بقلم: محمد خير فريحات
بحكم ظروف خاصة، سافرت الى الاردن مرتين خلال الشهرين الماضيين، الأولى كانت على متن طيران الإمارات، والثانية على متن الملكية الأردنية.
وللحقيقة والأمانة والموضوعية، شتان ما بين الرحلتين، أو بالأحرى الطائرتين، الفرق بينهما تماما كالفرق بين القمر والقرد وكلاهما يبدأ بحرف القاف!
طائرة الإماراتية كانت في الواقع إيرباص 380 الحديثة جدا والمكونة من طابقين، مقاعد واسعة متباعدة 3+4+3، ممرات واسعة، سقفها مرتفع كثيرا، وفيها شاشات تلفزيونية كبيرة ومتطورة تعمل باللمس.
هذا كله ليس بالأمر المهم!… المهم عندما أقلعت الطائرة وأثناء طيرانها لا يمكنك أن تسمع أي صوت صادر عنها، بل بإمكانك سماع صوت الإبرة اذا وقعت، وغير ذلك، هناك طاقم ضيافة أستطيع تصنيفه 5 نجوم، لديهم مهنية عالية في كيفية تقديم الضيافة مع إبتسامة رقيقة، كانوا يقدمون وجبات أيضا 5 نجوم، تتكون من طبق رئيسي وصحن سلطة وأجبان وصحن حلويات وكأس فارغ للقهوة والشاي وقنينة مياه معدنية صغيرة.
أما طائرة الملكية الاردنية فحدث ولا حرج، أستطيع أن أشبهها بباص كوستر في أحسن الأحوال، كانت صغيرة جدا 2+2، كانت من طراز إمباير ورقم معين نسيته، ربما إمباير وخشبة، كنا نسمع صريرا متواصلا أثناء حركة الطائرة وخلال تحليقها في الأجواء (تشعر وكأن شيئا سيسقط على رأسك)، إذا وقفت لحظة وفكرت أن ترفع رقبتك قليلا سيرتطم رأسك بالسقف، مقاعدها صغيرة، بمعنى أنها متلاصقة ومتقاربة كثيرا تمنعك من أن تمد رجليك إذا شعرت بالتعب، أما ممرها الوحيد اليتيم فهو ضيق لدرجة تدفعك الى أن تمشي (جنّابي) وليس بشكل طبيعي، أما الشاشات التلفزيونية فهي والحمد لله لا تعمل لا باللمس ولا بالبوس حتى، لانه ببساطة ما في شاشات أصلا، تخيلوا، المسافرون وعلى مدى نحو 3 ساعات من الدوحة الى عمان يجدون أنفسهم مضطرين الى النظر ببعضهم البعض أو بمؤخرة المقاعد، أو تأمل سقف الطائرة المنخفض، وغير ذلك من أوجه حرق الوقت…، وهل بقي اليوم هناك طائرات ليس فيها شاشات تلفزيونية؟!
على كلٍ ربما يكون كل ذلك غير مهم، المهم أن المضيفين لا يستحقون أكثر من تصنيف نصف نجمة في تعاملهم مع المسافرين وتقديمهم لخدمات الضيافة (كان على متن الرحلة مضيف أكاد أجزم بأن واسطة كبيرة جدا لا تقل عن مستوى رئيس وزراء تقف خلف تعيينه مضيفا جويا، لأنه بصراحة ليس له علاقة لا شكلا ولا مضمونا بالضيافة الجوية ولا الأرضية حتى، وبتقديري لا يصلح أن يعمل أكثر من بائع هريسة على عربة متنقلة وليس محلا ثابتا!
الآن جاء وقت وجبة الطعام، معظم المسافرين صاموا وأفطروا على بصلة، الصحن الرئيسي فيه بيضة مخفوقة "مقرقدة" مع سجق يشبه كثيرا الماسورة البلاستيك!، لا أذكر اذا كان هناك سلطة أو أجبان، لكن للأمانة كان هناك قطعة كيك "مخشّبة"، لا يوجد ماء مع الوجبة، وفِي حال مُتَّ من الجوع، بالإمكان إحضار لك كأس ماء تعاد تعبئته.
أما أباريق القهوة والشاي فقد كانت فريدة جدا في مظهرها، كانت مطعوجة أو مبعوجة ربما، شكلها المزري كان واضحا للعيان بينما يمسكها ذلك الشاب بائع الهريسة وهو يصب منها للمسافرين.
على فكرة، العديد من خطوط الطيران تتنافس حتى في نوع الطعام الذي تقدمه لمسافريها، أذكر في إحدى المرات كيف نفذت خلال أقل من 15 دقيقة كامل وجبات الطعام على إحدى رحلات الخطوط القطرية المغادرة من عمان آلى الدوحة، لماذا؟ لأنها كانت عبارة عن ملوخية مع دجاج بالأرز!… بصراحة كانت لذيذة جدا، لدرجة لا بمكن وصفها.
أقدّر كثيرا الفروقات الهائلة في الوضع المالي للشركتين الإماراتية والملكية، لا مجال للمقارنة هنا على الإطلاق، لكن على الأقل، يفترض أن يكون لدينا مضيفون مؤهلون، يعرفون كيف يكسرون حاجز الكشرة الاردنية ليتبسموا ولو قليلا في وجوه ضيوف الاردن على الأقل (إحنا المواطنين مش مشكلة، مش ضروري)، كما أن تقديم وجبة لطيفة متعوب عليها قليلا لا يرتبط بضرورة وجود إمكانيات كبيرة للشركة!
الآن، بعد كل هذه المقارنة، لكم أن تتخيلوا كم سعر التذكرة على متن الطائرتين، حقيقة شيء صادم جدا، تذكرة الاماراتية 290 دينار فقط، أما تذكرة الملكية فقيمتها 485 دينار، يا للهول ويا للظلم! من ينظر الى سعر الملكية يعتقد أنه سيطير على متن طائرات لوفتهانزا او البريطانية او الفرنسية، مع إنه أسعار تذاكر هذه الخطوط أيضا أقل من الملكية.
لذلك كله، فإن طائرات الملكية الاردنية بهذه المواصفات التي لا تحمل الحد الأدنى حتى من المعايير المطلوبة، بلا أدنى شك تسيء الى سمعة وصورة الاردن، فنحن دولة من الصف الاول وليس الثاني او الثالث على مستوى المنطقة!
لا أحد ينكر أن الملكية الاردنية كانت خلال سنوات طويلة وربما عقود حقل تجارب للفساد في الاردن، لكن ومن أجل الوطن، ومن أجل صورته وسمعته في الخارج، ومن أجل ثقة المواطن بمؤسساته الوطنية والسيادية الكبرى، أعتقد أنه يتوجب علينا الآن أكثر من أي وقت مضى أن نعمل على تنحية كل الأمور الأخرى جانبا بالنسبة للملكية الاردنية، فهذا الناقل الوطني للمملكة، وشعاره يحمل رسما لرمز غالي على قلب كل أردني.