الدين، كما كان يفعل رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام، من ذلك أن جبريل عليه السلام كان يلاقي رسول الله عليه السلام في كل ليلة من ليالي رمضان فيدرسه القرآن الكريم، وهذا توجيه رباني يجب أن نتوقف عنده مطولاً، لأنه إذا كان رسول الله عليه الصلاة والسلام بحاجة إلى أن يراجع القرآن بصورة دائمة وخاصة في رمضان فما بال سائر المسلمين، خاصة أولئك الذين صارت علاقتهم بالقرآن مجرد علاقة بقرص يتم تشغيله في المآتم، أو أولئك الذين يقرؤون القرآن قرأة سطحية لا تجاوز ألسنتهم، ولا نريد أن نتحدث عن أولئك الذين جعلوا من القرآن كتاباً مهجوراً.

لعل ما وصلت إليه علاقتنا بالقرآن من أسباب تخلفنا التي تحتاج إلى مراجعة وتصحيح، لأن الأصل في هذه العلاقة أنها تقوم على الفهم، ومن ثم التطبيق، فالقرآن ليس مجرد كتاب مواعظ يتلى في المآتم ولكنه منهاج حياة ودستور يحكم إيقاع هذه الحياة، لهذا نزل القرآن منجماً ليجيب على الأسئلة التي كانت تواجه المسلمين، ولهذا أيضاً كان الواحد من المسلمين يقف عند الآيات القليلة من القرآن لا تتجاوز العشر لا يغادرها إلى غيرها من الآيات حتى يفقهها، ومن ثم يعمل بها وكان قدوتهم في ذلك رسولهم عليه السلام لذلك فإن من صفاته عليه السلام أن خلقه كان القرآن. فقد كان عليه السلام قرآناً يمشي على الأرض.

إن أول درس يجب أن نتعلمه من رمضان: أنه شهر مراجعة علاقتنا بالقرآن، ومدى فهمنا له، ومن ثم تطبيقنا لأحكامه. فهذا هو المدخل الحقيقي لفهم ديننا ولفهم مغازي عباداتنا، فالعبادة في الإسلام ليست مجرد طقوس وحركات، لكنها مدخل للفهم، هكذا كان رسول الله عليه السلام ومعه صحابته عليهم رضوان الله يفهمون العبادات ومنها عبادة الصيام، فقد كان رمضان يعني لهم من ضمن ما يعني أنه شهر مراجعة لعلاقتهم بالقرآن الكريم ومعرفتهم بأسراره ومدى تطبيقهم لأحكامه.

إن تعاملنا مع رمضان كشهر للمراجعة بقصد الفهم يعني أن رمضان يزودنا بأحد أهم مصادر القوة الناعمة للمجتمعات والدول، أعني به درس المعرفة كمصدر من مصادر القوة، التي كان يحرص رسول الله على أن يغنيها في رمضان، من خلال مراجعته للقرآن مع جبريل عليه السلام، والمعرفة التي تشكل مصدراً للقوة هي المعرفة التي تأخذ طريقها إلى التطبيق في الحياة، ولعل هذا سر سلوك المسلمين مع القرآن عندما كان الواحد منهم لا يتجاوز الآيات القليلة منه إلى غيرها حتى يفقهها ويحولها إلى سلوك وممارسة عملية في حياته.

إن تحويل المعرفة إلى سلوك وممارسة عملية هو سر تميز مفكر عن مفكر، وداعية عن داعية، وعالم عن عالم، فالليث بن سعد كان من أعظم فقهاء المسلمين، لكنه من أقلهم تأثيراً في حياتهم، لأنه لم يؤسس له مدرسة فقهية ولم يترك له تلاميذ ينشرون فقهه من بعده. ومالك بن نبي من أعظم المفكرين المسلمين في العصر الحديث، وأكثرهم فهماً لروح العصر وشروط النهضة، لكن أثره في حياتهم قليل إن لم يكن معدوماً، لأنه لم يؤسس مشروعاً يترجم فيه أفكاره إلى واقع كما فعل حسن البنا وغيره من الدعاة والمفكرين الذين حاولوا أن يترجموا أفكارهم إلى واقع يعيشه الناس. ولعل هذا سر إخفاق الكثير من شعارات النهضة والتحرر التي رفعتها أجيالنا المعاصرة لكنها أبقتها مجرد شعارات لم تجد طريقها إلى التطبيق في حياتهم، فوقعت أجيالنا ومعها أمتنا ضحايا الفرق بين المعرفة التي تظل في الصدور والعقول والمعرفة التي تأخذ طريقها إلى الناس، وضحايا الفرق بين الشعار والتطبيق، والفرق بين القول والعمل، والفرق بين الأماني وتحقيقها، وهذا أول درس يجب أن نتعلمه من رمضان.

الرأي

مدار الساعة ـ نشر في 2017/05/31 الساعة 02:41